ظننت أنني أقرأ صحيفة قديمة عن استنفار سببه «رداءة» الاحوال الجوية الباردة، كتبت ما لا يخطر على بال أحد، السماء تمطر ثلجا في السعودية، وفي عز الصيف. هذا ما حدث في جبال السودة جنوب غربي البلاد حيث استدعت قوات الدفاع المدني لمواجهة تهديدات العاصفة الثلجية للساكنين.
لم يعد الصيف صيفا، هذا ما أقوله عادة لمن يسألني مستنكرا كيف أنوي قضاء هذا الصيف في دبي. صحيح انها من وراء زجاج النوافذ فوهة بركان تقذف حممها الحارة، لكن الحقيقة خلاف ذلك. دبي، في نظري، اكثر مدن شمال خط الاستواء برودة في الصيف. فانا لا استطيع، رغم اقتراب شهر أغسطس، ان اخرج الى أي مكان بلا معطف خشية البرد حيث لا توجد دار او مكتب او مطعم او فندق إلا وكأنه ثلاجة.
وهذا ينطبق على معظم مدننا العربية التي انتقلت الى عصر التكييف. والتكييف من وجهة نظرنا، على الأقل نحن شعوب الـ45 درجة، نعتبره أعظم اختراع في التاريخ يفوق الهبوط على سطح القمر. فقد كانت الحرارة الدافع الاساسي في هروب عرب شبه الجزيرة المستمر من فجر التاريخ الى كل الاتجاهات، ولم يتوقف الا بعد ظهور المكيف، طبعا لا ننكر قيمة هطول عوائد النفط.
ومع أنني اعود الى حر جهنّم، كما يوصف، فما زلت عاجزا عن فهم كيف استطاع ان يسوق اهل دبي مدينتهم الى درجة صارت اشغال الفنادق تبلغ نحو مائة في المائة، في ظروف مناخية لا تطاق. حتى مدير الفندق نفسه عاجز عن فهم الظاهرة، هل هي «شطارة» التسويق، ام إيمان الناس بكل ما يرد من المدينة، او ماذا ؟ كنت اسأله عن اجازته التي ذكر من قبل انه خطط لها في الشهر المقبل فهز رأسه متحسرا بانه لا يستطيع ترك فندقه بعد أن اصبح محجوزا لكل ما تبقى من الفصل. قال انهم كانوا يعرضون في السوق تخفيضات كبيرة في مطلع الصيف اعتقادا انه سيكون موسما راكدا ليجدوا لا حاجة لها.
ومن ثلج السودة الى برد مكيفات دبي اعتقد ان مفهومنا للاجازات الصيفية لم يعد ذلك القديم المبني على حساب درجات الحرارة. ولولا ان اجازات المدارس تفرض نفسها في الصيف لقلت إن مفهوم الاجازات الجماعية يجب ان يلغى وتحديدا في مناطقنا ويتم تبديل مواعيدها، والا ما الحاجة في موسم اجازات موحد يسبب هذه الفوضى العارمة في مطارات العالم وفنادقه ومصايفه ؟ أيضا لماذا لا يستمتع مصطافو الوديان الحارة في اجازات الربيع او الخريف وحتى الشتاء؟
الذي أعرفه ان هناك من لم يعد اسير فكرة التصييف الجماعي، مثل الزميل الدكتور احمد الربعي يختار عمدا ان يقضي صيفه في الكويت ويقول انه يجد فيه متعة، رغم عواصفه الغبارية وحره اللاهب.