كتب الأخ عبداللطيف الدعيج مقالا في «القبس» بتاريخ 20 يوليو 2004 بعنوان «مرحبا بمن صبأ (2)». قال فيه «اما عن احتكار الديموقراطية فهي فعلا محتكرة على العلمانيين والليبراليين، ولا لبس في هذا ولا مواربة.. نعم، حتى الآن الديموقراطية يجب ان تبقى محتكرة على العلمانيين والليبراليين، وهذا الذي اسعى شخصيا اليه، ولكن ابوابها مشرعة لكل من يؤمن عن حق بالتعددية وباحترام حق الآخر في الوجود والتعبير». وقال في مقال آخر بعنوان «مرحبا بمن صبأ (3)»، «ولكن ليس من حق الحركة الدستورية ولا غيرها ان تسن قانونا يفرض على الآخرين، وفي اماكنهم الخاصة اتباع اخلاق ومعتقدات او طرق ايمان أو تدين الحركة.. هذا ما نختلف عليه، وهذا ما نحظر بسببه على الحركة الدستورية الاسلامية وبقية حركات التعصب الديني أمر دخول النادي. الايمان بالتعددية وبحق الاختلاف هو الشرط الاساسي لدخول النادي الديموقراطي»، وقال: «لاتزال الحركة تمارس الفكر الشمولي، ولا يزال ممثلوها في البرلمان يخضعون الغير الى منطق الامس وعقليته». واقول يجب ان نشكر الأخ عبداللطيف على صراحته ووضوحه لأن هذا من الاساسيات المطلوبة لأي حوار علمي.. وتعليقي على ما قاله الأخ عبداللطيف هو في النقاط التالية:

1 ـ تعني الديموقراطية قضيتين رئيسيتين هما الحكم للاغلبية، ومن حق الاقلية ابداء الرأي وحرية التعبير... إلخ. فهذا هو جوهر الديموقراطية وهي قريبة جدا مما يسمى في الاسلام بالشورى الملزمة، ودرجة التشابه بينهما تصل الى 90% ان لم يكن اكثر، ولا توجد عندنا كمسلمين مشكلة مع الديموقراطية، بل اذهب الى القول ان الشورى الملزمة اكثر فائدة وتطورا من الديموقراطية الغربية، لأنها تدعو الى اقتصار الشورى على أهل العلم والاخلاص، فاذا اقتصرت الانتخابات مثلا على 25% من الناخبين الأكثر وعيا وعلما واخلاصا، فلا شك ان النتائج ستكون افضل من مشاركة الجميع، بمن فيهم غير الواعين وغير المخلصين، بشرط ان يمثل هؤلاء 25% من الطيف الشعبي باقتناعاته واعراقه بصورة تتناسب مع قوتهم الشعبية.

2 ـ قال بعض علمائنا ان الشورى ملزمة للحاكم. وقال آخرون انها غير ملزمة. وأنا أرى ان الادلة التي ذكرها من يرون ان الشورى ملزمة اقوى، والشورى على كل حال جزء من الاسلام، وواجبنا ان نسعى إلى تطويرها وتقنينها والالتزام بها، فهذه إحدى نقاط ضعف المسلمين الرئيسية في عصرنا هذا. اما الديموقراطية فهي ليست جزءا من العلمانية، فالعلمانية تعني فصل الدين عن الدولة لا الديموقراطية، وهذا الفصل قد يؤدي الى الديموقراطية أو حكم الفرد أو حكم الحزب الواحد أو العرق الواحد أو الطبقة الواحدة. والدول الغربية هي دول علمانية ديموقراطية. ويقول الأخ عبداللطيف لن تكونوا ديموقراطيين حتى تكونوا علمانيين اولا، وهذا ليس بصحيح فبإمكاننا ان نوجد دولا اسلامية ديموقراطية كماليزيا واليمن، أي نوجد دولا تلتزم بالاسلام، الذي يكون الالتزام برأي الاغلبية في القضايا الاجتهادية من سياسية واقتصادية وتشريعية جزءا منه، وهذه القضايا مجالها واسع جدا.. الخلاف الفكري إذاً ليس مع الديموقراطية، بل مع العلمانية التي كانت تختبئ خلف الديموقراطية وحرية الرأي، فحقيقة الاختلاف هي بين الاسلام والعلمانية، فالعلمانيون والمتأثرون بالعلمانية لبسوا عن علم وبعضهم عن جهل أقنعة الديموقراطية والعقل والعلم والحرية، فظن الناس ان هذه هي القضايا التي يختلفون فيها مع الاتجاه الاسلامي والمسلمين، في حين ان المشكلة الحقيقية هي ـ كما قال الأخ عبداللطيف ـ في «منطق الأمس وعقليته». واقول اقتناعات العلمانيين وما فيها من كفر وشرك هي امتداد لأقوال فلاسفة قدماء وعقلية الامس، فلا جديد في المبادئ الفكرية فالحق قديم، وكذلك الباطل والعلمانية هي امتداد للفلسفة، ومفكرو العلمانية هم فلاسفة سواء كانت علمانية رأسمالية او اشتراكية او شيوعية او انتقائية او غير ذلك، فالجوهر واحد، وهو الاعتماد على العقل المجرد الرافض للدين سواء كان دينا صحيحا او خاطئا ومساحة الرفض (اللادينية) تتسع وتضيق من علمانية الى اخرى ومن علماني الى آخر.

3 ـ أهم اساس في الديموقراطية هو الحكم لأغلبية الشعب.. والأخ عبداللطيف يقول الديموقراطية محتكرة على العلمانيين والليبراليين، ولكن سيقبل بفتحها اذا اقتنعنا بمفاهيمه العلمانية بالتعددية وباحترام حق الآخر في الوجود والتعبير، واقول اي ديموقراطية ستكون موجودة في الوطن العربي، واعداد العلمانيين لا تصل حتى الى واحد في المائة من شعوبنا، انهم حتى اقل مما يمكن ان نطلق عليه كلمة اقلية ولا ادري من هو الذي اعطى الأخ عبداللطيف «وكالة الديموقراطية» حتى يدخل من يشاء فيها ويخرج من يشاء. وبالتأكيد ان الانظمة الاستبدادية في العالم تطبق حاليا ديموقراطية اكبر حجما من الديموقراطية، التي سيطبقها الأخ عبداللطيف لو حكم، بل ان هذه الانظمة اكثر حرية وأرحم، لأنها يهمها السيطرة على المصالح المادية والمناصب في حين ان الاخ عبداللطيف يريد ان يسيطر على عقول وعقائد الناس قبل ان يسمح لهم بممارسة الديموقراطية، فالبعض يؤمن بالديموقراطية اذا كانت ستحقق عقائده ومبادئه، والا فهي مرفوضة والدكتاتورية احسن منها. اما الاخ عبداللطيف فهو يريد اكثر من ذلك بكثير وهو ان لا يدخل النادي الديموقراطي الا من اعلن انه علماني، وبالتالي سيضمن ان آراءه علمانية لا انه يؤمن بالديموقراطية. والطريف انه من أشد الرافضين إلى إقصاء الآخر، فهو يرفض اقصاء الاقلية والفرد ومع هذا يدعو صراحة إلى إقصاء الاكثرية ما دامت ليست علمانية. وليتذكر الاخ عبداللطيف ان اي ديموقراطية حقيقية في الوطن العربي سيكون المسلمون فيها الاكثرية، ولهذا انصحه بألا يحفر قبره بيديه بالدعوة إلى الديموقراطية.

4 ـ العلمانيون هم أكثر الناس هربا من الحقائق الفكرية، بل قالوا لا توجد حقائق فكرية إنما توجد آراء، فهم اعداء العلم والحق وهم يؤمنون ان العقل عاجز عن الوصول إلى هذه الحقائق، ولهذا يلجأون إلى الديموقراطية والتصويت في كل قضاياهم ولا يلجأون إلى العقل. فالعقل العلماني عجز عن معرفة الحق من الباطل في القضايا العقائدية والاجتماعية والاقتصادية والاخلاقية والسياسية. فقالوا عن القضايا العقائدية هي قضايا غيبية وفلسفية لا نتدخل فيها، فليعتقد الانسان العلماني ما شاء فيها. اما القضايا الشخصية فقالوا تدخل في الحرية الشخصية، فالفضيلة حرية شخصية والرذيلة مقبولة لأنها حرية شخصية. اما القضايا التشريعية من سياسية واجتماعية واقتصادية فيحتكمون فيها للتصويت لعجز العقل العلماني عن اثبات الحق من الباطل فيها بالادلة العقلية. فالواجبات الزوجية وحدود الحرية الشخصية والعقوبات... إلخ يتم تحديد الحق من الباطل بالتصويت لا العقل، فالعلمانية لا تحتكم أبدا للعقل، بل للتصويت في النظم الديموقراطية أو لرأي الحاكم أو رأي الوزارة أو رأي الفرد اذا كانت القضية شخصية. اما العقل المسلم فلا يلجأ إلى التصويت في كثير من القضايا لأنه يعرف الحق من الباطل فيها، من خلال آية قرآنية او حديث نبوي، ولم يعلن العقل العلماني أبدا موقفا مؤيدا للايمان بالله او موقف المؤيد والمقتنع بالفضيلة وبخطأ الفساد الاخلاقي، فهذه الامور الواضحة عقليا لا يؤيدها، فالايمان والكفر عنده متساويان، ويقف منهما على الحياد، وكذلك يساوي بين الفضيلة والرذيلة وهذا ما جعل بعض المسلمين يرفضون الديموقراطية لأنهم ظنوا انها تشجع الفساد الاخلاقي والالحاد، في حين ان هذا التلوث سببه العلمانية لا الديموقراطية لأن ضياعها جعلها تحول للديموقراطية قضايا مرفوضة عقائديا واخلاقيا. واقول باختصار العلمانية شيء والديموقراطية شيء آخر.

5 ـ عندما تكون هناك ديموقراطية ستكون هناك تعددية في الاحزاب والافراد والصحف والآراء، فالفكر الاسلامي يتسع لكل المسلمين و95% من شعوبنا مسلمون، وسيكون الحكم من نصيب الاكثر شعبية بين المسلمين. اما العلمانية فهي كفر وشرك بنصوص القرآن الكريم، وبالتالي فالمسلمون يرفضونها وأي استفتاء حر سيثبت ذلك، فالمسلم يعلم انه لا يمكن ان يكون علمانيا، فتعدديتنا لا تتسع للإلحاد والكفر. وعدم تمسك كثير من العرب بالاسلام ليس راجعا لاقتناعهم بالعلمانية أو لكفرهم بالاسلام، بل هو نتيجة جهل بالاسلام ونتيجة عصبيات عرقية ومصالح وشهوات، فمن الخطأ ان يظن العلمانيون ان الانحرافات عن الاسلام مؤشرات للاقتناع بالفكر العلماني. فالقرن العشرون كان قرن ضعف وجهل واستعمار وضياع عقائدي، والحاضر والمستقبل غير الماضي القريب، فالوعي الاسلامي ازداد كثيرا والصحوة الاسلامية في كل مكان، ولن يوقفها العلمانيون ومن ورائهم اميركا واوروبا، وكذلك لن يوقفها المتطرفون من المسلمين وثقتنا بالله سبحانه وتعالى ثم بمبادئنا الاسلامية وبأمتنا وتاريخنا وعقولنا وقوانا الشعبية كبيرة جدا، وهذا ليس كلاما حماسيا بل هو واقع، وهذا لا يعني انه لا توجد صعوبات كبيرة امامنا والأخ عبداللطيف يعلم ان تأثيرنا في الواقع الكويتي مثلا اكثر بكثير من تأثير العلمانيين والليبراليين، علما بان المسلمين حتى الآن لا يخططون ولا يعملون بصورة صحيحة او متطورة فكيف تكون النتائج لو خططوا واجتهدوا؟

6 ـ لا نحتاج إلى موافقة من الاخ عبداللطيف حتى نطبق الديموقراطية، ولا نحتاج إلى اعترافه بنا كديموقراطيين. وبالتالي فليست عندنا مشكلة في عدم قبوله لنا، بل هو الذي يواجه المشكلة لأننا لن نقبله والعلمانيين في نظامنا وحياتنا السياسية وأمتنا العربية لا فكريا ولا سياسيا، ونحن نضع الشروط لأننا نملك القوة البشرية والقوة الفكرية والثقة الكبيرة.. إلخ ونعلم ان الاغلبية الساحقة ممن يسمون علمانيين وليبراليين ليسوا علمانيين حقيقة، بل مسلمون يريدون الديموقراطية وحرية الرأي ولا يؤمنون بعقائد العلمانية. اما العلمانيون الحقيقيون فهم قليلون وضعفاء ومتناقضون فكريا وسياسيا وتنظيميا.. هذا رأسمالي وطني وهذا رأسمالي اميركي، وهذا اشتراكي والرابع شيوعي والخامس فاسق والسادس عنصري والسابع مغرور. اما الثامن وما فوق فهم مشغولون بأموالهم أو حياتهم الشخصية، واغلبيتهم ليسوا على استعداد للتضحية ليس بحياتهم، بل حتى بمالهم ووقتهم، وأنا لا أبالغ فيما اقول وليحدد لي الاخ عبداللطيف من هم العلمانيون الحقيقيون في الكويت، وماذا حققوا من انجازات وطنية خلال السنوات العشر الماضية، بل ليحدد من الذين يرون من الشعب الكويتي ان الديموقراطية، التي يسعون إليها يجب ان تقتصر على العلمانيين والليبراليين، وليعتبر نتيجة ذلك مؤشرا على نجاح او فشل الافكار التي يدعو إليها منذ سنوات طويلة واقول النتيجة معروفة، وليتذكر ان لمن يخالفونه عقولا وثقافة وعلما وخبرات سياسية واخلاصا وذكاء.

7 ـ لا شك ان هناك غيابا كبيرا للشورى (الديموقراطية) في واقع اغلبية الدول العربية، وهذا راجع إلى عوامل كثيرة، منها عدم تركيز علماء المسلمين ودعاة الاسلام على الشورى وضرورة الالتزام بها، كما ان هناك فهما خاطئا لموضوع الديموقراطية والشورى والاحزاب السياسية، وبعض علماء الاسلام مشغولون بالقضايا العقائدية والاجتماعية والتربوية على حساب القضايا السياسية، كما ان اغلب مجتمعاتنا لم تطور انظمتها بشكل عام، وليس السياسية فقط، فهناك تخلف في الانظمة الاقتصادية والادارية والتعليمية.. الخ والمسلمون اليوم بحاجة الى ثورة هائلة تجعل الشورى من أهم أولوياتهم، ليس فقط في المجال السياسي، بل في كل المجالات الادارية والاجتماعية والعلمية والاعلامية.. إلخ، فالشورى احدى الفرائض الغائية.

8 ـ قال الأخ عبداللطيف انه يرفض ان تفرض الحركات الاسلامية معتقداتها واخلاقها على الآخرين، واقول نحن نطالب بالالتزام بالقرآن والسنة. اما اجتهادات الحركات الاسلامية والعلماء والحكومات، وغير ذلك فهي تخضع في القبول او الرفض لرأي الاغلبية. اما موضوع فرض الآراء فهو مطبق في الديموقراطيات العلمانية، فالاغلبية تفرض قرار الحرب على الاقلية التي ترفض الحرب ويلتزم الجميع بذلك، فالاغلبية بالتصويت تضع الدستور والمبادئ وتغيرها كما تشاء، وتفرضها على الجميع، فمجال حركة الاغلبية الغربية كبير واكبر بكثير من مجال حركة الاغلبية المسلمة، وفكرنا الاسلامي شامل وواضح في جوانب كثيرة منه، وهذا ليس خطأ أو تخلفا، بل يعني اننا نعرف الحق من الباطل في مواضيع كثيرة. والغريب ان العلمانيين يريدون فرض النظام العلماني على أمة، الغالبية الساحقة منها مسلمون ويعارضون النظام الاسلامي، ويعتبرون ما يفعلونه حرية وعدلا ومنسجما مع تقرير الشعوب لمصيرها، بل يطالبون اميركا بفرض «الاصلاح» على الدول والشعوب العربية، فهم يكفرون بمبادئهم من ديموقراطية وحرية رأي وقوانين الأمم المتحدة اذا كانت ستؤدي الى خسارتهم العقائدية او السياسية، وهذا ما قاله الأخ عبداللطيف لا للديموقراطية اذا لم تكن تخدم مبادئه واقتناعاته، وهذا ما فعلته انظمة عربية علمانية أو شبه علمانية في القرن العشرين.