مرّت سنوات عشر على الهجوم الإرهابي الذي قامت به مجموعة مسلحة في فندق “أطلس أسني” في مدينة مراكش وسقطت ضحيته مجموعة من السائحين الإسبان. كشف التحقيق مع الجناة، بعد اعتقالهم، عن أنهم جزائريون مقيمون في فرنسا، وعن أنهم كانوا مدفوعين من المخابرات العسكرية الجزائرية إلى تنفيذ العملية. احتج المغرب رسمياً على الاعتداء على أراضيه - وهو الذي امتنع عن دعم “الجبهة الإسلامية للإنقاذ” رداً على دعم الجزائر لجبهة “بوليساريو” الانفصالية - واتخذ قراره بفرض تأشيرة دخول إلى المغرب على المواطنين الجزائريين، وردت الجزائر بالمثل مضيفة إلى ذلك قراراً بإغلاق حدودها مع المغرب.

سنوات عشر عجاف في العلاقة بين البلدين منذ جريمة “أطلس اسني” في مراكش أغسطس/آب 1994. النتائج الفورية على المغرب كانت كارثية بعد العملية الإرهابية، انخفض عدد السياح الأجانب بشكل دراماتيكي إلى حوالي المليون ونصف المليون سائح، فيما كانت مدينة مراكش وحدها تستقبل مثل هذا العدد سنوياً. وتضررت عشرات الآلاف من العائلات من البلدين تجمعها علاقات القرابة والمصاهرة. وتلقت الحياة التجارية في المدن على حدود البلدين ضربة موجعة بالإغلاق، فضلاً عن أن العلاقات بين الدولتين عادت إلى منطقة الصفر بعد التحسن الذي طرأ عليها في عهد الرئيس الشاذلي بن جديد - الذي أزيح - والرئيس محمد بوضياف الذي اغتيل، وألقت بنتائجها السلبية على مجمل منطقة المغرب العربي واتحاده الإقليمي (اتحاد المغرب العربي).

بعد هذه الحقبة القجفاء، تأتي - اليوم - المفاجأة الطيبة من المغرب في صورة قرار رسمي بإلغاء التأشيرة على الجزائريين الراغبين في السفر إلى المغرب. رأت مصادر رسمية مغربية في قرار الملك رغبة في “كسر الحاجز النفسي” الذي يحول دون تطبيع العلاقات بين البلدين، وهلل له المغاربة والجزائريون (على الحدود) في ما روى شهود (راعهم أن الحدود ما زالت مقفلة أمام أولئك الذين سارعوا إلى المعبر الحدودي “زوج بغال” قصد المرور إلى الجهة المقابلة). وكان واضحاً أن قرار المغرب عول على رد مماثل من الجزائر على ما يستفاد من تصريح لوزير الخارجية المغربي ورد فيه أن الرباط “تدرك وتقدر” أن قرار إلغاء تأشيرة السفر عن المغاربة “شأن سيادي يخص السلطات الجزائرية. لكننا نأمل أن تستجيب الشقيقة الجزائر للقرار الملكي الذي ينبع من رغبة المغرب الصادقة في تلطيف الأجواء.. ورفع المعاناة عن الشعبين الشقيقين”.

سارعت الجزائر على الفور إلى إصدار بيان رسمي رفضت فيه إلغاء التأشيرة المفروضة على المغاربة لأن قرار المغرب اتخذ “من دون تشاور مسبق” مع الجزائر، و”بأسلوب أحادي الجانب” و”من دون شرح دوافعه”. في الأثناء، وزعت وكالة الأنباء الجزائرية - في اليوم الموالي للقرار المغربي - نص رسالة وجهها عبدالعزيز بوتفليقة رئيس الجزائر، إلى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، جدد فيها مواقف الجزائر التقليدية من قضية الصحراء المغربية: الدفاع عن حق “الشعب الصحراوي” في تقرير مصيره، واعتبار “مسألة الصحراء الغربية مشكلة تصفية استعمار”، ووصف المغرب ب “القوة المحتلة”. ومن حسن الحظ أن المغاربة أمسكوا عن الرد رسمياً، أو قُل عن اتيان رد فعل باستثناء موجة استنكار عارمة من أحزاب تاريخية كبرى مثل “حزب الاستقلال” و”الاتحاد الاشتراكي” و”حزب التقدم والاشتراكية” (شيوعي) و”حزب العدالة والتنمية” (الإسلامي)، كما من صحافتها اليومية.

هي فرصة أخرى أمام البلدين وأمام المغرب العربي لا ينبغي أن تضيع كما ضاعت قبلها أُخر. من المفيد جداً أن يظل المغرب متمالكاً أعصابه. لقد أتى فعلاً لا يمكن لأي دولة في دنيا اليوم إلا أن تحمده وتسجله له، وهذا يكفيه ويعفيه من أي مناقرة سياسية أو إعلامية. أما الجزائر، فلها الحق في أن تلغي أو لا تلغي التأشيرة على المغاربة دونما حاجة منها إلى ردود عصبية على قرار مغربي ليس إعلان حرب عليها. ولعلها كانت في غنى عن نشر رسالة الرئيس بوتفليقة في هذا الظرف، لأنه - على سابق علم المغرب بموقفه من قضيته الوطنية المقدسة - ظرف ليس ملائماً لمثل ذلك ولا معنى له سوى إسقاط هذه الفرصة الجديدة التي أطلقها القرار المغربي.

حين كانت الجزائر غارقة في حربها الأهلية، سنوات التسعينات وجد هناك من رَغبَ في أن يدفع بالمغرب إلى انتهاز فرصة الحرب الداخلية للضغط على السياسة الجزائرية عبر دعم “الجبهة الإسلامية للإنقاذ”، كرد على احتضان الجزائر لجبهة “بوليساريو” الانفصالية. وعلى ما في ذلك من إغراء سياسي، رفض المغرب أن يسلك هذا الخيار على الرغم من أنه دفع كثيراً من احتضان الجزائر للانفصاليين. واليوم، مطلوب لهذه العقلانية السياسية، ولعلاقات حسن الجوار أن تسود بين البلدين، خصوصاً أن المغرب موجود في أراضيه الصحراوية، ولن تمنعه قوة من البقاء فيها. وهي حقيقة أدركها الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد، فاختار التعاون الايجابي مع المغرب على ما بين الطرفين من خلاف في شأن قضية الصحراء.