عمان من بسام البدارين: تبحث السلطات الأردنية عن طريقة لتجاوز محنة الاختطاف والاستهداف التي تواجهها المصالح الأردنية في العراق. فالحكومة لم تكن مستعدة للتعامل مع واقع مثير مماثل لما حصل الأسبوع الماضي. فقد شكلت حلقات التعاون مع المشروع الأمريكي في العراق ضغطا غير مسبوق علي عمان، فيما لا يبدو ان حكومة صديق الاردن اياد علاوي قادرة فعلا رغم التحالفات الاستراتيجية معها علي حماية المصالح الأردنية، أو علي عزل هذه المصالح عن سياق الفوضي التي تعم الشارع العراقي.
وحتي الآن قتل أردنيان وخطف سائقان مع أربعة عمال من التابعية الأردنية. وهذه الأحداث مقيدة ضد مجهول وما تعانيه عمان انها رغم علاقتها القديمة والممتدة لنصف قرن مع العراق والعراقيين لا تجد جهة واحدة تتحدث معها بشأن الاعتداءات التي تطال مصالحها ومواطنيها في تحول دراماتيكي مؤثر.
والأهم ان عمان سياسيا وأمنيا وفنيا تدرك تماما ان الأمريكيين لا يمكن التعاون معهم كجهة متحكمة بالعراق لامتصاص آثار مشاكل هم أصلا سببها، فيما يقف علاوي عاجزا حتي عن تقديم معلومة مهمة حول مكان اختطاف الأردنيين الستة او هوية مختطفيهم. فعلاوي ايضا مستهدف وضغط المجموعات العراقية المسلحة والغامضة بدأ يطال المناطق العصبية الحساسة في العلاقات الأردنية العراقية مثل قطاع النقل البري والشحن وطريق عمان ـ بغداد الصحراوي الطويل والشركات الأردنية التي كانت تعمل بدون ضجيج واعلان في الساحة العراقية.
وهذا الوضع معقد تماما بالنسبة للأردنيين، خصوصا بعد اعلان فضائية دبي عن خطف أربعة عمال أردنيين جدد من قبل مجموعة تسمي نفسها الموت ، هددت بقتلهم اذا لم توقف شركتهم واسمها العبور نشاطاتها في تزويد الجيش الأمريكي. وهي شركة لا يوجد في الواقع لها سجل في عمان، مما يدل علي ان من يستهدف العمال والسائقين الأردنيين يعمل في اطار منهجية واضحة تفكك الغاز بعض شركات الباطن الأردنية والعراقية التي تعتقد المقاومة العراقية انها تعمل مع الأمريكيين.
وفي الواقع تزداد مساحات التعقيد لأن الأردنيين في المستوي الشعبي ورغم صدمتهم باختطاف أبنائهم وقتلهم يشعرون بقدر من التفهم لدوافع المجموعات العراقية المسلحة. والمفارقة هنا ان الحديث عن شركات أردنية بالباطن تعمل مع الأمريكيين في العراق جديد بالنسبة للأردنيين الذين تسيطر عليهم فكرة الاعلام الرسمي حول العمل في العراق لخدمة العراقيين كشعب والذين يعرفون مسبقا بأن حكومتهم مضطرة للتعامل مع الأمريكيين في العراق لأسباب براغماتية وسياسية وامنية لكنهم لا يعرفون بان شركاء في القطاع الخاص الأردني يعملون مع الأمريكيين وهو ما تثبته الأحداث الأخيرة.
وفي الواقع لم تستهدف مجموعات السلاح الفوضوي في العراق الرسميين الأردنيين او رموز الحكومة الأردنية في العراق، وتم استهداف مواطنين ضعفاء اضطرتهم متطلبات المعيشة للعمل في العراق في الظروف الحالية. وهؤلاء الضعاف يعملون في مؤسسات تبين الآن ان بعض حيتان السوق يملكونها وتعمل مع المشاريع الأمريكية.
وبسبب هذه الحقائق حصل إجماع في الشارع الأردني علي مطالبة الخاطفين إكراما للشعب الأردني بالإفراج عن المواطنين المخطوفين. وشارك في هذا الاطار التيار الاسلامي وبقية الأحزاب والقوي الشعبية في الأردن وقوي العشائر وتحديدا عشيرة العدوان، التي وجهت رسالة لشيخ مشايخ عشائر الحمداني في العراق الشيخ خضر الحمداني للتدخل لدي الخاطفين. فوعد الأخير خيرا وبدأ اتصالاته.
والعنصر الأكثر تعقيدا يتمثل في أن اي أردني يريد ان يعمل في العراق وبصرف النظر عن الجهة التي يعمل معها لا بد ان يكون حلقة من حلقات اقتصادية لها صلة بالأمريكيين وعطاءاتهم ونشاطاتهم. فالجيش الأمريكي هو المسيطر علي كل شيء تقريبا. وبالمقابل ثمة منطق ووجاهة في فهم إصرار المقاومة العراقية الشرعية علي ضرب العناصر الحيوية في العراق الجديد في ظل الاحتلال، حيث لا يميز المقاومون هنا أخلاقيا بين صديق وعدو لتحقيق هدفهم الاستراتيجي، مما يجعل القطاع الخاص الأردني ملحقا باستهدافات بعض مجموعات المقاومة العراقية. والمشكلة ان الفقراء والعمال والسائقين يدفعون الثمن خصوصا اذا دخلت عصابات مسلحة علي الخط تطالب بفدية وأموال وتمارس عملا خارج سياق أخلاقيات المقاومة.
وبطبيعة الحال وبسبب التعقيدات المشار اليها تواجه الحكومة الأردنية صعوبات عملية في متابعة ما يجري لرعاياها داخل العراق، رغم ان الخارجية الأردنية وسفارتها كرست نفسها خلال اليومين الماضيين لمتابعة حوادث الاعتداء علي الأردنيين. لكن السؤال ما زال مطروحا: كيف ومع من ستجري عملية المتابعة؟ ومع ان بعض المسلحين العراقيين يبررون أي سلوك في اطار سعيهم لخروج الاحتلال بما في ذلك الاعتداء علي الأصدقاء الأردنيين، فالمصادر العراقية تؤكد ان العراقيين أنفسهم لم يسلموا من عمليات الخطف والاعتداء الرائجة علي نطاق واسع حاليا بعد الفوضي التي خلقها الأمريكيون.
وفي حادثة خطف السائقين قبل أربعة أيام اكتشف الرأي العام الأردني وجود شركة أردنية اسمها داود وشركاه تعمل كوسيط لنقل وشحن البضائع بالتعاون مع الأمريكيين. وحادثة الخطف فيما يبدو تستهدف عمل هذه الشركة التي لا يعرف الا عدد محدود في صفوف النخبة الأردنية انها احدي شركات الباطن المتعاونة فعلا مع ادارة التزويد في الجيش الأمريكي، علما بأن المخطوفين يعملان لدي شركة نقل أخري فرعية تعمل مع شركة داود، وهي شركة رامي العويس التي اعلنت استجابتها ووقف كل نشاطاتها في العراق واغلاق مكتبها في بغداد.
وبنفس الوقت لا يعرف الكثير عن شركة العبور لكن من الواضح أنها واجهة لمزودين أردنيين يعملون مع مشروعات لها علاقة بالحكومة المؤقتة في العراق. والمثير في المسألة ان الجهة المنظمة التي تنتقي أهدافها من المواطنين والسائقين الأردنيين تعرف ما الذي تفعله وهي ترسل رسالة مضمونها بان ينهي اي طموح عند شركاء أردنيين آخرين في القطاع الخاص بالعمل مع الأمريكيين في العراق مستقبلا، وهذا هو الجانب الأخطر في الموضوع لان القطاع الخاص الأردني يقاتل بشراسة للحصول علي حصة من كعكة اعادة الاعمار بالعراق مدعوما بحكومته التي تضغط علي الأمريكيين بشدة.
وحتي الآن لم يحصل القطاع الخاص الأردني علي أجزاء مهمة من الكعكة اياها، لكن الأمريكيون مكنوه من العمل عبر بعض الواجهات بالباطن خصوصا في مجال التزويد والشحن وهي حصريا الواجهات التي تابعتها المجموعات المسلحة العراقية واستهدفتها، فيما تبقي المصالح الرئيسيه مع الحكومة الأردنية بعيدة عن متناول الفوضي العراقية.