كتبت ليلى أحمد الأحدب: عندما كتبت مقالاتي الأخيرة عن المرأة كنت أدرك أن كثيرين يتفقون معي في أطروحاتي, وفي نفس الوقت كنت أعلم أن ثمة كثيرين أيضاً لا يوافقون على وجهة النظر التي أبديتها, وهذا الاختلاف حق للجميع ويوجب شكرنا لصحيفة "الوطن" لتبنيها عرض الآراء المختلفة فبذلك تكون اسماً على مسمى حيث إن النقاش أو الحوار حق مكفول للجميع كما أنه يساهم في تنمية الوعي وتحقيق التقدم وبناء الثقة.
وبما أنني أتمنى أن تكون "الوطن" أكثر تميزاً, فإن الواجب يدفعني للقيام بقراءة نقدية لانتقادات القراء التي ترد في صفحة نقاشات لأن رفع مستوى النقد يرفع مستوى الصحيفة, وأطمح إلى أن تسهم مقالتي هذه في إذكاء الروح النقدية لدى القارئ بحيث يصبح النقد أكثر موضوعيةً وأقل ديماغوجيةً, فما يُكتب في نقد أفكاري وأفكار الكتاب الآخرين يحمل أحياناً شيئاً من سوء الفهم أو نوعاً من سوء الظن أو تفنيد آراء الكاتب بناءً على مزاعم غير صحيحة, وهذا ما ينبغي أن نبتعد عنه جميعاً إذا كان همنا فعلاً العمل لما فيه المصلحة العامة وليس استعراض التلقينات الموروثة على أنها أفكار وقناعات, مما يوقع في خطيئة كبرى وهي اعتبار هذه النوازع المتوارثة أنها هي الإسلام بينما لا يحق للآخرين أن ينبسوا ببنت شفة.
مع ضيق المساحة المخصصة سأكتفي بذكر أمثلة على طريقة النقد الخاطئة وسأرد على بعض الاعتراضات التي وردت من أكثر من قارئ, وأبدأ بما كُتب في تاريخ 19/7/2004 حيث عّلق أحد القراء على مقالتي "أيهما أحق أن يتبع: التقليد أم الشرع؟" وكانت المشاركات قد توالت على هذه المقالة ورددت عليها في حينها, لكن يبدو أن القارئ ليس من المتابعين خاصة أن مقالي ظهر بتاريخ 8/5/2004 أي قبل أكثر من شهرين ونصف, ومما يجعلني أرجح هذا الظن قوله: (الأخت ليلى قالت عبارة خاطئة وهي أن لها - أي للمرأة - نفس الواجبات وعليها نفس المسؤوليات... وهذا عين الظلم للمرأة..عندنا عدل، وعندنا مساواة. فالمساواة أن يكون لي ولدان فأعطي الكبير الراشد ما يحتاجه من مصروف ونفقة ثم أعطي الصغير نفس ما يطلبه الكبير بدعوى المساواة) فقد ذكرت هذه الفكرة في مقالتي "تحرير المرأة مصطلح غامض أم مفهوم غائب؟" والتي كانت بتاريخ 12/6/2004 وهذه عبارتي تحديداً: (إن الإٍسلام هو دين العدل, والمساواة في الإسلام هي العدل, فلا يمكن للأب أن يساوي بين ابنه الكبير والصغير فيبحث للطفل عن زوجة بينما يجلس البالغ في حضنه مثلاً) ولا مجال لإعادة كل ما كتبته خشية التكرار والإملال فأرجو أن يعود لها القارئ لأن فيها إضافات هامة على ما جاء به. الخطأ الذي وقع فيه القارئ هو القراءة الاعتسافية أي تقطيع أوصال الفكرة, فمن الجناية أن تؤخذ الجملة المتكاملة فتُفصل إلى أقسام غير مترابطة ليسهل النيل منها, والمثال هنا قولي: (كما كان لجلوس الصحفيات والصحفيين في نفس القاعة عظيم الأثر في رفع شأن المرأة والنظر إليها من حيث هي إنسان لها نفس الواجبات وعليها نفس المسؤوليات وليس من حيث هي أنثى فقط ينظر لها على أنها عورة وفتنة ولا مكان لها إلا البيت(, فقطّعه القارئ الكريم إلى ثلاث قطع, وكأنه يأكل لحماً فيقطّعه بالسكين قبل أن يمضغه, لكن الفكر واللغة غير اللحم والفاكهة, فالعبارة فيها معطوف ومعطوف عليه, وواو العطف تدل على أن الجملة متكاملة, هذا من جهة المبنى أما من ناحية المعنى فمن الواضح أنني لا أعني بالواجبات والمسؤوليات تلك التي تخص الأسرة إنما تلك التي تتعلق بالمجتمع لأن الكلام يشير إلى اشتراك النساء والرجال في مؤتمر صحفي؛ وكثيرا ما ذكرت أن الحقوق والواجبات بين الزوجين تختلف أحياناً لأسباب اختلاف فطرة الذكر والأنثى عكس حقوق وواجبات الرجل والمرأة في المجتمع والتي تتماثل تماماً لأن الحقوق تُستمد من الإنسانية المشتركة بينهما كما أن الواجبات تستند إلى عبودية كل منهما لله عزّ من قائل: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر)؟ فماذا تعني الولاية بين المؤمنين والمؤمنات هنا؟ هل هي بسبب الزواج والاشتراك الأسري أم هي المسؤولية المشتركة عن إنماء المجتمع؟!.
مع ذلك أقدّر للقارئ أسلوبه المعتدل خاصةً إذا ما قورن بأسلوب القارئ الذي وردت مشاركته بتاريخ 21/7/2004 والذي عقّب على مقالتي "التمييز ضد المرأة منكر عظيم" حيث بدأ بادعائه أني جعلت نفسي وصيةً على النساء, ولو كان الأمر كذلك لما أنكرتُ على تلك الكاتبة لأن وجود التاء المربوطة في آخر لفظة "كاتبة" يدل على أنها أنثى فكيف أجعل نفسي وصيةً على من أُنكر عليها مثلا؟! تلا ذلك قوله: (فأي المرأتين أخذت حقها: المرأة في السعودية أم المرأة في غيرها من البلدان( وقوله: (وعليك بالرجوع لإحصائيات أوروبية عن نسبة اغتصاب ومعاكسة السكرتيرات والتحرش بالنساء في القطارات والباصات) والمشكلة التي أراها واقعة بيني وبين قارئ كهذا القارئ يمكن أن أصفها بفجوات الاتصال, أو بتعبير آخر اختلاف طول الموجة بين الكاتب والقارئ, أو أن القارئ يسيء الفهم أو الظن, لأنني في كل مرة أذكر رفضي لتغريب المرأة, وما مطالبتي بتحريرها على الطريقة الإسلامية إلا تأكيد لهذا الرفض وإيضاح أن المكاسب التي منحها إياها الإسلام غيبتها العادات والتقاليد. ودليل آخر على سوء الفهم هو خلطه بين سلوك المرأة في الطريق وتصرفها في العمل المختلط, ففي الطريق لن تستطيع المرأة منع أي رجل من النظر إليها كأنثى, لذلك عليها التمسك بحيائها ولا يعني هذا أن تتخلى عنه في عملها, لكن مكان العمل ليس كالطريق, فقداسة مكان العمل تحمي المرأة - ما لم تكن مبتذلة- من نظرات الفضوليين وكلمات المعاكسين, ومعلوم قانوناً أن الاعتداء على موظف أثناء تأديته واجبه الوظيفي تزيد من عقوبة الجاني المقررة في حال اعتدائه عليه خارج العمل, لأن الاعتداء في مكان العمل هو اعتداء على الهيئة التي يعمل لديها وليس على شخص الموظف وحده.
المشاركة الأخيرة وردت بتاريخ 26/7/2004 فقد طرح القارئ عدة تساؤلات على شكل إثارة عاطفية ثم قال:(وهكذا من قال في الدين برأيه، تخبط وألزم نفسه إلزامات لم تكن له على بال) وليعذرني الأخ الكريم لأنه هو الذي تخبط وألزم العامّ بحكم الخاصّ فالآية الكريمة:(يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيهن) هي عامة بنساء النبي وبناته وغيرهن من المسلمات, أما الآية الأخرى:(وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب, ذلك أطهر لقلوبكم وقلوبهن, وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعد أبدا) فهي تدل على أن الاحتجاب الكامل خاص بنساء النبي, فهل يجوز تعميم الحكم الخاص بنساء النبي على النساء المسلمات كلهن؟! كذلك تخبطه واضح بين خروج المرأة من بيتها وتبرجها, فحيثما وجدت مصلحة من خروج المرأة - سواء كانت من أمهات المؤمنين أم من عامة المسلمين- وجب/ أو ندب/ أو جاز لها الخروج وليس التبرج.
وأما قوله إن أم سليم هي خالة رسول الله عليه الصلاة والسلام ولذلك كان يدخل عليها فهو زعم غير صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم بيّن سبب تكرار دخوله عليها بقوله الوارد في الصحيحين: (إني أرحمها قُتل أخوها معي), ونفى الحافظ ابن حجر شارح صحيح البخاري أي خؤولة لأم سليم على النبي صلى الله عليه وسلم لأن أمهاته من النسب واللاتي أرضعنه معلومات.
آتي إلى الاعتراضين وأولهما ما يخص لباس المرأة, ومن الطبيعي أن يعترض بعض القراء لأنهم يتبنون مذهباً واحداً هو رأي بعض الفقهاء الحنابلة أما المذاهب الأخرى فهي كلها على الإجماع بأن الوجه والكفين ليسا بعورة وأنصح بالرجوع إلى كتاب "الاختيار" من كتب الحنفية, وكتاب "المهذب" للشيرازي من الشافعية, وكتاب "أقرب المسالك إلى مذهب مالك" وكلهم على قول: جميع المرأة عورة إلا وجهها وكفيها، وما سوى ذلك يجب ستره لأن ابن عباس قال في قوله تعالى:(ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها) إنه الوجه والكفان ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم- نهى المحرمة عن لبس القفازين والنقاب، ولو كان الوجه والكفان عورة لما حرم سترهما، ولأن الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء - أي للتأكد من الشخصية في التعامل فلا يحصل اللبس ولا الاشتباه- والكفان للأخذ والإعطاء.
والاعتراض الثاني يتعلق بموضوع الاختلاط فقد ذكرت أني أفضّل كلمة المشاركة الاجتماعية, فيما تدعو إليه المصلحة العامة في الأمور الجادة ولا أذكر أني دعوت مرة واحدة لغير الانضباط بالشرع لأن الإسلام هو دين الفطرة لا يلغي الميل الفطري بين الجنسين وإن كان يمنع من تأجيج الغرائز, لكن الفصل التام بين الجنسين لم يرد فيه آية ولا حديث,اللهم إلا في الصلاة, ولنفهم أن أحكام الشرع لا بد أن تتآزر مع منظومة متكاملة من التربية والأخلاق والقيم كي ينظر كل جنس للجنس الآخر على أنه كائن بشري مماثل وليس على أنه مخلوق جنسي مخالف فقط!.

ليلى أحمد الأحدب رئيسة تحرير مركز الراية للتنمية الفكرية