سيد علي: دراسات الجدوي هي الفريضة الغائبة في مصر‏..‏ كثير من المشروعات سواء القومية أو الصناعية أو الزراعية افلست أو فشلت أو تعثرت بسبب دراسات الجدوي المضروبة التي تفصلها بعض المكاتب لبعض المشروعات فقط لاستكمال الأوراق المطلوبة للحصول علي القروض والنتيجة افلاس‏1616‏ شركة في عام‏2002‏ و‏548‏ أخري في النصف الاول من هذا العام‏,‏ واغلاق عدة مئات من المصانع في المدن الجديدة‏..‏ وغالبا ما تسود سياسة القطيع‏,‏ فإذا نجح مصنع في انتاج سلعة ما يقلده الآخرون بدون أية دراسات لحجم السوق‏,‏ واختزل البعض قرار الاستثمار في نمط التكرار وليس الابتكار‏,‏ وتتكرر الظاهرة في كل المشروعات سواء الكبيرة أو الصغيرة‏.‏
وكثير من المشروعات الحكومية والتي لم تدخر الدولة جهدا في تكلفة دراسات الجدوي لم تحقق النتيجة‏,‏ لانها لم تدرس بعناية‏,‏ وخير شاهد ايضا فشل كثير من شركات قطاع الاعمال‏,‏ وما حدث مثلا لشركة العامرية للغزل والنسيج بعد شراء احدث المعدات وانتشالها من قبل البنوك‏,‏ ولكنها فشلت لانها لم تدرس السوق الخارجية واحتياجاتها وتغيراتها بدقة‏,‏ علما بان انتاج هذه الشركة كان مفروضا أن يكون كله للتصدير‏,‏ والكلام لوزير الصناعة السابق ابراهيم فوزي‏.‏

ويضيف الدكتور امين مبارك رئيس لجنة الصناعة والطاقة في مجلس الشعب‏,‏ ولكن عندما تكون الدراسه غير جيدة أو لا اهداف سياسية أو اجتماعية لابد أن تبوء بالفشل‏,‏ مثلما حدث في دراسات الجدوي لمشروع ابو طرطور الذي حقق خسائر‏8‏ مليارات جنيه‏,‏ ومنذ البداية قالت لجنة الصناعة ان تصدير كل طن من الفوسفات سيكلف الدولة مائة جنيه خسائر‏,‏ والامر نفسه فشل مشروع فحم المغاره فشلا ذريعا لتكلفته المرتفعة‏,‏ وبعده عن شبكات الطرق والكهرباء وكذلك لنوعية الفحم الذي لا يصلح الا في افران تكلفتها مرتفعة‏,‏ وهكذا تم اقامة المشروع علي دراسات خاطئة‏,‏ والامر كذلك بالنسبة المصانع البتروكيماويات‏,‏ فلابد ان تكون دراسات الجدوي تفصيلية للسوق المحلية والاقليمية والدولية‏,‏ حتي لا تتعرض للخسائر‏.‏
ويضيف الدكتور امين مبارك ان اغلب مشاريع الدواجن فشلت في مصر لانها قامت علي التقليد‏,‏ فاذا نجح مشروع يقلده الاخرون دون دراسة جدوي‏,‏ ولهذا كانت هناك مئات المشروعات‏,‏ وعندما زاد العرض علي الطلب‏,‏ اغلقت ابوابها‏,‏ مع العلم بان دراسات الجدوي العلمية تضع عنصر المخاطره ويتم تحميلها علي التكلفة‏,‏ ولكننا لا نزال نتعامل بالطرق التقليدية التي لم تعد تصلح لعلوم الانتاج‏,‏ واليوم مثلا في المباني الحديثة فان‏50%‏ من تكلفتها لاستشاريين في الكهرباء والميكانيكا للمصاعد والتكليفات وعناصر الامان عكس ما كان يحدث في الماضي‏,‏ ولكل هذا تسبب الفهلوة وعدم وجود دراسات للجدوي في ان تغلق اكثر من نصف المصانع في العاشر من رمضان والسادس من اكتوبر ومدينة السادات ابوابها‏,‏ وقد اغلقت ابواب‏700‏ مصنع في مدينة برج العرب ابوابها ولم يعد يعمل الا‏75‏ مصنعا فقط‏,‏ بالطبع هناك اسباب اخري مثل محاولة البعض تغيير النشاط بعد مرور‏10‏ سنـوات للاستفادة من الاعفاءات‏.‏

ويكشف رأفت رضوان ان البعض اختزل قرار الاستثمار في نمط اطلق عليه‏(‏ التكرار وليس الابتكار‏),‏ فأي مسثمر يرقب اتجاهات النجاح في المشروعات للاخرين‏,‏ ويقوم بتقليد هذا النجاح‏,‏ ولا يبادر بالبحث عن اتجاهات اخري‏,‏ وللاسف تتكرر الظاهرة في كل المستويات سواء في المشروعات الكبيرة أو الصغيرة‏,‏ فمثلا مررنا بتجربة مصانع السيراميك وخلال‏5‏ سنوات نشأت في مصر اعداد متزايدة من مصانع السيراميك العملاقة التي تتنافس فيما بينها مما أدي الي الخروج الكبير‏,‏ والامر نفسه لصناعة الملاعب الجاهزة‏,‏ حيث اقيم‏2000‏ مصنع خلال‏5‏ سنوات تطاحنت وانتهت بخروج الكثير منها‏,‏ والامر نفسه في مشروعات البتلو والميكروباصات‏.‏
ويكشف الدكتور محمد الغمراوي رئيس هيئة الاستثمار عن أن المستثمرين كانوا يقدمون دراسات جدوي حتي عام‏97‏ بحكم القانون حتي صدر القانون‏8‏ لسنة‏97,‏ وأعفي أي مستثمر من تقديم دراسة جدوي لمشروعه‏,‏ بزعم أن الهيئة لن تكون أكثر حرصا علي أموال المستثمرين منهم‏,‏ ولهذا ظهرت أنماط غريبة من المستثمرين‏,‏ حيث تقدم شخص رأس ماله مليونا جنيه‏,‏ ويريد إقامة مصنع لتجميع السيارات بتكلفة استثمارية‏96‏ مليون جنيه‏,‏ وشخص آخر يريد استخراج السليكون ورأس ماله‏20‏ مليون جنيه وتكلفة المصنع‏286‏ مليون جنيه‏,‏ وليس لديه شركاء عرب أو أجانب‏.‏

والأمر المؤكد أن حصول هؤلاء علي موافقة هيئة الاستثمار هو مجرد ورقة لاستكمال أوراق القرض‏.‏
ويشير هاني سيف النصر الامين العام للصندوق الاجتماعي إلي ان دراسات الجدوي لابد أن تعبر عن المجتمع ويتم تحديثها‏,‏ وهي ببساطة تعني تطبيق المشروع المعد علي الورق حرفيا‏,‏ بحيث يكون قابلا للتحقيق من حيث كل المتغيرات والنتائج‏,‏ ولكن ما يحدث ان الدراسات اما قديمة أو متهالكة أو بعيدة عن الواقع‏,‏ ويلاحظ ان هذه الدراسات غير مصحوبة بدراسات اقتصادية أو دراسة عن السوق والقدرة علي المنافسة وكشف بالتدفقات النقدية‏...‏ وهي من اوائل عناصر النجاح أو هي الخطوة الاولي لأي مشروع جاد‏,‏ ولا يري أي مانع فيما يسمي دراسات الجدوي المفصلة والمعدة سلفا بشرط ان تكون حقيقية‏,‏ اما اذا كانت لاستكمال الأوراق فهي الفشل بعينه‏...‏ وفي الصندوق الاجتماعي هناك متخصصون من داخل وخارج الصندوق يراعون جميع الجوانب الفنية والادارية وحتي المتغيرات العالمية بما يغطي جميع المخاطر‏,‏ وهكذا فان دراسات الجدوي لا يستطيع القيام بها الا المتخصصون سواء كانت للمشروعات الكبيرة أو الصغيرة ولهذا اعد الصندوق الاجتماعي نحو‏200‏ دراسة ويتم تحميل تكلفتها علي القرض وبسعر رمزي‏,‏ لانها تستهدف التأكد من جدية المشروع‏.‏

المشكلة الاساسية ان لدينا دراسة جدوي جاهزة واحيانا بالتفصيل اما للبنوك للحصول علي قروض‏,‏ واما للحصول علي أراض‏,‏ حيث توجد مكاتب متخصصة لديها مثل هذه الدراسات‏,‏ وهي من حيث الشكل والمضمون وافيه ومكتملة‏,‏ ولكنها مجرد أوراق يستخدمها البعض‏,‏ واذا ذهبت للبنوك فسنجد ان الأوراق سليمة بل وان هناك ضمانات أربعة امثال القروض‏,‏ ولكنها معدة فقط حتي تكون الاوراق سليمة ليس الا‏,‏ ويعرف بعض مسئولي البنوك هذه الحقيقة‏,‏ ولا يقومون بالدور الحقيقي المطلوب منهم يؤجلون فتح هذه الملفات ريثما تنقضي مدة عملهم ويورثونها لمن يأتي بعدهم‏,‏ لكل هذه الأسباب تعثرت مشروعات كبيرة وكثيرة‏,‏ وهذه الحقائق يذكرها رجل اعمال كبير جدا ويشترك معه مسئول مصرفي رفضا ذكر الاسماء‏.‏
ويشير فريد خميس الي ان البنوك المصرية افتقدت في المرحلة الحالية للقدرات والكفاءات القادرة علي تقويم دراسات الجدوي‏....‏ والمؤسف ان كثيرا من البنوك لا تلجأ لمكاتب استشارية متخصصة في عمليات تقويم الدراسات المقدمه لها للحصول علي قروض‏,‏ وإذا لجأت لا توجد قواعد مهنية قائمة علي الالتزام بعرف أو قانون يلزم المكتب الاستشاري بمستوي معين من الدراسة الأمينة‏,‏ ولهذا فان دراسات الجدوي المضروبة كانت أحد اهم اسباب تعثر كثير من المشروعات‏.‏

*نجاح غير مقصود
القضية عند الدكتور ابراهيم فوزي وزير الصناعة وامين هيئة الاستثمار السابق تتلخص في أن دراسات السوق في مصر ضعيفة لان المجتمع لا يحترم المعلومات ولا يوجد مشروع واحد درس السوق العالمية ثم ان كل دراسات الجدوي مبنية علي الدراسات المستقبلية ولا يعني تعثر أي مشروع ان اصحابه لصوص‏,‏ لان التغييرات المفاجئة في اسعار الصرف يمكن ان تدمر أي دراسة جدوي مهما كان شأنها‏,‏ ولكن المفهوم التاريخي لدراسات الجدوي للمستثمرين انها ورقة مطلوبة لاستكمال اوراق القرض‏,‏ ودراسات الجدوي الحقيقية تحتاج الي جهد ضخم وتكلفة مرتفعة‏,‏ ولابد لصاحب المشروع ان يكون علي دراية بكل التفاصيل‏,‏ لانه اذا خسر سيخسر فلوسه‏,‏ ولهذا لابد ان يدخل المستثمر بنسبة معقولة من ماله الخاص في المشروع ولا يعتمد كليا علي القروض‏,‏ ولكن بعض دراسات الجدوي تبالغ في التكلفة فاذا كان المشروع سيتكلف‏5‏ ملايين تقول الدراسات انه سيتكلف‏10‏ ملايين‏,‏ حتي يحصل المستثمر علي قرض‏5‏ ملايين وهكذا يدخل المشروع بفلوس البنك ولا يخاطر بامواله‏.‏

في الدول المتقدمة دراسات الجدوي اساسية لبدء أي مشروع وهي التي تحدد اقتصادياته وفرص نجاحه أو فشله وامكانيات تمويله والبنك الدولي يعتبر دراسات الجدوي هي المحك الاساسي لأي مشروع يموله‏,‏ وفي هذه الدول ليس هناك دراسات لها اهداف سياسية أو اجتماعية والكلام للدكتور امين مبارك‏.‏

غير ان ثقافة الجيل الحالي في مصر لا تهتم كثيرا باهمية وضرورة ان تكون هناك دراسات جدوي بالمعني الحقيقي‏,‏ عكس الجيل الماضي حيث كانت هناك مجموعات مختلفة سياسية ومائية واقتصادية وزراعية وضعت دراسه الجدوي للسد العالي وكذلك للمصانع التي انشأها عزيز صدقي‏.....‏ والكلام لمحمد فريد خميس رئيس لجنة الصناعة والطاقة في مجلس الشوري مضيفا ان رجال الاعمال الجدد يستخفون باهمية دراسات الجدوي التي تراعي كل المتغيرات في المستقبل مثل قيام مشروعات اخري منافسة أو توقيع اتفاقيات مناطق حرة تنتج نفس المنتج أو تخفيض الجمارك ومدي استقرار سعر الصرف‏...‏ ويؤكد ان كثيرا من المشروعات التي افلست كانت بسبب الاقتراض بالعملة الاجنبية وتدهور سعر الجنية وعدم مراعاة التطور المحتمل في التكنولوجيا وامكانية استخدامها فيما بعد بأقل تكلفة استثمارية‏....‏ ومن هنا ظهرت سياسة القطيع بمعني أن يقام وضعان لانتاج سلعة ما‏,‏ وربما تنجح في ظل ظروف الندرة في السوق‏,‏ وبعد ذلك يقلد الجميع باقامة مشروعات مماثلة دون دراسة حجم السوق‏.‏