في الحرب لتغيير النظام في العراق كان الاعتقاد الاميركي بامكانية تحقيق نصر سريع من خلال ادخال الديموقراطية في العراق، وفي الحرب التي انطلقت في افغانستان كان هناك اعتقاد آخر بإمكان تصدير الديموقراطية, العنوان الديموقراطي سيطر على العقل الاميركي تجاه العرب, ومع الوقت بدأ يتبين بأن مشكلة العرب اعمق من ان تحل بواسطة التغيير الديموقراطي وحده بل تبين ان العالم العربي كتلة من الغضب والقلق والخوف والتخوف, وتبين ايضاً ان تجمعات القلق والخوف تعبر عن نفسها من خلال اطروحات شمولية ذات طابع مضخم تقوم على مبادئ التطرف قومياً او دينياً.
ان سقوط التطرف في العالم العربي وسقوط الاتجاه نحو الافكار الشمولية التي تتناقض مع الديموقراطية والحريات هو احدى نتائج المرحلة الراهنة من العنف والفوضى.
فمع كل ما حصل ويحصل هناك، فشل للايديولوجيات العربية الشمولية بكل صنوفها في تحقيق ما وعدت به, فالايديولوجية القومية اتت بسلسلة حروب وانظمة ديكتاتورية اخذت العالم العربي خطوات باتجاه الوراء, والتيارات الإسلامية لم تنجح في ايصال المسلمين والعرب الى مصاف القوة والاستقلال والتحرير والتنمية, بل اخذت التيارات العربية بشقيها القومي والإسلامي جموع العرب نحو تطرف لا حد له ونحو تشدد يخرج العرب من واقعية الإسلام.
سقوط الايديولوجية الشمولية العربية هو عنوان المرحلة المقبلة فالايديولوجيات العربية بكل صنوفها قامت على الرغبات والاسقاطات العاطفية والتصورات الخيالية, كما انها قامت على مفهوم سياسي لوحدة العرب ومفهوم شكلي لترابطهم لا يأخذ عوامل الترابط الاقتصادية والعلمية والتنموية بعين الاعتبار, كما ان هذه الايديولوجيات قامت على فهم خاطئ لمعنى القوة والعنف كما انها تعاملت مع النهضة والتنمية بصورة شكلية تقوم على سيطرة السياسة على كل شيء بما فيها الاخلاق والدين والاقتصاد, الايديولوجية العربية اكانت قومية أم إسلامية اعتقدت بأن الوسيلة تبرر الغاية، ومارست عشقاً للسلطة والتصنيف (وطني أو عميل: مسلم أو كافر) وتمرساً بالبقاء فيها.
السقوط في امتحان الشعارات الكبيرة والمبادئ المعلنة والكلمات القوية هو الذي سيشعر به العرب اليوم، فمن السعودية الى العراق ومن سورية إلى إيران وفلسطين هناك فراغ كبير يبرز في جميع الاوساط، والمستقبل في هذا كله سوف يتوقف على طبيعة من بملأ الفراغ, بامكان الفوضى وحالة من الضياع ان تكون البديل، وهذا ما نشاهد بعض ابعاده اليوم وبامكان البعض التمسك بالقديم دون النجاح في حل المشكلات او ملء الفراغ أو اقناع الاجيال مما يساهم بالانهيار.
ان طريقنا في مواجهة الفوضى والانهيار مرتبط بالاقتصاد والقانون والحريات, القانون ضرورة لتثبيت المؤسسات ودولة القانون، اما الحريات فهي ضرورية لتثبيت مجتمع مكون من افراد يشعرون بكرامتهم ويعبرون عن افكارهم بحرية, اما الاقتصاد فهو مقياس العمل والعطاء والانتاج والنجاح، وقد يكون الجديد في سقوط الايديولوجيات تحت وقع الحروب والفوضى وقطع الرؤوس وخطف الرهائن هو بروز اقتصاد جديد وحريات وقوانين تحمي من مخاطر الغوغاء والايديولوجيات الشمولية وتفتح الآفاق للمستقبل.