يبدو الشرق الأوسط من منظور وستمنستر منطقة متزايدة المشاكل. العراق لم يعد يتصدر الأخبار، لكن من الصعب القول ان وضعه يتحسن بدل ان يتراجع. ويشير المأزق المتفاقم الذي يواجهه ياسر عرفات الى ان الفلسطينيين يقتربون في شكل خطير من حرب أهلية. وها هي بريطانيا تبدو متأهبة لارسال خمسة الاف جندي الى السودان، خوفا من تكرار مأساة رواندا في منطقة دارفور/تشاد. كما تشهد العلاقات مع ايران، التي تلقى انتقاداً متصاعداً من المحافظين الجدد في واشنطن، توتراً جديداً. لكنني وجدت في كل هذا نقطة ضوء ضئيلة واحدة، هي تصويت بريطانيا في الأمم المتحدة ضد الجدار الاسرائيلي السيء الصيت في الضفة الغربية.

في 20 تموز (يوليو) أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً بغالبية 150 صوتاً مقابل ستة، دعا اسرائيل الى ازالة الجدار وتعويض الفلسطينيين. وجاء القرار استناداً الى حكم محكمة العدل الدولية قبل بضعة أسابيع. ورغم حرص قرار الجمعية العامة، محقاً كما أرى، على ادانة الارهاب، لم يكن هذا كافياً لوقف تصويت الولايات المتحدة ضده بدل الامتناع عن التصويت. فيما صوتت بريطانيا لصالح القرار، جنباً الى جنب مع الدول الـ24 الأخرى الاعضاء في الاتحاد الأوروبي.

في كواليس حكومة توني بلير، مثلما في آخر حكومة للمحافظين، يستمر الصراع حول قضية الشرق الأوسط. وهناك خطر بالنسبة الى مراقب مثلي في المبالغة في الاستنتاج من حادث واحد قد يكون معزولاً. لكن كان من المثير ان لندن في هذه الحال، رغم انصياعها المخزي عادة للرئيس جورج بوش في القضايا الأخرى، اتخذت موقفاً معارضاً لواشنطن، أي انها هذه المرة كانت تنظر عبر بحر المانش وليس المحيط الأطلسي. وجاء ذلك بعد أسابيع قليلة فقط على مباركة توني بلير على الاتفاق بين بوش وارييل شارون على مستقبل الغالبية الكبرى من المستوطنات الاسرائيلية في الضفة الغربية ورفض «حق العودة» للاجئين الفلسطينيين.

الوضع في لندن أن وزارة الخارجية تتفهم عادة الى الموقف العربي فيما لا يريد رئيس الوزراء اتخاذ أي موقف قد يغضب الأميركيين. وكان رقم 10 داوننغ ستريت مشغولاً أثناء تصويت الجمعية العامة بتقرير اللورد باتلر عن معلومات الاستخبارات البريطانية عشية حرب العراق والانتقادات القوية التي وجهها الى طريقة عمل الحكومة، ولم يرد ان يتدخل في التصويت. وكانت هناك بعض التغييرات في 10 داوننغ ستريت، من بينها تعيين السفير السابق الى اسرائيل السير ديفيد ماننغ، الذي كان على صلة وثيقة بكوندوليزا رايس في البيت الأبيض، سفيراً لبريطانيا في واشنطن.

ومثلما شهدنا مراراً في الماضي جاء رد فعل اسرائيل على تصويت دول الاتحاد الأوروبي مبالغاً في حدته. واستدعت اسرائيل السفير البريطاني والهولندي (هولندا حاليا هي الرئيسة الدورية للاتحاد) ورئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لتأنيبهم. وأصدرت وزارة الخارجية الاسرائيلية اثر ذلك بياناً قالت فيه ان «اسرائيل تأسف في شكل خاص لموقف الاتحاد الأوروبي واستعداده لمماشاة الموقف الفلسطيني، وهو ما يثير الشكوك في قدرة الاتحاد على المساهمة في العملية الديبلوماسية».

لكن المؤسف حقاً ان تستطيع اسرائيل (6 ملايين نسمة) ابلاغ الاتحاد الأوروبي (أكثر من 400 مليون نسمة) كلما انتقدها انه لم يعد وسيطاً نزيهاً في الخلاف - وهو أيضاً ما تكرره اسرائيل في شأن الأمم المتحدة منذ عقود. ولا شك ان للعرب بدورهم القول ان تصويت الولايات المتحدة لصالح اسرائيل في قضية الجدار ينزع عنها صفة الوسيط النزيه. والحقيقة هي ان المرحلة الحالية المؤدية الى انتخابات الرئاسة الأميركية لن تشهد الاّ الحد الأدنى من النشاط لدفع «خريطة الطريق»، وان موقف الرئيس جورج بوش من مستوطنات الضفة الغربية يوحي الى الكثيرين بأنه ليس متحمساً لاقامة دولة فلسطينية بمقومات كافية للبقاء، وهو الشرط الضروري لسلام دائم في الشرق الأوسط.

موقف اسرائيل هو ان الجدار الذي يبلغ طوله 720 كلم ويعزل الوفاً كثيرة من الفلسطينيين عن أراضيهم وأعمالهم ومستشفياتهم سيستمر، عدا تغيير لمقطع منه بطول 30 كلم تقريبا قرب القدس فرضته المحكمة العليا الاسرائيلية.

أما بالنسبة الى موقف الفلسطينيين من تصويت الجمعية العامة فقد أعتبره صائب عريقات، تلك الشخصية الجديرة بالاعجاب، «قرارا تاريخيا ونحض المجتمع الدولي على دفع اسرائيل الى الانصياع لقرار محكمة العدل الدولية. الجدار لا بد ان يزول. انت في النهاية إما مع القانون الدولي أو ضده، وليس هناك موقع بين هذين».
انني اتفق تماماً مع هذا الموقف. اسرائيل تتصرف بقصر نظر فاضح، والجدار من دون شك مصدر قلق للمجتمع الدولي.