رغم انتهاء الحرب الباردة منذ اكثر من عقد من الزمان في اغسطس عام 1991 إلا ان نظامنا السياسي لم يتمخض حتى الآن عن استراتيجية كبرى للولايات المتحدة لتحل محل الشيوعية. وحتى يوم 11 سبتمبر فإن هذا الفشل ربما يكون نتيجة عدم وجود عدو مشترك. ومنذ ذلك الحين فإن الفراغ الإستراتيجي قد تم ملؤه الى حٍد ما عن طريق الحرب على الإرهاب.
ولكنني ما زلت اؤمن انه لا يصح لأكبر قوة في العالم ان تركز استراتيجيتها على التصدي لنوع واحد من الإرهاب المتمثل في شبكة القاعدة. اليس من الأفضل ان يكون لنا هدف اسمى وانبل في القرن الحادي والعشرين؟
ان قرننا الجديد هو قرن يتميز بالتغير المستمر في اربعة اوجه: وهي العولمة والمعلومات والسيادة والصراع. فالعولمة وتقنيات المعلومات تغيران شكل الأسواق العالمية والمالية وتحدثان تحولاً في اقتصاديات ومجتمعات بأكملها. فهما بدورهما قد غيرا شكل سيادة الدولة القومية التقليدي ويعرضان قدرة الدولة على تقديم الأمن الاقتصادي والمادي للخطر. كذلك فإن عدم قدرة الدولة على السيطرة على العنف ادى الى تغير طبيعة الصراع واشكال الحروب.
ولو نظرنا الى الدولة القومية الأوروبية لوجدناها تتجه نحو اوروبا الموحدة وبهذا يصبح احياء التحالف الأطلسي امراً يحتمل النقاش. كما ان الانفجار الاقتصادي الهندي والصيني وكوريا الشمالية التي اصبحت دولة نووية كل هذه الأمور تتطلب سياسات جديدة من الولايات المتحدة حول اسيا. والدول الفاشلة في كل مكان من العالم وانتشار أسلحة الدمار الشامل ,والأوبئة والنزوح الجماعي وارتفاع حرارة الأرض, كل هذه الأمور تحتاج مشاركة دولية وربما مؤسسات دولية جديدة.
والإستراتيجية الكبرى هي بكل بساطة تطبيق قوى الدولة من اجل انجاز اهداف اكبر. وانا اريد ان ابرهن اننا لدينا هذه الأهداف الثلاثة :وهي ضمان الأمن (لأنفسنا وللأخرين) وزيادة الفرص لدعم الديمقراطية الحرة حول العالم. ومن اجل ان نحققهم يجب ان نسخر القوى الثلاثة الاقتصادية والسياسية والعسكرية بشكل يفوق اي شخص على مستوى العالم. ان اقتصادنا اكبر من عدة اقتصاديات مجتمعة. كما ان لدينا شبكة ليس لها مثيل من الدبلوماسيين والسياسيين. وفي القريب سوف ننفق المزيد على جيشنا بشكل يفوق بقية العالم.
ولكننا لدينا ايضاً قوة رابعة والتي لايشترك معنا فيها الا الدول العظمى. ان القوة تكمن في مبادئنا الأساسية وفي طريقة تعبيرنا عن انفسنا وبماذا نؤمن وكيف اخترنا الطريقة التي نحكم بها انفسنا. الفكرة هي ان الحكومة وجدت لكي تحمي لا لكي تقمع, كما ان فكرة ان للفرد قوته الهائلة لم يفهمها الكثير من الأميركيين بشكل جيد والذين يسلمون بهذا المبدأ منذ ميلادهم. سوف تحذو دول عديدة حذونا بسبب قوة هذا النموذج وليس بسبب قوة سلاحنا وبأسنا.
ولكن قوة المبدأ هي عملية مركبة :تتكون من اصول استراتيجيتنا الكبرى وقدرتنا القومية على القمع. ان مبادئنا هي السبب الرئيسي الذي يجعل العالم يعجب بنا ولكن في حين اننا فشلنا في التعايش بهذه المباديء فسوف نضعف وفقاً لذلك.
وفي عالم اكثر نضجاً فإن حملة الرئاسة عام 2004 ستكون فرصة مثالية للمرشحين واحزابهما لكي يقدما للشعب الأميركي استراتيجية جديدة كبرى لهذا القرن الجديد. اذا لم يتم وضع هذه الاستراتيجية نصب اعيننا فإن فراغ الهدف والاعتقاد سيستمر في التزايد وسيخلق حالة من الاستقطاب السياسي والانقسامات.
ويقول البعض اننا في الحقيقة اما ان نكون امبراطورية معتدلة وواضحة او ان نكون امبراطورية سرية ليس عليها الا ان تخفي كل وسائلها واهدافها. وقد كان ينظر البعض الينا على اننا واحة الديمقراطية ولكن هذه النظرة ربما تغيرت بسبب سياسات بوش الخاطئة.
وعلى مدار التاريخ كانت تتسم الإمبراطوريات بالهيمنة والسيطرة السياسية وتمركز الإدارة والحكم بالقوة. واذا ارادت الولايات المتحدة ان تصبح امبراطورية فيجب ان تستمع الى التحذير اذا اردنا ان نكون امبراطورية فلا يمكن ان نكون جمهورية. فعلى مدار التاريخ والى اليوم لايمكن للإثنين ان يجتمعا معاً. وليس على سبيل المصادفة ان يتزامن بروز نظرية الإمبراطورية مع كل المغريات التي تدفعنا لإقصاء مبادئنا جانباً.
ولكي نحافظ على جمهوريتنا يجب ان نقدم استراتيجية جديدة وبديلة تخاطب هذا القرن المتغير, استراتيجية تتوافق مع قوانا ومع المباديء العظيمة التي تأسست عليها دولتنا.