قلت أدون يوميات. كتابة خفيفة لا تفكر. ليست محايدة بالضرورة، غير انها تتدخل في حدود ترتيب الاشياء من دون ان تعمل مشاكل. وبما انني انتبهت الان الي لطف الفكرة، يكون قد فاتني تدوين معظم يوميات عمري، وسوف لن تكون تجليات الذاكرة عونا علي مضاعفة انهماكي باسترجاع ما مضي. ادون اذن، ما اعتقد انني عرفته من عيش في عمان، وما يبدو لي اكثر هدوءا من ان يغفل، او هو احتوي علي اشكال سعي غير مكتوب ضمنا، جديد ايضا وغير متوقع ولم اعرفه بعد.
يجب الاعتراف بداية، علي ان هذه ليست حياتي الحقيقية، ينقصني شخص في السطور لكي تبدو كذلك. بيد انها تكفي كتلة السأم هذه علي قلبي حتي اسرع في الكتابة، وحتي لا ادع للايام التي قضيتها في عمان، ان تحمل سرها معها الي القبر.
كنت اخشي حين دعيت الي مهرجان جرش، ان يروعني الحر في عمان، فلا يألفه جسدي النهري. علي العكس، الجو لطيف، لما فتحت الشباك وأذنت للنسمات الفتية بالدخول الي غرفتي في الأوتيل. طلبت نسكافه بعد ان رتبت محتويات حقيبتي في الخزانة. المنظر من شرفتي في عمان وست يطل علي البيسين . هدأ روعي لرؤية المياه. منذر المصري هاتفني لحظة وصوله. حكي عن الساعات المهولة التي استغرقتها رحلته البرية من اللاذقية مرورا بدمشق حتي عمان. منذر طفل كبير يحب السينما ولا يحرجه البكاء ويمضي عمره في سماع الاغنيات.
ذهبنا ليلا موسي حوامدة ومنذر وانا الي الشميساني ، قلنا اشياء اكثر صدقا مما يقوله غيرنا في مناسبة مماثلة، ولكني لا اعثر الان علي اثر منها. عند الصباح الارجاء ساكنة، لم ينزل احد بعد. رأسي يؤلمني. ليلة امس بحثت عن الريموت كونترول لم اجده. مستني الكهرباء حين عملت اصبعي الصغير في الجهاز. من احساس عال بالتوتر الكهربائي رأيت الي الفيلم العاطفي المعروض. البطل يحب البطلة التي لا تحبه، استثار الأمر عاطفة عابرة لا اكثر. يحيرني امر الشعراء الاجانب المدعوين. ما الذي يفعله هؤلاء عندنا. يجلسون لتناول طعامهم وحيدين هكذا فتبكيني كل هذه الدعة. احدهم روسي لا يفقه سوي روسيته و السلام عليكم . اي سلام يا صاحبي. يتنسم طوال الوقت جملة أليفة فلا يجد. قلت في سري انه وحده المسؤول فما الذي اتي به من اخر الارض، وهل يعينه الشعر في ايامه الخرساء.
جميل ان تحيا خارج العالم وسجونه. قصدت مقصف الاوتيل واصغيت ببعض الفضول الي الاحاديث الدائرة حول الطاولات المجاورة، اخمن طبيعة الصلات بين المتحدثين.
تسكعت هنا وهناك في محيط المكان وفكرت بدواخل تلك البيوت المسيجة بالياسمين. هل يا دواخل ابيضّ قلبك؟
نبح عليّ كلب ضخم مربوط بسلسلة، فذهبت بي افكاري الي سجن ابو غريب . ماذا لو أكلني الكلب وارتحت من هذا العالم العربي قاطبة؟ اشعر باختلاط الاشياء وبأن لا قدر لي علي احتمال تداعيات افكاري. جا الباص يصحبنا الي الأمسية الشعرية. يجيء الباص كل ليلة ليصحبنا الي امسية شعرية. الباص نفسه لا يعرف ان ما يصحبنا اليه، ليس الشعر بالضرورة. ولو عرف الباص لما تكبد المجيء. اللون هو الشعر. تدرجه علي وجهك ويدك انت البعيد. لون روحي التي ابيضت من طول غيابك.
لون رسغي المزرق حين يفكر بقميصك المذهول من وفرة جسدك. كان باستطاعتي، ربما، ان اقول ذلك للباص الاهبل الجاثم وينتظرنا الي الشعر.
أكلنا فولا وحمصا وفلافل وبليلة وكل شيء.. أكلنا كل اوجاعنا ومضغناها جيدا. احمد الشهاوي وميسون صقر وزهير ابو شايب وموسي حوامدة وفخري صالح وريم قيس وحسن نجمي وآخر نسيت اسمه وانا. حكينا نكاتا مع ذلك وضحكنا وأكلت شخصيا برغبة دب قديمة، الي فريسة ما حقيقية. كان يبدو ان لاشيء يعطل مسيرة سعادتنا. بيد اننا كنا نعرف ان الامر ليس كذلك.
أليس كذلك يا حسين جلعاد؟ أليس كذلك يا جهاد هديب؟ يا يحيي القيسي؟ يا إلياس؟ يا تحسين الخطيب؟
جرجس شكري و الايدي عطلة رسمية كان قد دخل عميقا في الحالة. انه صعيدي ومعتاد علي الدخول عميقا في اقصي الحالة، وكنت قد بدأت أكابد غيابه، حتي قبل ان يرحل؟