في كتابه “ليكساس وشجرة الزيتون: محاولة لفهم العولمة، 1999” يرى توماس فريدمان الذي تصفه “اللوموند ديبلوماتيك” ب “داعية مبهور بالعولمة” في حين يحلو له وصف نفسه بأنه “عاشق العولمة” كما جاء في تقديمه لكتابه سالف الذكر، يعشقها كما يعشق الفجر على حد تعبيره . أقول يرى فريدمان أن الثورة الجديدة على صعيد عالمي هي الولايات المتحدة الأمريكية كما يشهد على ذلك الفصل السادس عشر من كتابه السالف الذكر والمعنون أي الفصل- ب “الثورة هي الولايات المتحدة” وهو لا يكتفي بذلك، فالعولمة هي أمريكا وهما وجهان لحقيقة واحدة، ولكن فريدمان يستدرك قليلاً عندما يشبه العولمة بالنمر الذي لا يستطيع أحد أن يمتطيه باستثناء أمريكا. يقول فريدمان “يوجه اللوم كله إلى أمريكا لأن العولمة هي نحن في كثير من الوجوه. ولكننا لسنا النمر، فالعولمة هي النمر”، ولكننا الشعب الأكثر مهارة في امتطاء النمر، ونحن الآن نقول للآخرين جميعاً، إما أن يركبوا معنا وإما أن يبتعدوا عن الطريق. والسبب في أننا بهذه المهارة في امتطاء النمر، هو أننا ربيناه منذ أن كان صغيراً”. وما يخلص إليه فريدمان أن العولمة لها وجه أمريكي مميز. وإذا كان الفرق بين ما هو عولمي وما هو أمريكي واضح لمعظم الأمريكيين، إلا أنه بالنسبة للكثيرين غير ذلك ففي معظم المجتمعات لم يعد باستطاعة الكثير التمييز بين أمريكا والعولمة فكلها جميعاً ملفوفة في ربطة واحدة وعلى حد تعبيره؟.

إن فريدمان الذي بات نجماً معروفاً في الحياة العربية بسبب لقاءاته مع المشاهير العرب من رجال سياسة أو شيوخ دين، يسوق لنا هذا الربط بين أمريكا والعولمة ليفسر لنا حالة العداء لأمريكا الآخذة في التنامي على صعيد عالمي، فمن وجهة نظره أن هذا العداء بلا أساس، وهو لا يزيد على كونه حسداً واستياء تجاه الولايات المتحدة وعجزاً عن امتطاء النمر كما تفعل الولايات المتحدة.

يضيف بقوله: إن بقية العالم ترى فينا ثيراناً بغيضة ويحسدوننا “فالحسد والعجز وحدهما يفسران هذا الكره لأمريكا ولشعبها النموذجي (رواد العالم السريع، وأعداء التقاليد، وأنبياء السوق الحرة، وكرادلة التكنولوجيا المتقدمة ..إلخ).

يؤكد فريدمان كما مرّ معنا، على الفارق بين النمر وممتطيه، فالنمر هو العولمة أما ممتطوه من رجال الكاوبوي الجدد فهم الأمريكان، ولكن أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول الدامي جعلت من النمر وممتطيه وجهين لحقيقة واحدة،تتمثل في هذا الوجه الدامي والبشع للنمر الأمريكي، بحيث شهدنا تواطؤاً بين النمر وممتطيه على افتراس العالم والسعي الى إلحاق هزيمة بأعداء العولمة وأمريكا معاً، هزيمة يراد لها أن تكون شاملة ونهائية لكل البرابرة الجدد كما سماهم فوكوياما، ولكل العالم غير الأمريكي الذي لا تزال حركته بطيئة قياساً بحركة النمر الأمريكي وقدرته على افتراس العالم .

النمر هو أمريكا، بهذا يكون العنف المتصالح مع العولمة الأمريكية والمرافق لها كظلها بمثابة نتيجة، فالمسألة ليست مسألة حسد كما يحاول أن يقنعنا فريدمان، وليست مسألة نيّات طيبة تناشدنا اللحاق بجنة الطّيب الأمريكي، باختصار فعلى العالم أن يلغي تفرده وخصوصياته و”أن يحذو حذونا” وإذا لم يحذ حذونا فهو إرهابي يريد أن يعكر صفونا وهذا ما يفسر دعوة فريدمان إلى “كسر جوزة العراق” وإعادة بنائه بشكل يسمح له باحتساء البيبسي كولا بدلاً من الشاي العراقي المخدّر الذي ينتمي إلى زمن سابق على العولمة /الأمركة.

في مقال له بعنوان “عنف العولمة (اللوموند ديبلوماتيك نوفمبر/تشرين الثاني 2002) يرى الفيلسوف الفرنسي جان بودريار أن عنف العولمة ذو طبيعة فيروسية، وفعله يكون بالعدوى، بالتفاعل المتسلسل، فيدمر،شيئاً فشيئاً، كل مناعاتنا كما يدمر قدراتنا على المقاومة. ومن وجهة نظر بودريار أن العولمة لم تفز سلفاً ولكن فوزها يبدو بمثابة نتيجة، وهذا ما يفسر انتشار جيوب المقاومة وكذلك انتشار جيوب الإرهاب الذي لا يفسره الحسد لأمريكا كما يحاول أن يقنعنا فريدمان، بل تفسره هذه النزعة المعولمة الشمولية المجردة التي تسعى لفرض نفسها على العالم عنوة، لنقل الأمركة على العالم . من هنا نفسر اعتراض الإسلام على القيم المعولمة، ولأنه يمثل الاعتراض الأشد احتداماً كما يقول الفرنسي بودريار فليس غريباً أن يعتبر اليوم العدو الرقم واحد؟