توجه جون أشكروفت وزير العدل الأميركي إلى الكونغرس حاملاً سجلاً حافلاً من إنجازات عام انقضى في الحرب الأميركية الكونية ضد الإرهاب العالمي. وعرض أشكروفت قضايا اشتملت على 310 أسماء لمتهمين قيد الاحتجاز حالياً للدلالة على فعالية قانون الوطنية الذي يقول إنه تحول إلى كابوس في وجه تنظيم القاعدة.
قد يتفق البعض أو يختلفون مع الوزير أشكروفت بشأن مسألة كابوس القاعدة تلك، لكن هل يمكن لأحد أن يتخيل أن قانون الوطنية قد أصاب تنظيم القاعدة بأي ضعف أو وهن؟ هناك أدلة كثيرة على أن قانون الوطنية الذي صدر العام الماضي قد استهدف أشخاصاً لا علاقة لهم من قريب أو بعيد بالقاعدة أو بأي شكل من أشكال الإرهاب.
كان كثيرون من أعضاء الكونغرس قد عارضوا إصدار قانون الوطنية، وعلى الرغم من هذا تقدم الوزير أشكروفت بتقرير يقع في 29 صفحة في محاولة لعرض جبل من الأدلة على فعالية قانون الوطنية. لكن الوزير أشكروفت تجاهل في تقريره عدداً من الحقائق الهامة التي تدحض ادعاءه. في الواقع، هذا التقرير الذي تقدم به أشكروفت ليس سوى جزء من جهود سنوية يقوم بها الوزير لحث المدعين العموم في الولايات المتحدة على زيادة أعداد القضايا المتعلقة بالإرهاب، وتكون هذه الزيادة عادة من خلال استخدام القوانين الخاصة بمكافحة الإرهاب ضد متهمين في قضايا جنائية ذات طبيعة عادية، أو حتى ضد المتظاهرين والفنانين من ذوي التوجهات السياسية.
خلال حرب فيتنام، ووجهت المؤسسة العسكرية الأميركية بانتقادات حادة لعدم إعلانها عن أرقام الضحايا والمصابين من الجنود الأميركيين في الحرب للتغطية على الخسائر الكبيرة التي ذاقتها الولايات المتحدة في تلك الحرب. الأسوأ من هذا أن الجيش الأميركي عمد إلى استخدام القوة المفرطة والمدمرة لإيقاع أعداد كبيرة من الضحايا في صفوف الفيتناميين. وبرغم هذه الدروس الصعبة، لا تزال وزارة العدل تحت إشراف الوزير أشكروفت تتبع نفس الأسلوب في حساب الأرقام، حيث تقوم الوزارة بالضغط على المدعين العامين لتقديم أرقام مرتفعة للقضايا ليقوم الوزير بعرضها خلال تقريره السنوي للدلالة على نجاح الحملة الأميركية على الإرهاب.
وكما كان الحال في فيتنام، انتهجت وزارة أشكروفت سياسة تستهدف، ودون تفرقة، أي شخص يمكن اتهامه بقضية يمكن تصنيفها في خانة القضايا المتعلقة بالإرهاب أو التي تمثل تهديداً للأمن القومي الأميركي. وكما يخطيء الجنود ويطلقون النار على حيوانات بريئة تعبر النهر لتقديم تقارير تشتمل على أعداد أكبر من الضحايا، يقوم المدعون العموم بملاحقة الفنانين والمتظاهرين وأساتذة الجامعات.
في الواقع، فإن وزارة العدل بفرض سياسة غريبة على المدعين العموم بنظام أقرب إلى نظام الحصص. وفي ظل هذا النظام، تقوم كل مقاطعة بتقديم عدد معين من القضايا للدلالة، كما يرى أشكروفت، على وجود تهديد إرهابي على المستوى الوطني. على سبيل المثال، لم يشتمل التقرير الذي تقدم به أشكروفت سوى على قضيتين اثنتين من ولاية نيو جيرسي، ولهذا السبب قام وزير العدل الأميركي بإضافة قضايا يتهم فيها 65 شخصا من منطقة الشرق الأوسط بتهم مخالفة قوانين الهجرة إلى تقريره كقضايا ذات صلة بالإرهاب.
ومن خلال قوانين مكافحة الإرهاب التي صدرت في الولايات المتحدة بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أصبح المدعون العموم يتبعون سلطة وزير العدل، وأصبح توصيف قضايا مكافحة الإرهاب ينطبق على المخالفات التي يقوم بها رجال العصابات في شوارع نيويورك.
ولعل أغرب مثال على الاستخدام الشاذ للقوانين لدعم موقفه في الحرب ضد الإرهاب هو تطبيق قانون يعود تاريخ صدوره إلى القرن التاسع عشر ضد جماعة السلام الأخضر لمعاقبتها بتهم تتعلق بقرصنة البحار! وكان أشكروفت يريد مقاضاة جماعة السلام الأخضر بسبب اعتراضها في البحر لسفينة تحمل شحنة من خشب الماهوني النادر بصورة غير قانونية. والأغرب أن مسؤولي وزارة العدل أصروا على أن هذه القضية تندرج تحت توصيف قضايا الأمن القومي وحماية المواني، لكن القاضي الفيدرالي الذي نظر القضية رفض الدعوى.
هل تعلم ماذا كانت آخر قضية تتعلق بمكافحة الإرهاب قدمتها وزارة العدل التي يرأسها الوزير أشكروفت؟ لقد قدمت وزارة العدل قضية تتهم فيها عدداً من الأشخاص استخدموا بكتيريا عادية تماماً ضمن معرض خاص للإعراب عن معارضتهم للأبحاث البيولوجية!!
وكانت القضية بدأت عندما قامت فرقة فنية في مدينة بافالو بولاية نيويورك تطلق على نفسها اسم (الفرقة الفنية النموذجية)، والتي تنتج أعمالاً فنية على الإنترنت وفي المتاحف تبرز فيها مخاطر الأبحاث البيولوجية والهندسة الوراثية.
وحدث أن أصيبت زوجة مؤسس الفرقة، ستيفن كيرتز، بإغماءة مفاجئة. وعندما استدعى كيرتز خدمة إسعاف الطوارئ، ترك رجال الإسعاف المرأة المصابة (والتي توفيت بعد ذلك بأزمة قلبية) وركزوا على الأجهزة والكتب الموجودة بالمنزل، والتي بدا أنها تتعلق بقضية الأبحاث البيولوجية. واستدعى رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى المكان وتم تحريز كل ما بالمنزل، من جثة الزوجة إلى أوراق أجوبة طلابه في امتحانات نصف العام بالجامعة.
وتم أيضاً توجيه الاتهام إلى الأستاذ الجامعي روبرت فيريل، زميل كيرتز، لإصداره أمراً بإعطاء الجراثيم والبكتيريا إلى الأخير.
وعلى الرغم من تأكيدات الخبراء في وزارة العدل بعدم خطورة الجراثيم والبكتيريا المحرزة، أصر مسؤولو الوزارة على التحقيق في القضية على أنها قضية تتعلق بالإرهاب البيولوجي. وبعد فشلها في إدانة كيرتز في هذه القضية، سعت وزارة العدل إلى إدانته بتهم تافهة لضمان إدانته بأي شكل.
لكن فشل قضية كيرتز لا يمثل حالة عامة في القضايا الغريبة التي تسعى وزارة العدل من خلالها لزيادة أعداد القضايا الخاصة بمكافحة الإرهاب في تقريرها السنوي. في إحدى تلك القضايا، وقف أشكروفت يتفاخر بإدانة ثلاث راهبات لقيامهن بالكتابة على جدران منشأة نووية للإعراب عن معارضتهن للأنشطة النووية.وتم اعتقال الراهبات الثلاث وحكم عليهمن بالسجن لسنوات، وتمت إضافة القضية تحت مسمى (قضايا تهديد الأمن القومي).
قد لا تكون المشكلة في إساءة استخدام أشكروفت للقوانين، لكن المشكلة الحقيقية في تطبيقها على فئات دون غيرها؛ فوزارة أشكروفت تتحرك بتلقائية ضد المتظاهرين والمسلمين كمشتبه بهم في أية قضية.
إن أميركا أشكروفت ترى في هؤلاء مشتبهاً بهم أول في قضايا مكافحة الإرهاب، لكن العالم يرى في هؤلاء الدليل الأهم على فشل حملة أشكروفت ضد الإرهاب.