من المفارقة ان يسمي احد أهالي المخطوفين الأردنيين الذين يضعون السيف على حلق قريبه بالمقاومة العراقية وهو يناشدهم الافراج عنه! كيف يستقيم هذا التناقض؟ لا يستقيم أيضا مع الذين ينددون بتفجيرات الأمس الدامية في الكنائس العراقية، وهم قبل 12 ساعة من وقوعها كانوا يسمونها في الفلوجة بالمقاومة.
اضطربت الصورة التخيلية من مقاومة للمحتل الاميركي الى قتل للابرياء في كل مكان، عراقيين طلاب عمل وعراقيين في جامعاتهم وبيوتهم وكنائسهم ومكاتبهم، وعربا واجانب عمالا في قطاعات خدماتية بسيطة. فما الذي حدث؟
رأيي ان «المقاومة» القديمة هي «المقاومة» الجديدة تريد ان تخلق مناخا عاما من الفوضى وتحيل البلاد الى قطع متناثرة تتيح لها فرصة ادارتها مكسرة. مبدأ التخريب أولا من أجل الاصلاح لاحقا صدقه فقط الذين يريدون تخيل مقاومة حقيقية توافق تمنياتهم، عراقيون متحدون يطهرون اراضيهم، بدأت بقتل الجنود فالمهندسين وسائقي الشاحنات فالقساوسة حتى اضطر راعي كنيسة ليذكرنا بخطورة الوضع بانه لم تفجر لهم في بغداد دار عبادة طوال 1400 سنة.
عندما كان الاميركيون هدفا سهلا في البداية رافقت تصفياتهم شعارات كبيرة في داخل العراق، ووجدت ايضا هوى في نفوس كثيرين خارج العراق. الآن الاميركيون يتراجعون، ينسحبون من الشوارع الى الخنادق، وينقلون البنادق والسلطة الى العراقيين. ورغم ازدياد جرعة السيادة ارتفعت وتيرة التدمير وسط صريخ الناس ودهشة المصدومين، الذين يحاولون اقناع انفسهم بان المقاومة اخطأت الهدف او ان هناك من تسلل الى اوكارها. الحقيقة ان المقاومة، مع بعض استثناءات، لم تكن مقاومة.
ما يجعل الاردني مصدوما ان الجماعة التي كان يصفق لها هي الجماعة التي خطفت اخاه بلا ذنب منه، ولا بد انه يسأل، أي مقاومة هذه التي باعوها له في الساحة العربية على انها وطنية؟ مع مضي الوقت ونهر من الدم صار الدرس العراقي اكثر وضوحا، تراجعت شعبية المقاومة، وتحولت في اذهان الغالبية المحلية، والعرب جزئيا، الى تنظيمات معادية، فاصبحت بذلك تحاصر نفسها باعمالها.
وعندما طرح اقتراح باستدعاء قوات من دول يشعر العراقيون بالامان معها، ونعني بها الاسلامية والعربية بعد استبعاد الدول المحيطة، رفضها احد اساتذة جامعة بغداد لانها من وجهة نظره تبرر للاحتلال، كأنه لم يلحظ تبدل زوايا الخطر وطبيعة التهديدات. الاستاذ اصر على ان العراقيين قادرون على الامساك بالوضع الداخلي مقترحا اعادة الجيش، وهذا قول آخر غير عملي حيال مؤسسات انهارت وصارت ترابا، كما تبدلت اوضاع البلاد كلها. الحقيقة ان اشراك القوات العربية والاسلامية هدفه محاصرة الارهاب وليس مقاومته عسكريا. فهذه القوات لن تكون اكفأ من الاميركية الافضل تجهيزا وتدريبا انما ستعين العراقيين شكلا على ترميم الثقة في نظامهم وتعزل الاطراف الاجنبية التي تندس باسم المقاومة، وتمهد لاحقا، وبعد استقرار الاوضاع، الى التخلص من القوات الاميركية.