كتب ديفيد بروكس:بعد ان كتبت لجنة التحقيق بكارثة الحادي عشر من سبتمبر في تقريرها «350» صفحة في وصف الفشل الكبير لأجهزة المخابرات الأميركية‚ تراجع أعضاء اللجنة في تقريرهم وقاموا باعادة تعريف طبيعة المأزق الذي تعاني منه الولايات المتحدة‚ وأشار أعضاء اللجنة الى اننا نحن الأميركيين لسنا وسط حرب على الارهاب ولسنا في مواجهة مع محور شر وبدلا من ذلك قالوا باننا في وسط نزاع ايديولوجي. فنحن نواجه، حسب ما جاء في تقرير اللجنة، كونفيدرالية فضفاضة من أشخاص يعتقدون في وجه مشوه للاسلام يمتد من كتابات ابن تيمية الى كتابات سيد قطب والارهاب مجرد وسيلة يستعملونها لكسب اتباع لهم. قد يبدو هذا مجرد تمييز صغير ــ التأكيد على الايديولوجية بدلا من الارهاب ــ ولكنه ينطوي على فرق كبير لانك إذا لم تحدد مشكلتك بشكل صحيح فانك لن تتمكن من التفكير باستراتيجية للانتصار على المشكلة. ندما نرى ان أعداءنا عبارة عن حركة فكرية بشكل رئيسي وليسوا مجرد جيش ارهابي فانك تفهم سبب عدم تعجلنا. فمن خلال تثقيفهم المكثف عبر بنيتهم التحتية من المدارس والمساجد‚ فإن اعداءنا ما زالوا يواصلون بناء قوتهم ويرسون الأساسات لعقود طويلة من الصراع. ويمكن ان تكون آفاق وقتهم مختلفة بالكامل عن آفاق وقتنا.

فباعتبارهم حركة ايديولوجية أكثر مما هم حركة قومية او عسكرية يستطيع اعداؤنا ان يلعبوا معنا وفقا لقوانين وقواعد مختلفة. فليس هناك رقعة جغرافية ينبغي عليهم حمايتها وليسوا مضطرين للانتصار في معركة وبدلا من ذلك يستطيعون الاستفادة في مجال كسب الرأي العام ومن أمجاد الاستشهاد الناجم عن هزيمتهم‚ ونحن نعتقد بان الصراع يخاض على الأرض ولكنهم يعرفون ان الصراع يخاض فعليا عبر قنوات التليفزيون الفضائية وهم أكثر حنكة منا في استعمالها‚ يقول تقرير لجنة الحادي عشر من سبتمبر بان علينا خوض هذه الحرب على جبهتين وبان علينا ان نستعمل قدراتنا الاستخبارية والعسكرية والمالية والدبلوماسية لمحاربة تنظيم القاعدة‚ وعلى هذه النقطة تتركز اهتمامات معظم وسائل الإعلام‚ ولكن القتال الأكبر هو مع نظام العقيدة المعادية التي لا يمكن التفاهم معها بالحجة والمنطق وانما يمكن فقط تحطيمها او عزلها بالكامل‚

غير ان اعضاء اللجنة لا يقولون ذلك ولكن التلميح له شديد الوضوح فقد اجرينا تحقيقا في اخفاقاتنا الاستخبارية والآن اصبحنا بحاجة الى لجنة لكي تتولى تحليل اخفاقاتنا العسكرية وببساطة ان المدافعين المتشددين عن أميركا كثيرا ما تنقصهم الخبرة التي يحتاجون لها‚ اما العلماء الذين يعرفون العالم الاسلامي فعليا فإنهم كثيرا ما يتعامون عن «أمراضه المتفشية» وهم مهووسون جدا بخطايا الغرب وغير قادرين على التصدي للمخاطر التي تهدد الغرب. لذلك نحن بحاجة لأن نشن هجومنا الايديولوجي المعاكس‚ فقد اوصى أعضاء اللجنة بأن على الولايات المتحدة ان تكون أكثر انتقادا للانظمة الاستبدادية حتى الأنظمة الصديقة منها‚ وذلك من أجل اثبات مبادئنا عمليا‚ ويقترحون تأسيس وتمويل مدارس ثانوية في الدول الاسلامية والسماح بدخول اعداد أكبر من الطلبة المسلمين في مدارسنا فإذا كنت من محبي البشر فهذه هي الطريقة التي يمكنك ان تساهم فيها‚ فنحن بحاجة الى تأسيس نوع من التعبئة الفكرية مثلما فعلنا خلال الحرب الباردة‚ واستحداث مثيلات حديثة للكونغرس من أجل الحرية الفكرية وتوفير منبر دولي للمسلمين الحداثيين وتعريف المفكرين الغربيين بهم. وأهم ما نحتاج له هو رؤية المشهد الطبيعي يتغير‚ ففي السابق حاربنا حركات ايديولوجية كانت تسيطر على دول‚ وكانت سياستنا الخارجية مصممة نحو اقامة علاقات مع دول ونتفاوض مع دول ونخوض مواجهات مع دول.

أما الآن فنحن في مواجهة نظام عقيدة معادية لنظام الدول تهدف الى اقامة حكم ديني واقامة خلافة. ولذلك سنحتاج الى طاقم جديد من المؤسسات للتصدي لهذه الحقيقة. ونحتاج الى طريقة تدريب جديدة لفهم الناس الذين ليست لهم اهتمامات في المصالح القومية الذاتية كما هي معرفة تقليديا.

في الاسبوع الماضي التقيت ضابطا عسكريا كبيرا من العاملين في أفغانستان والعراق‚ تقاطعت آراؤه مع آراء أعضاء لجنة 11/9‚ وقال ان تجربة السنوات القليلة الماضية مضللة فمن الآن فصاعدا سيكون 10% فقط من جهودنا جهدا عسكريا‚ وأما باقي جهودنا فستكون ايديولوجية‚ ولاحظ بأننا نخوض حربا ضد التطرف الاسلامي حاليا مثلما كنا في حرب ضد الشيوعية في عام 1980‚ ولذلك امامنا صراع طويل جدا‚ ولكن على الأقل لقد بدأنا نفهمه.