الإخوان والديمقراطية

شكرا للدكتور عبد المنعم سعيد، على ما تفضل به من قراءة وتعليق على أطروحة المفهوم الاسلامي للاصلاح الشامل في مقاله النقدي السابق في جريدة «الشرق الأوسط». وأود أن أبدي بعض الملاحظات على ما كتبه، أرجو أن يتسع لها صدره.
* ما دفعني للحديث في مقدمة أطروحتي عن التجربة الديمقراطية في اميركا بالتحديد، سبب بسيط للغاية وشديد الوضوح لكل المشتغلين بالعمل العام، وهو تلك الصيحات المتتالية من رؤوس الادارة الأميركية في هذا التوقيت، عن ضرورة فرض الديمقراطية بالقوة علي الأنظمة والمجتمعات غير الديمقراطية، خاصة في الشرق الاوسط. وإذا كانت الديمقراطية هي أروع ما توصلت إليه الانسانية عبر تراكم حضاري طويل، لحل معضلة السلطة والحكم في المجتمعات، الى وقتنا هذا، فهي أيضا، كفكرة ونظام، لها بعض العيوب، أبرزها ما تفضل الدكتور عبد المنعم سعيد بذكره، عن المساواة في الثروة والتعليم، وما ذكرته، من جانبي، عن المال والإعلام، إلا انها في المجتمع الاميركي أكثر بروزا، نظرا للطبيعة الاستثنائية التي نشأت عليها اميركا، من تقلص روح الأمة ونهوض روح الشركة ذات الطابع البراجماتي، كما ذكر الكاتب محمد حسنين هيكل، وكثيرون غيره وقفوا أمام التجربة الديمقراطية في اميركا بكثير من التحفظ. وقبل ان اترك هذه النقطة، أود أن أضيف ما ذكره ايضا ناعوم تشومسكي (اليهودي النبيل، فاضح الاكاذيب وبطل الناس العاديين، الثامن في قائمة أكثر عشرة مفكرين يستشهد بأقوالهم)، عن سيطرة الشركات متعددة الجنسية على الحياة السياسية في اميركا، وما تضخه وسائل الاعلام من أكاذيب، ليلا ونهارا، في رأس المواطن الاميركي البسيط.. نحن، في كل الأحوال، لسنا مشغولين الي هذه الدرجة بحقيقة الديمقراطية في اميركا، ولكن (رائحة البارود) التي نشتمها في خطابهم، جعلتنا نقلب الأمر على وجوهه المتعددة. فالمسألة لا (فضيلة سياسية)، ولا (تعرض وتعريض) بدولة يراها الكاتب (عظمى). ولسنا معنيين كثيرا بما يفعله الاميركيون من معالجة لمشكلة المال والإعلام، وإن كنت اتصور ان الأمر مستفحل، كما فهمت من محاضرة للاستاذ الدكتور جون بينون، استاذ العلوم السياسية بجامعة ستانفورد، وان الادارة الاميركية تم خطفها من قبل اصحاب المال والإعلام وهم فئات معروفة.
* التاريخ الاسلامي الذي يذكره الدكتور عبد المنعم، هو تاريخه وتاريخي وتاريخنا جميعا. به أدبيات على شاكلة (ولو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك)، و(وأعينوني ما استقمت)، وأدبيات على شاكلة (ما شئت لا ما شاءت الأقدار). وهو في النهاية تجربة انسانية بها الحسن وبها السيئ. ونحن بدورنا نقرأ ونفهم ونتعظ ونعتبر ونأخذ وندع. ولسنا في معرض سجال وتعريض بطرف يدافع عن العرب والإسلام، وطرف يدافع عن اميركا والغرب فقط. نحن نبحث عن الحقيقة والصواب.
* حل معضلة المال والإعلام، التي نفى الكاتب وجودها في الأطروحة، هو ما ذكرته بالنص (صناعة الانسان الحر الرشيد. القوي بمبادئه. الغني بأفكاره وإيمانه. الذي يهديه الى التمييز الدقيق بين أصحاب المصالح وأصحاب المبادئ. بين أصحاب المال والنفوذ وأصحاب العقل والرأي الإنساني. الذي تتحقق حريته الكاملة وإنسانيته الكاملة، كما أرادها له خالقه سبحانه وتعالى).. الانسان الذي تربيه أسرته في البيت، ومعلمه في المدرسة. والرمز الجميل في السينما والمسرح. والبطل النبيل في الرواية والقصيدة. على رجاحة الحكم وسعة الأفق ورهافة الحس الانساني، الذي يعلي من قيمة الحوار، ويرى الاختلاف والتعدد على انهما من حقائق الحياة. ويستطيع ان يقول نعم ويقول لا في اعتزاز وكرامة. الذي يتمتع بروح المسؤولية والمشاركة والتعاون، وهو ممتلئ احساسا بالكرامة، التي أرادها له خالقه عز وجل. وأؤكد انه لا إغلاق ولا تقييد لوسائل الاعلام والصحافة في مجتمع حر. وأضيف، أنه كلما كانت مجتمعاتنا تتمتع بالحرية والكفاية والعدل، كانت أقرب الي الاسلام.
وأكاد أن أصل الى قناعة، بأن الدعوة الي الحرية والعدل والكفاية والرفاه هي، في حد ذاتها، دعوة الى ما أؤمن به من أفكار اسلامية، لأن الذي (الفقر يطارده والجوع يهدده..)، لا ينتظر منه أن يهتم بغير فقره وجوعه، وهذا ما أكدت عليه في أطروحتي، من ضرورة (قيام روح اجتماعية جديدة، تتعاون فيها حكومة نشيطة ذات فعالية، مع قطاع أهلي يتمتع بالحيوية والإحساس الوافر بالمسؤولة الاجتماعية).
* ليس صحيحا أن ما ذكرته هو (شكل جديد من أشكال الفكر الاستبدادي)، أو انني أدعو لأن يكون (النص الديني هو دستور الدولة)، بل دعوت لأن تكون (المواطنة في الدولة المدنية المنشودة، هي اساس الوجود في المجتمع، داخل اطار ديمقراطي، وان الجماهير هي الحكم، من خلال انتخابات حرة يكون فيها شرف الصوت الانتخابي للمواطن، جزءا لا يتجزأ من شرفه الشخصي). ودعوت الى (الحد من توحش الدولة وإعلاء شأن المجتمع بالأحزاب القوية والنقابات القوية والجمعيات الأهلية الفاعلة والمؤثرة).
* اختتم ردي هذا، بعتاب للكاتب، كونه تعامل مع ما كتبته في هذه الأطروحة بحدة واستنفار لم يكن هناك ما يبررهما في رأيي، الي حد انني تصورت انه (يستكثر) علينا أن نتحدث بهذا المنطق، سواء في الحديث عن بشرية الخطاب الاسلامي، أو الحديث عن الحرية التي بغيابها تحل بالبشر اعظم كارثة، أو الحديث عن المساواة بين الناس جميعا في ممارسة حقوقهم، أو الحديث عن العدل الكامل وتوزيع الثروة والدخول، أو منع الاستئثار بالسلطة، أو وضع الضمانات الكفيلة بحماية المساواة السياسية والقانونية بين كل فئات المجتمع، من أي انحراف سياسي أو مذهبي، أو عن المرأة الانسان، التي نريد حضورها القوي فكريا وعقليا وروحيا في المجتمع، بكل ما تملك من قدرات وإمكانات. كل ذلك لم يتطرق إليه الكاتب، لا من قريب ولا من بعيد.
وأخشى أن يكون هناك نفر من مثقفينا ومفكرينا، لا يريد للخطاب الاسلامي ان يحوي هذه الركائز والأسس، وأن يظل الحديث يدور في تلك الدوائر الضيقة، عن الحدود وظلم الخلفاء، اللحية والنقاب وعذاب القبر.
عتابي (محمود عواقبه)، وهو محمود أكثر لو قرأ أطروحتي مرتين.

*الكاتب الأمين العام لاتحاد الأطباء العرب