في ظل تجديد الجزائر إبراز تشددها في موضوع الصحراء، يكون إعلان المغرب لإلغاء التأشيرة بالنسبة للجزائريين مبادرة في محلها، لتأكيد حسن النوايا، وتجديد التعبير عن رغبة حقيقية، في تصفية الأجواء المغربية ـ الجزائرية مما يثقلها من عوامل سلبية.
لقد أتى الإعلان عن إلغاء التأشيرة عقب زيارة وصفت بأنها فاشلة لوزير الداخلية المغربي مصطفى الساهل إلى العاصمة الجزائرية يومي 20 و21 يوليو (تموز) الماضي. وبالفعل لم يعلن عن شيء ذي بال في غمرة تلك الزيارة أو بعدها. واعتبرت على الأقل أنها روتينية مثل العديد من الزيارات المتبادلة منذ 3 سنوات لتجديد الروح للعلاقات الثنائية، والاستعداد لإعادة تطبيعها.
وهي زيارات عقيمة لا تخرج عن جو الحرب الباردة الدائرة بين البلدين. من ذلك أن اللجنة الاقتصادية المشتركة التي اجتمعت في يونيو (حزيران) الماضي بالرباط، وقيل إنها تداولت في اقتراحات مفيدة، لا يبدو أن هناك ما يشجع على التفكير في أن ما اهتدت إليه من اقتراحات، سيتم تفعيله في القريب العاجل.
وكان وزير الداخلية المغربي قد استقبل ببيان ينضح بالمرارة، أصدرته الخارجية الجزائرية صبيحة يوم وصوله، لسد الباب أمام أي نسمة تفاؤل حيال ما راج من إمكانية طرح مشكلة الصحراء في سياق مقاربة جديدة.
أما الصحافة، فقد قالت «لو سوار» الجزائرية في 20 يوليو (تموز) الماضي إنه (أي الوزير المغربي) «ببلادة وبدون حياء صرح لوكالة الأنباء الفرنسية بأنه سيناقش مع نظيره الجزائري العلاقات الثنائية وملف الصحراء. وعلى الجزائر أن تقوم بعمل قوي بأن تبلغ المسكين مصطفى الساهل (وزير الداخلية المغربي) بأن زيارته للجزائر غير ذات جدوى».
والأهم من «كلام الجرائد» الذي يسهل التبرؤ منه، ما انطوى عليه بيان الخارجية الجزائرية من تقريع شديد «لسياسيين أجانب» يتعمدون خلط الأوراق ويصرون على أن حل مشكلة الصحراء يمر بحوار بين المغرب والجزائر. وأكد البيان الرسمي الجزائري أن هذه المشكلة هي بيد الأمم المتحدة وهي قائمة بين المغرب وجبهة البوليساريو وتتعلق بتصفية الاستعمار وبإجراء استفتاء لتقرير المصير.
وهذه الغضبة هي في الواقع رد على ما أخذت الولايات المتحدة تكرره من أكثر من عام، وفرنسا منذ وقت طويل، وإسبانيا منذ مارس (اذار) الماضي، من أن خطة الأمم المتحدة غير قابلة للتطبيق، وأنه لا بد من حل سياسي، وأنه لا بد من حوار بين الرباط والجزائر حول الحل السياسي. وهذه المقولة الأخيرة أصبح واضحا أنها تمثل قاعدة في الرؤية الأميركية، إذ لم تخرج عنها التصريحات التي أدلى بها كولن باول وبيرنز منذ أكثر من سنة ونصف، كلما وقع التعرض لقضية الصحراء. وأصبحت الجزائر تضيق بما تتعرض له من ضغط بهذا الصدد، ورفضت حتى المقاربة الإسبانية التي لم تنضج بعد، والتي تتضمن عناصر عديدة ليست منسجمة فيما بينها، والتي تلح في خطوطها العامة بوضوح علي ضرورة تصفية الأجواء المغربية الجزائرية ليتأتى انطلاق قطار المغرب العربي.
وليس سرا أن الخلاف الوحيد الخطير بين المغرب والجزائر هو أن هذه الاخيرة لا تعترف بمغربية الصحراء. وليس خافيا أن هذا الخلاف يعرقل تفعيل اتحاد المغرب العربي، لأنه يسمم الأجواء بين فاعلين رئيسيين في الاتحاد.
وأمام تزايد مؤيدي هذا الطرح، وتشجع المقتنعين به على الجهر به، تبدي الجزائر مزيدا من التشدد التي تعبر عنه في كل مناسبة.
وحينما يأتي إعلان المغرب عن إلغاء تأشيرة الدخول بالنسبة للجزائريين، رغم هذه العوامل المحبطة، فإن الدلالة القوية للقرار هي أن المغرب يبدي رغبته في تسهيل كل ما من شأنه أن يرفع الحواجز من الطريق. ولا بد أن تستقبل شعوب المغرب العربي هذه الخطوة المغربية بالاستبشار.
ويمكن أن نلاحظ أن القرار المغربي لا يرتبط فقط بتشجيع الحركة السياحية بين البلدين، فلو كان هذا هو الدافع الرئيسي لكان قد أعلن عنه في مارس أو أبريل، لأن موسم السياحة الصيفية قد حسم.
وكنت قد أبديت بمناسبة ندوة عن الدبلوماسية الموازية انعقدت في الرباط في ديسمبر (كانون الاول) الماضي اقتراحا في هذا الصدد، داعيا أن يكون المغرب سباقا إلى إشاعة أجواء انفراجية من قبيل إلغاء التأشيرة بين البلدين.
وقلت إن الوقت مناسب لإقدام المغرب على قرار من طرف واحد في ذلك الاتجاه، لأن جو الإحباط تجاه مشروع المغرب العربي بلغ أشده، خاصة في الوقت الذي تأجلت القمة المغربية الجزائرية التي كانت متوقعة في ديسمبر 2003. وبما أن الاقتناع يتزايد بأن تصفية الأجواء بين البلدين هو السبيل إلى الإفراج عن مشروع المغرب العربي، وبما أنه اتضح أن المبادرات الانفراجية تأتي من المغرب، فإن الوقت مناسب، وقد أصبح المغرب في وضع مريح، أن يقدم على قرار من طرف واحد، بإلغاء التأشيرة، لتعزيز التمسك بالوجدان المغاربي.
إن كل وقت هو صالح لمبادرات انفراجية من قبيل إلغاء التأشيرة بالنسبة للجزائريين للدخول إلى المغرب. وهذا سيسهل على الطرف الجزائري أن يتخذ قرارا جوابيا هو فتح الحدود بين البلدين. ونريد أن يتم ذلك في أقرب وقت. لأن عوامل الإحباط تثقل الأجواء. وكل عمل يهدف إلى تخفيف الشعور بالإحباط سيكون خطوة في الطريق الصحيح. وهذا هو أوان رد كريم على قرار حكيم.