بترشيحهم بطل حرب، الليبرالي، ذا المعدن الحديدي، والقادم من مسشوستس، والشعبوي الناعم من الجنوب، لمواجهة بوش، المفتقر إلى الرؤية، وتشيني، المفتقر إلى الفكاهة، في انتخابات 2 نوفمبر المقبل، رفع الديمقراطيون الروح المعنوية بصورة حاسمة. وبوضعهم للشكل فوق الجوهر، وإخضاعهم القضايا للتاريخ الشخصي، فإن بوسطن أعطت الأمة أول مؤتمر أميركي لما بعد الحداثة.
وبالطبع فإن الوحدة الملتزمة بقواعد الانضباط، والكلمات الموزونة بالموازين الدقيقة، لم ترض ممثلي السلطة الرابعة في البداية، وخاصة فرق التلفزة. وكان هؤلاء يحنون لتلك الأيام التي كانوا يشهدون فيها معارك الديمقراطيين مع بعضهم البعض في الحرب وفي السلام. إن إعادة صياغة الكلمات المكتوبة حملت القيادة الديمقراطية خطيئة التنكر للعواطف الغاضبة على بوش، والتي كانت تعتمل في صدور أتباعها من ممثلي المؤتمر.
ولكن المعلقين التلفزيونيين والصحافيين وجدوا، وفي الوقت المناسب، وبصورة اجماعية، ما يفرحهم جميعا. فقد كان خطاب كيري لقبول الترشيح للرئاسة تعويضا مجزيا جدا للأسبوع الذي قضوه هناك. «ربما تكون لجنة الكونغرس للتحقيق حول الضرر الذي سببه «التفكير الجماعي» للامة، قد تسرعت في تقديم تقريرها، لأنها كانت ستجد الحسنات التي لا تخطئها العين للتفكير الجماعي هنا». كما يبدو أن المتسرعين من هنا وهناك لم ينتبهوا بالضبط للتغييرات التي حدثت لحزب ظل يعتمد على الجنوبيين في سعيه للوصول إلى البيت الأبيض خلال العقود الثلاثة الماضية.
هذه الفكرة، الضيقة بصورة ما، طرأت لي عندما كنت أستمع إلى خطاب جون إدواردز المثير، أمام المؤتمرين، الذين كانوا يستمعون بانتباه شديد إلى عراب الجنوب ورسالته يوم الأربعاء الماضي.
الوعود السياسية والخطب السياسية ليست ملزمة إلا لأولئك الذين يؤمنون بها. ولكن الوعود والخطب السياسية التي تلقى في المؤتمرات الحزبية ، تكشف كيف ينظر أولئك الذين يقفون على قمة الهرم السياسي، إلى تطلعات، ومخاوف وتوقعات أولئك الذين سيقودونهم. وكثيرا ما كان غناء الأمة يعتمد كليا على الكلمات.
روح الحماسة الكبرى التي تفجرت في مؤتمر بوسطن 2004، عززتها الوطنية الأبية والاحترام العميق للعسكرية الأميركية، والإيمان ، شبه الديني، برغبة الأميركيين ومقدرتهم على تخطي الإنقسام العرقي، وغير ذلك من الإنقسامات لتصبح «أميركا واحدة»
ولم تكن لهجة ادواردز فقط هي الجنوبية، بل افكاره ايضا؟ فقد قال على سبيل المثال انظروا الى من أين اتيت، وما حققناه بالخروج من دائرة الفقر والعنصرية. وتدعو رواياته عن اسرته وجيرانه والمنطقة الى ضرورة ان التفاؤل بخصوص الطبيعة الانسانية والمستقبل.
فقبل اربعين سنة وقع ليندون جونسون قانون الحقوق المدنية، وتكهن بدقة بأن الديمقراطيين فقدوا الجنوب لجيل على الاقل. غير ان الجنوب حقق قفزات اساسية في تغيير ذاته، والتأثير على اجندة الحزب وخطابه في ذلك الوقت، حتى وهو يدير ظهره تجاه العديد من مرشحي الديمقراطيين وقضاياهم.
وقد عبر انتخاب جيمي كارتر وبيل كلينتون عن هذه النقطة. واظهر جون كيري، باختياره ادواردز، فهمه لهذه الحقيقة، اذ يحقق له اختيار ادواردز الحصول على اصوات المجمع الانتخابي في نورث كارولينا. ان الصفة المميزة لادواردز هي التفاؤل - على الطراز الجنوبي - حيث يندمج الشكل والافكار مع بلاغة كل من جون بارث او توماس بينشون.
ربما تتصور، وذلك صحيح، انني اعجبت بما سمعته من ادواردز. ولكن الامر الذي يقلقني هو انني لم اسمع منه ولا من كيري أي شيء عن العراق.
لقد تحدث ادواردز بعد ساعات قليلة من مقتل 70 عراقيا في حادث انفجار سيارة، وهو عمل فظيع ضد شعب حررته القوات الاميركية من الديكتاتورية. وبالرغم من ذلك فإن ادواردز، في كلمة مفعمة بالتقدير للخسائر والتضحيات، لم يشر الى المأساة التي حدثت، واشار فقط اشارة سريعة الى الثمن الذي يدفعه العراقيون فيما يجب اعتباره صراعا مشتركا.
لقد تحدث كيري، الذي اتهم بوش، بطريقة غير مباشرة، بالكذب والجبن وتخريب الدستور، بثقة وفهم حول الامن القومي. ولكنه اهمل هو والمنبر الديمقراطي مصير شعب العراق الذي يتعرض للتجاهل بطريقة متزايدة وسط تغييرات السياسة الاميركية، كما هو الامر بالنسبة لبريطانيا وبولندا وايطاليا واليابان وغيرهم من الامم التي تساعد علي ما يصر الديمقراطيون على وصفه بالوجود الاميركي «المنفرد» في العراق.
وفي نيويورك، عندما يلتقي الجمهوريون خلال شهر، فليس من المرجح تجاهل العراقيين وشركاء التحالف. والخطر الذي سيظهر هناك استخدامهم كديكور ورموز لحكمة وعزيمة الرئيس. هذا النوع من الاهتمام سيئ مثله في ذلك مثل الاهمال. لا يجب على أي من الحزبين أن يترك العراق خلفه.
وهناك اكثر من مفارقة تتعلق بحقيقة ان اثنين من اهم الخطابات التي القيت في بوسطن كانت من ادواردز، الذي ولد في ساوث كارولينا قبل ان ينتقل الى نورث كارولينا، وهناك ، وبالطبع، هذا الشخص القادم من اركنساو والذي لا يمكن مقاومته، وأعني بيل كلينتون.