في الخروج الأول لمسؤول عراقي «جديد» الى المحيط العربي، لا بد ان أياد علاوي بدأ يرى الصورة مختلفة عما كانت في ذهنه وهو شبه محاصر بالوضع الأمني في بغداد. ولا شك ان ذلك الـ«شيء من الشرعية» الذي يتمتع به وحكومته بات في صدد أن يصبح «شيئاً» أكبر، لأن البعد العربي يدخل في نسيج «الشرعية»، أياً كانت مشاعر العراقيين الجدد حيال العالم العربي الذي يعتقدون صواباً أو خطأ بأنه كان وربما لا يزال مهووساً بصدام حسين. فحتى لو كان ذلك صحيحاً، يقتضي الانصاف القول إن العرب أخذوا علماً بما حصل للنظام السابق، ومن السخف الاعتقاد بأنهم يواصلون الرهان على بقاياه.

الحاصل اليوم ان العراق ومحيطه يعانيان من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها الأميركيون بعد الاحتلال، وفي ادارتهم للبلد بعد سقوط النظام السابق. هناك الكثير مما كان متوقعاً، والكثير مما جرى تنبيه الأميركيين اليه لكنهم لم يشأوا أن يسمعوا وسواء كان ذلك صواباً أو خطأ، ساهم المحيط العربي بشكل أو بآخر في الحرب، إما بتسهيلات أو بتنسيقات أو حتى بالتغاضي والصمت، أما العكس ـ أي مساعدة نظام صدام ـ فلم تحدث فضلاً عن أنها لم تكن متاحة. إذاً ينبغي أن يلتزم العراقيون الجدد مزيداً من الواقعية في التعاطي مع العرب، وأن لا يحكموا على الحاضر والمستقبل بمعايير الماضي لشحذ مشاعر انتقامية لا معنى لها سوى مسايرة العداء الأميركي للعرب واللعب عليه ظناً أنه مفيد في تعزيز الولاء واستدراج المكاسب من الوصي الأميركي.

لم يعد خافياً أن النظرة الى المغامرة العراقية آخذة في التغير داخل الولايات المتحدة، وعلى نحو سلبي. نعم، الجميع يساند الجيش ولا يريد إغراق الإدارة، وحتى جون كيري تفادى في خطاب الترشيح أن يكون واضحاً في مآخذه، إلا أن النتائج الحقيقية للحرب وضعت النظام كله في مأزق، والجميع يريد حماية النظام بمعزل عن التنافس الانتخابي. وكالعادة، أصبحت كلمة السر التقليدية هي البحث عن باب المغادرة. وبالنسبة الى قوة عظمى كالولايات المتحدة لا يعني ذلك الرحيل من العراق وتركه مع مشاكله وانما تقليص التورط الى أدنى درجة، مع الاستمرار في التحكم بمفاتيح الوضع وتحركاته.

الجولة العربية لرئيس الوزراء العراقي ليست مجرد حركة بروتوكولية. انها خروج من القوقعة، ومحاولة للخروج من أزمة لم يعد الوصي الأميركي قادراً على معالجتها. ليس صدفة ان يلتقي علاوي مع وزير الخارجية الأميركي، تحديداً في جدة، وانما هي تقاطع مدروس، خصوصاً مع طرح فكرة ارسال قوات من دول اسلامية وعربية لـ«تعويض» أي نقص في قوات «التحالف». إذاً، هذه عودة الى الواقع والى الحقائق. وعدا معاودة فتح السفارات، سواء مع المملكة العربية السعودية أم سورية، كان واضحاً أن علاوي ووفده حملا الى العواصم العربية كل الهموم، من الأمن الى الديون الى التعاون. صحيح ان الضغوط الأميركية دولياً، وفي كل اتجاه، جلبت للعراق الكثير من المساعدة والوعود بالمساعدة، إلا أن هذه المساعدات باتت تجلب لبغداد عداوات الدول المضغوط عليها أميركياً بسببها. الأمر يختلف مع دول المحيط لأن لديها رغبة ومصلحة في مساعدة العراق لتبني معه علاقة جوار سوية وفاعلة، وكل ما تتمناه ألا تكون أراضي العراق منطلقاً لتنفيذ مآرب أميركية ضدها.

يفترض أن يكون الزائر العراقي لمس هذا التخوف عند الجيران. فمهما كان فضل الأميركيين كبيراً في «تحرير» العراق من النظام السابق، لا بد أن يشعر العرب بأن تغييراً حقيقياً قد حصل. أما أن يكون نظام صدام زال كـ«مصدر تهديد» ليحل محله الأميركيون كـ«مصدر تهديد» أخطر، فهذا لا يعني سوى تغيير شكلي فيما الخطر باق. ويكفي ان الاحتلال الأميركي حوّل العراق مرتعاً للارهاب، بما يعنيه من خطر على الجميع، ولا ينفع فيه اللوم تصريحاً أو تلميحاً الى هذا البلد العربي أو ذاك. فأحد أهم المآخذ على الحرب كان ولا يزال: ماذا يريد الأميركيون من هذه الحرب بعد العراق؟ من شأن العراقيين الجدد أن يذهبوا الى أقصى حد في تفعيل العلاقة مع العرب وأن يساهموا في تبديد المخاوف من مغامرات أميركية جديدة.