"اتخذتَ إلهاً مِنْ ذهب وفضة، فأي فرق بينك وبين الوثني، سوى انه يعبد وثناً واحداً، وأنت تعبد مائة!"
(دانتي اليجيري)

تعيس هو ذلك المواطن العربي الذي يجعل من “موسى هلال” نموذجه وقدوته، في منزله، أو بين أبناء بلدته، أو ضمن قبيلته، أو في أروقة منظومته السياسية أو الثقافية، لأن مصير “موسى هلال”، مهما لقي من تصفيق، ومهما وجد من إطراء، ومهما نظر الى هيئته في مرآة نفسه فقط، لن يكون أحسن من مصير ذلك الذي احتفر لنفسه حفرة ظن انها خندق، فكان ان اقتيد كالخروف، وليس كما اقتيدت ملكة تدمر!

ولكن، من هو “موسى هلال”؟

إنه مواطن عربي، أسمر اللون، كأن افريقيا أعطته لون أديمها، وكأن العروبة لم تزل كامنة في اعماقه، يوم كان الشقيق يغدر بابن عمه، وحين كان المولى يتآمر على سيده، وساعة كانت المغازي دليل الرجولة، وحقبة تسيّد فيها الرمز الذكوري على كل ما سواه، فكان ان حصلنا على هجين يمتطي هجيناً، يخرج على الناس بكرة وأصيلاً، تسبقه صراخات القتلى، وتتبعه انكسارات النساء.

ميادين “موسى هلال” كثيرة، لكن أكثرها وضوحاً، قرية “بوبا” في دارفور، كما يروي بعض المراسلين الاجانب الذين زاروها تسللاً من تشاد، وحرد زملاؤنا العرب فوق مكاتبهم يتابعون شأنا آخر في عقر ديارهم، ولكن بطريقة الذي تأتيه المعلومات، مهذبة، ومشذبة، ومرضياً عنها، ثم يروّسها بعبارة: “خاص”!

عفواً، هذا ليس قدحاً بزملائنا الإعلاميين العرب، فالجسم الإعلامي العربي يزخر بنموذج “موسى هلال”، ولا حاجة الى مراجعة قوائم اسماء زملائنا الذين فصلوا من اعمالهم على امتداد الرقعة العربية، ولا حاجة كذلك الى العودة الى قائمة الذين اغتيلوا بكاتم الصوت في عقد السبعينات من القرن الماضي، لأن المعروف لا يُعرف.

نعود الى قرية “بوبا” الدارفورية، فلقد كانت تتألف من 300 منزل، بينما هي اليوم أطلال، بعدما قصفتها قوات الحكومة السودانية قبل تسعة أشهر، ثم اغارت عليها قوات “موسى هلال”، ففتكت بالرجال، وتم اغتصاب شابات عديدات، ثم انسحبت “على متون الجياد”.

“موسى هلال” يبلغ من العمر 43 سنة، متزوج من 3 نساء، وله 13 ولداً، اعتقل أكثر من مرة، في الأولى قتل 17 افريقيا، وفي غيرها سطا على مصرف، وهو الآن يقول انه “القائد الأوحد” ل 300 ألف عربي سوداني.

انه زعيم الجنجويد، أو “الجن الذين على ظهور الخيل”، كما يُعرفون الآن، وربما سيأتي احدنا فيصفهم بأنهم الذين “ولدوا على ظهور الخيل” مثل أبناء عمومتهم في الشيشان.

لكن “موسى هلال”، يتقاضى الآن مرتباً من الحكومة السودانية، ويُسمح له بالإغارة على من يشاء. وهذا الى حين. وحين يحين حين آخر، سوف يقال له: قِفْ، يا جنجويد!

وإذ ذاك يكون “جنجويد” آخر، ربما بثياب الاصلاح الأمريكي، قد آن ظهوره، في السودان. أو في العراق.. أو في..؟!