يركز الأوروبيون على صوغ علاقة أمنية جديدة بين الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط سيكرسها اجتماع 4+3 لوزراء الدفاع المقرر للشهرالمقبل في فرنسا. وفي خطوة واضحة لاقصاء ليبيا يقتصر الاجتماع على وزراء دفاع الجزائر والمغرب وتونس، اضافة الى وزراء البلدان الاوروبية المطلة على الحوض الغربي للمتوسط أي ايطاليا وفرنسا واسبانيا والبرتغال.

ظاهرياً تقتفي السياسة الأوروبية التصنيف الأميركي التقليدي الذي ميّز في كل المبادرات الاقليمية التي طرحت في العقد الماضي بين «المغرب الصالح» أي المغرب والجزائر وتونس و«الحال» الليبية الخاصة. لكن بات اليوم لدى الأميركيين من التحفظات حيال ليبيا أقل مما لدى الأوروبيين. فالشركات الأميركية المتأذية من تدهور الوضع الأمني في العراق والقلقة من توتر العلاقات السياسية مع بلدان عربية كبيرة، تتدفق على ليبيا من دون توقف، خصوصاً بعد افتتاح سفارة أميركية في طرابلس. وهي تسعى حتى الى بناء شراكة مع مؤسسات الاستثمار الليبية الخارجية للعمل معاً في أفريقيا على رغم أن اسم ليبيا لم يرفع من لائحة البلدان المساندة للارهاب.

واللافت أن الأوروبيين لم يستبعدوا ليبيا لدى احياء حوار 5+5 في الخريف الماضي، فبعد ارجاء استمر أكثر من عشرة أعوام بسبب رفض حضور القذافي أمكن عقد قمة 5+5 بمشاركة الزعيم الليبي، وان لزم الأخير الصمت التام طوال القمة. كذلك وافق الأوروبيون على حضور وزير الداخلية الليبي اجتماعات 5+4 لوزراء داخلية بلدان الحوض الغربي للمتوسط. صحيح أنه لايوجد وزير دفاع في ليبيا، وهذا سبب كاف لبقاء مقعدها... شاغراً، إلا أنه يعزى السبب الحقيقي الى برود العلاقات الفرنسية - الليبية بسبب تضامن باريس مع برلين في سعيها للحصول على تعويضات في قضية تفجير ملهى «لابيل» الذي يحمل الألمان مسؤوليته للأجهزة الليبية. وأدى هذا البرود لارجاء زيارة شيراك لليبيا بعدما كان سيف الاسلام القذافي أعلن أنها ستتم قبل نهاية العام. ولوحظ أن زيارات وزير الخارجية الفرنسي ميشال بارنييه للعواصم المغاربية بعد تعيينه في منصبه الجديد لم تشمل ليبيا ربما للسبب نفسه.

على الطرف الآخر من المغرب العربي لا توجد مشاكل من هدا النوع لا بل زالت الأزمة الاسبانية - المغربية التي كادت توصل البلدين الى شفير الحرب على عهد رئيس الوزراء السابق أزنار الذي فرض حصاراً على المغرب ليس فقط على الصعيد الاقليمي وانما أيضاً في العلاقة مع الولايات المتحدة بوصفه حليفها المميز في أوروبا بعد بلير. وما أن سقط أزنار في الانتخابات حتى أفرج عن مشاريع الاتفاقات الأميركية العالقة مع الرباط وفي مقدمها اتفاق تحرير المبادلات التجارية الدي صدق عليه الكونغرس أخيراً وقرار منح المغرب صفة الحليف المميزخارج الحلف الأطلسي، اضافة الى اجراء أول مناورات للحلف قبالة السواحل المغربية، وهي خطوات كان أزنار يعطلها في اطار خطته لاضعاف المغرب مخافة معاودة المطالبة باستعادة المناطق المحتلة.

وشكلت استقالة جيمس بيكر الذي كان يمارس ضغطاً قوياً على المغرب كي يسلم السلطة في الصحراء للبوليساريو امتداداً لهذا المتغير الاقليمي. لكن دلك لم يؤثر على ما يبدو في التقريب بين الموقفين الجزائري والمغربي من الحل في الصحراء، فزيارة وزير الداخلية المغربي مصطفى الساهل الأخيرة للجزائر التي يفترض أن تكون مهّدت لمعاودة فتح الملفات العالقة بين البلدين استعداداً لتطبيع العلاقات الثنائية لم تتطرق لموضوع الخلاف على الصحراء على ما ذكر مسؤولون من البلدين.

أكثرمن دلك يقال انهما اتفقا على التقدم في التطبيع في معزل عن قضية الصحراء ما يعني فك الارتباط بين المسارين وهذا، اذا صح، خيار غير قابل للتنفيذ لأن الصحراء هي قطب الرحى في جميع الأزمات القائمة بين البلدين. وهناك من رأى في استقالة رئيس الأركان الجزائري واحالة رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية المغربي على المعاش أخيراً خطوتين متزامنتين تزيلان من الطريق عقبتين أمام التطبيع الثنائي وتتيحان تسوية ملف الصحراء، لكن شيئاً في المشهد المغاربي القاتم حتى الآن لا يحمل على التفاؤل بالخروج من نفق الصراعات الهامشية والدخول الى التاريخ من الباب الكبير. فلدى أوروبا سياسة واحدة تجاه منطقة جنوب المتوسط على رغم الفوارق البسيطة التي تبررها المصالح الخاصة لكل بلد، بينما لدى المغاربيين سياسات متعارضة ومتصادمة أحياناً لا يبررها منطق أو مصلحة، عدا أسلوب التعاطي الفردي والاحتكام للعاطفة.