ليس هناك من سياسة عربية واضحة في شأن أي قضية مطروحة على صعيد المنطقة، نظراً الى عدم وجود زعامة عربية قادرة على وضع مثل هذه السياسة ولا حتى اداة أو مؤسسة عربية تستطيع التعبير عن مثل هذه السياسة. لذلك يتدهور الوضع في فلسطين يومياً. ولذلك يظل العرب على هامش ما يدور في العراق اضافة الى ان ليس لديهم اي دور في احتواء الوضع في اقليم دارفور السوداني. امس كانت الولايات المتحدة وبريطانيا تقودان الحملة الدولية الهادفة الى ما سمي الكشف عن الفظاعات التي تحصل في دارفور. وما لبث الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان تدخل شخصياً في الموضوع وذهب الى دارفور بعد ساعات من زيارة وزير الخارجية الأميركي كولن باول للاقليم. واليوم دخل الاتحاد الأوروبي بدوره على الخط وصار ينادي بضرورة وضع حد للمجازر التي ترتكبها القبائل العربية في حق الافارقة من سكان الاقليم... وكان الحق كل الحق على الحكومة السودانية.
تطرح الأوضاع في دارفور والعراق وفلسطين أسئلة حقيقية في شأن المتغيرات التي تحصل في الشرق الأوسط، وهي تعطي دليلاً على افتقاد الجانب العربي المبادرة وتحوله الى دور المتفرج في منطقة يفترض ان يكون فيها صاحب الكلمة الأولى والأخيرة اقله في ما يتعلق بالقضايا التي تخصه مباشرة مثل قضية فلسطين أو كيفية المحافظة على وحدة العراق والسودان في هذه الظروف الدقيقة.
هناك ضجة عالمية من النوع الذي لا سابق له ترافق أحداث دارفور، فلماذا لا تتوجه الى دارفور بعثة عربية على مستوى رفيع وليس على مستوى موظفين في جامعة الدول العربية كما حصل سابقاً لتقول للعالم ان هناك جانباً آخر للقضية وان الحكومة السودانية يمكن ان تلام ولكن ليس الى حد تحميلها كل المسؤولية عن المجازر التي وقعت او تلك التي يمكن ان تقع مستقبلاً. فالواضح ان هناك قوى اقليمية غير عربية تدخلت في دارفور وعملت لتأجيج الأوضاع في الاقليم في وقت كانت المفاوضات بين الخرطوم والقوى الفاعلة في الجنوب على رأسها العقيد جون قرنق تدخل مرحلة حاسمة في اتجاه التوصل الى اتفاق سلام يكون اطاراً لصيغة تعايش مستقبلية.
كان ملفتاً أن مفاوضات السلام السودانية ـ السودانية جرت في معزل عن أي تدخل عربي. والمؤسف أن بعض العرب كان يعمل لافشال تلك المفاوضات كما لو أن اتفاق سلام سودانياً سيحرمه ورقة التدخل في الشؤون الداخلية لهذا البلد وذلك بدل الدعوة الى اجتماع خاص لمجلس جامعة الدول العربية ينتهي بموقف واضح يدعم الخطوات التي تبذل من أجل استعادة السودان عافيته. مع التنبيه الواضح على أن المجموعة العربية معنية بكل اهل السودان، اكانوا عرباً أو أفارقة وذلك بغضّ النظر عن دينهم وعرقهم.
ان عدم حصول مثل هذه النقلة النوعية في العمل العربي المشترك يعتبر مساهمة في جعل الوضع السوداني يتجه الى مزيد من التدهور. بالطبع صارت قضية دارفور في مجلس الأمن وقد يكون اي تحرك عربي متأخراً. ولكن لا شيء يمنع ان يكون هناك تقويم مشترك للوضع في دارفور من دون تجاهل ان الحكومة السودانية ربما ارتكبت أخطاء وان ذلك لا يحول دون تقديم مساعدات عربية الى أهل دارفور، مساعدات لاظهار أن هناك رغبة في احتواء الوضع تفادياً للوصول الى مرحلة لا يعود ينفع فيها أي علاج غير ارسال قوات دولية الى المنطقة تكون مقدمة لفصل الاقليم عن السودان تمهيداً لفصل اقاليم أخرى وتقسيم البلد.
كشفت أحداث دارفور ان هناك غياباً عربياً، حتى لا نقول غيبوبة، تجاه ما يدور في تلك المنطقة السودانية. وهذا الغياب يظهر بطريقة مختلفة على الصعيد الفلسطيني وذلك في ظل العجز عن اتخاذ موقف من الأحداث الداخلية التي تشهدها غزة. فأي دور عربي على صعيد ضبط الأوضاع في القطاع في حال حصول الانسحاب الإسرائيلي؟ لماذا لا يكون هناك موقف عربي يؤكد ان أمن غزة في غاية الأهمية وأنه سيستحيل مستقبلاً خوض مواجهة ناجحة مع إسرائيل في شأن الجدار العنصري الذي تبنيه في الضفة الغربية بهدف ابتلاع جزء منها من دون المحافظة على الأمن في غزة وذلك بغضّ النظر عما يقوله رجال ياسر عرفات في القطاع أو أولئك الذين تمردوا عليهم من داخل "فتح"!
في السودان وفلسطين ثمة حاجة إلى موقف عربي وذلك بعدما استقال العرب من كل شأن له علاقة بالعراق عندما فشلوا في تفادي الاحتلال الأميركي ثم فشلوا في الاتفاق على كيفية العمل من أجل المساعدة في إنهاء هذا الاحتلال في أسرع وقت. في السودان وفلسطين لا يزال هناك بعض الأمل بعمل شيء كي لا يقال ان العرب صاروا غرباء في بلادهم وانه بعدما صار الحديث عن عالم عربي موحد مستحيلاً وانه من الأفضل التعاطي مع عوالم عربية لكل منها خصوصيته، بات عملياً القول ان شؤون المنطقة تقرر من خارج بما في ذلك رسم حدود دولها. هل يتقرر شكل السودان الجديد في واشنطن ولندن؟ هل يسمح العرب بتدهور الوضع في غزة كي يسهل بعدها القول في واشنطن وغير واشنطن ان المطالبة بدولة فلسطينية مستقلة مؤجلة إلى ما لا نهاية ما دام النموذج المطروح الفوضى السائدة في غزة؟