القاهرة: أثارت ظاهرة تدخل بعض النجوم خاصة الجدد منهم في أعمال المخرج السينمائي غضب العديد من السينمائيين.. حيث وصل الحال بالبعض إلي التدخل في اختيار الديكورات. أو مواقع التصوير أو حتي اختيار الممثلين المشاركين معه في الفيلم. فضلا عن تعديل السيناريوهات بما يحلو لهم.
وصل الحال مؤخرا إلي تغيير مخرج العمل نفسه إذا لزم الأمر!
هذه الظاهرة الجديدة أو "الموضة" التي فرضها ديكتاتورية النجم صنعت خللا واضحا في صناعة العمل الفني بالانسياق وراء رغبات النجم وحده. وكان نتيجة لهذا إفساد الأفلام المعروضة علي الجمهور. كما كرست مبدأ خطير وهو ضعف قائد العمل المسئول الأول عن الفيلم. بحجة أن اسم النجم وحده هو الذي يحقق الملايين.. ثم تجيء النتيجة مخيبة للآمال. وعندها يسرع النجم ليحمل المخرج وحده مسئولية الفشل!
ولعل فيلم "عوكل" وما حدث فيه من نجمه محمد سعد لتغيير المخرجة بمخرج لخير دليل علي تفاقم هذه المشكلة!

رفضت سعاد حسني

* يقول المخرج الكبير كمال عطية:
المخرج هذه الأيام ضعيف.. لا يستطيع السيطرة علي العمل الفني ككل.. فانقلبت الآية.. وأصبح كل من هب ودب يتدخل في عمله.. بدءا من المنتج إلي النجم الذي يكون سببا لاختياره.. وحتي بعض العناصر الأخري التي تري فيه ضعفا وتحكما من الآخرين. وبالتالي يستهينوا به.
في الماضي كان المخرج هو سيد العمل.. ومساحة المناقشات كانت تتم قبل بدء تصوير الفيلم بمراحل. يمكن خلالها قبول أو رفض الاقتراحات.. ولكن عندما ندخل الاستديو لاجدل ولا مناقشات وإلا فسد العمل!
وأذكر في فيلم "قنديل أم هاشم" أن اقترح سعدالدين وهبة وهو رئيس المؤسسة والمنتج المسئول عن الفيلم "سعاد حسني" وهي في أوج شهرتها.. فرفضتها وقلت إن الدور لا ينفعها.. واخترت بمحض ارادتي سميرة أحمد.. وفرضت ارادتي علي الجميع.. ونجحت كما توقعت.. وكذلك اختياري لفتاة صغيرة لتكون بطلة لفيلم "رسالة إلي الله". والشاعر أحمد خميس وهو ليس من النجوم وقتها ليكون بطلا لفيلمي.. أما الآن فالوضع اختلف.. وهو أمر مؤسف للغاية.. ولابد للمخرج أن يستعيد عرشه. وإلا قل علي السينما السلام!
* أما المونتير فتحي داود فيقول:
المخرج الآن عاوز يسترزق.. ولأن الممثل هو الذي يرشحه للعمل. اتشقلب الحال. وأصبح المخرج يجلس علي كرسيه. ويترك الممثل يفعل في دوره بل وفي الفيلم كل كما يشاء.. وبدلا من أن يوجه المخرج الممثل.. أصبح الممثل هو الذي يوجه المخرج!
الكارثة في الأعمال الفنية الأخري المتعلقة بالفيلم وسيطرة المخرج عليها. التي بدأت تنهار مع انهيار الصناعة.. وخذ مثالا بمهنتي:
أصبح المخرج الآن لا يحضر مونتيرا محترفا. بل يكتفي بالأوبريتور وهو "مساعد الكمبيوتر" ليدخل الصوت والصورة بداخل الكمبيوتر بدلا من المونتير المحترف الذي يفهم في عملية ضبط إيقاع الفيلم ومعالجة كافة عيوبه.. وتكون النتيجة أنهم يظلوا لشهرين وثلاثة لكي يتمموا أعمال الفيلم كما يجب. لانعدام خبرة هؤلاء المساعدين بعمليات المونتاج والمكساج! ولذلك تجد الكثير منهم يضطر للسفر للخارج لكي يصلح ما أفسده هؤلاء المساعدين الذين يحضرهم المخرج تحت ضغط الإنتاج والانصياع إلي طلباته في التوفير أو المجاملات أو غيره!
والمصيبة أن الكل استسلم لهذه الظاهرة الغريبة وهي ضعف المخرج تجاه السيطرة علي فيلمه.. ونقابة السينمائيين تنفرج دون تدخل للحفاظ علي خبراء المونتاج الموجودين حاليا.. والشباب والفتيات الجدد معذورين لم يتعلموا صح.. ولم يأخذوا وقتهم في المهنة.. ولذلك تظهر النتيجة كما نري في السوق ضعف عام في معظم الأفلام. باستنثاء بعض الأفلام الجيدة!

يصرخ في البلاتوه

* ويقول المخرج علاء كريم:
هذه الظاهرة يمكن أن تقضي علي النجم نفسه.. لأنه من الخطأ أن يعتقد أنه يفهم في كل شيء.. لازم هناك عين خبيرة تراه وتصوره جيدا وهي عين المخرج الأمين علي فيلمه بالكامل.. وعلي هؤلاء النجوم "المتدخلين" في أعمال غيرهم الاهتمام بالبحث عن النصوص الجيدة لأنه أساس العمل. ويترك مهنة الإخراج لصاحبها.. لأنه بالبحث عن النص الجيد سيكون ليس في حاجة للتدخل فيما لا يعنيه.
والمصيبة تجيء من أن هذا التدخل لا يكون من أجل الدراما أو واعيا بها.. ولكن من أجل الجري وراء الإفيه. والإفيه لا يصنع سينما.
ولابد للممثل أن يترك علامة مع الزمن. فمثلا نجيب الريحاني صنع 5 أفلام فقط. ولكن دخل التاريخ بها. لأنه كان يحترم كل عناصر العمل معه.
* وعن حدود تدخل الممثل يقول علاء كريم: للممثل فقط الحق أن يأخذ الجملة ويقولها بطريقته الخاصة.. أما غير هذا فلا يوجه ولا يصرخ لأحد في البلاتوه كما يحدث الآن!
* أما الناقد د. ناجي فوزي فيقول:
هذا التدخل مرفوض بالقطع رفضا تاما. وإلا عليه أن يخرج هو بنفسه كما فعل البعض: كمال الشناوي وماجدة ونورالشريف. ووقتها لن يلومه أحد لأنه حينئذ يصبح هو "المدير" وهي الترجمة الحقيقية لكلمة "المخرج"!
الممثل الحقيقي عليه هو الذي يحترم كل التخصصات.. ويثق في المخرج الذي يعمل معه.. وقد كان "مارلون براندو" وهو عملاق التمثيل في العالم يسلم نفسه تماما لكوبولا وهو في مثل سن ابنائه.. ويصل الحال بالمخرج هناك إلي أبعد من ذلك حيث يضع خطة العمل في العناصر الأخري من مونتاج لموسيقي وخلافه ويغيب لعمل ما. فيعود ليجد كل شيء يمشي حسب الخطة الموضوعة دون أية تدخلات!
وخطورة تدخل الممثل تكون نتيجتها: 1 أنك لا تري فيلما محكم الصنع. 2 تصبح هذه الأفلام لا تحمل بصمة المخرج..
باختصار المخرج الذي يسمح لنفسه بأن يحل غيره محله يضرب تاريخه كله!