عدول رئيس الوزراء الفلسطيني عن استقالته، بعد تحويل الرئيس عرفات مسؤولية الاشراف على الأجهزة الأمنية لرئيس الوزراء، بدت وأنها حل للاشكالات الكبيرة في الساحة الفلسطينية، ولكن وبعد مضي بضعة أيام فقط على الخطوة المذكورة .. عادت الارهاصات السابقة إلى الظهور مرة أخرى: تهديد دحلان للرئيس عرفات وامهاله حتى 10 أغسطس الجاري من أجل البدء في الاصلاحات .. وإلا ستبدأ الأحداث من جديد! التظاهرات المؤيدة في رام الله للرئيس الفلسطيني والأخرى المعارضة له في غزة، حرق مبنى المحافظة في رفح، وابنية تابعة للسلطة في جنين، حادثة اطلاق النار من قبل عناصر في فتح على اجتماع لمائتين من كوادر الحركة في مدينة نابلس .. وغيرها من الحوادث التي تصب الزيت على نار الصراع! عنوان الوضع الفلسطيني الحالي هو: التوتر الكبير الذي ينبئ بحالة من الفوضى الكبيرة اذا ما انطلقت الشرارة (لا سمح الله) والخوف من مواجهات قد تحرف اتجاه المعركة من النضال ضد الاحتلال إلى الانشغال بالصراع الفلسطيني ـ الفلسطيني في واحدة من أقسى المراحل التي تمر بها القضية الفلسطينية وعموم الشعب الفلسطيني.
الخطوات التي اتخذها الرئيس عرفات تبدو حلولا ترقيعية، وليس إلا! وتأجيلا للاشكالات وليست حلولا لها .. فما الذي يمنع حركة فتح، وهي حزب السلطة، من الاحتكام للديمقراطية، وعقد المؤتمر السادس للحركة، وليقرر المؤتمر ما يشاء؟
صحيح أن الرئيس عرفات لن يشجع انعقاد المؤتمر ما لم يستطع الامساك بخيوط كافة الاتجاهات في فتح وما لم يفرز المؤتمر قيادة لفتح تنال رضاه، غير أن ذلك سيضاعف من حدة التجاذبات في صفوف الحركة، فالقبول بالخسارات النسبية والاعتراف بالوقائع الجديدة على الأرض تظل أفضل بكثير من حالة الانفلات والمواجهة التي قد تتخذ بعدا تدميريا بالنسبة للقضية الوطنية للشعب الفلسطيني، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فليأخذ المجلس التشريعي دوره من خلال اللجان التي شكلها للبحث في الفساد في أجهزة السلطة.
من زاوية أخرى، ففي الشعب الفلسطيني وفي حركته الوطنية تنظيمات أخرى لها تواجدها وقوتها الملموسة، وهي معنية أيضا بما يدور على ساحتها لأنها ستتأثر حتما بالتداعيات، والحل الأمثل بالنسبة لما يدور من أحداث هو اشراك هذه التنظيمات في الاشراف على الأوضاع وكذلك في أخذ القرارات من خلال القيادة الوطنية الموحدة، وأي تأخير في انشائها سوف يفتح المدى لتسعير الصراع بوجهه التنظيمي التفردي وبكل ما سيلحقه من ضرر على القضية الفلسطينية. الأحداث تتسارع وليس هناك من حلول جذرية أو مبادرات من قبل السلطة الفلسطينية .. وهذا لا يجوز! اننا نقف أمام استحقاقات عربية ودولية واقليمية تستلزم السرعة في ايجاد المبادرات التوحيدية، فالوضع العربي لن ينتشل الساحة الفلسطينية من مآزقها ما لم تنتشل نفسها بنفسها، ولن يستطيع الوضع العربي تقديم المساندة المرجوة بمختلف اتجاهاتها، ما لم تتوفر أوضاع فلسطينية مستقرة وثابتة ومحددة الاتجاه والحركة. نفس الحال أيضا بالنسبة للاستحقاقات الدولية، فتأييد المجتمع الدولي للمطالب الوطنية العادلة لشعبنا ستتناثر في ظل الانقسامات وعدم توحيد الرؤى لمواجهة ما يدور!
العامل الاسرائيلي يقف بالمرصاد لتدعيم الانقسامات الفلسطينية والسير بها نحو المواجهة، ولسان حاله يقول: ألم نقل لكم بأن الفلسطينيين لا يستطيعون أن يحكموا أنفسهم؟ وهذا في النهاية يصب في التصورات الإسرائيلية للحل مع الفلسطينيين من خلال حكم ذاتي هزيل، تشرف فيه السلطة على القضايا الحياتية والادارية البحتة دون امتلاك أي نمط من السيادة على الأرض.
من جانبها فإن الولايات المتحدة، ومنذ بداية عهد الرئيس بوش اتخذت قرارا سلبيا من السلطة الفلسطينية .. وللأسف فإن ما يدور يصب في مصلحة ادعاءات الادارة الأميركية!
المجتمع الدولي يطالب السلطة بالبدء في الاصلاحات ومحاربة الفساد، وإلا سيقطع تمويلاته السنوية لها، هذا ما تقوله المجموعة الأوروبية الممول الرئيسي، وهذا ما تطرق إليه تيد لارسن مندوب الأمين العام للأمم المتحدة قبل هذه المطالب أو تلك .. فإن الاصلاح الديمقراطي الحقيقي ومحاربة الفساد والتعامل برؤية جديدة .. هي مطالب شعبية وجماهيرية فلسطينية أولا وأخيرا والاستجابة لها تتم انطلاقا من رؤيتها في هذا الإطار، وليست باعتبارها املاءات خارجية، ولكن لكونها ضرورة موضوعية في الأساس.
الحلول الترقيعية التي تم اتخاذها لن تحل المشكلة وانما قد تؤجلها بعض الوقت!