ثمة حزب ثالث في اميركا الى جانب الحزبين الجمهوري والديموقراطي. الا ان احدا لا يتحدث عنه، رغم انه يضم نحو 50 في المئة من الاميركيين الذين لا يقترعون في الانتخابات الرئاسية. هذا «الحزب»، الذي يمثل الغالبية الصامتة او المعتكفة اوالعازفة، يعكس قناعة لدى اعضائه بأن لا جدوى من الاقتراع والاختيار بين حزبين يسيطران على العملية السياسية، ويتداولان السلطة في ما بينهما، من دون ان يكون لأي كان من خارج الحزبين قدرة على شق طريق ثالث. ويقول اعضاء هذا «الحزب» ان لا فارق حقيقيا بين الجمهوريين والديموقراطيين، وانهم قادرون على التعايش مع اي منهما. فالقوى التي تدعم الجمهوريين، هي نفسها التي تدعم الديموقراطيين: مجموعة الشركات الضخمة والمصارف التي تمول الحملات الانتخابية للحزبين، وتملك وسائل الاعلام او تؤثر فيها من خلال الموازنات الاعلانية، ومن ابرزها شركات صناعة الاسلحة وشركات النفط وتكنولوجيا المعلومات وخلافه...
لهذا السبب، من بين اسباب اخرى، سارع الحزب الديموقراطي الى قطع الطريق على المرشح المستقل رالف نادر في ولاية كاليفورنيا، وهي اهم ولاية في الحسابات الانتخابية. ويظهر تاريخ الانتخابات الاميركية ان كلا الحزبين الرئسيين تمكنا من تهميش ادوار الاحزاب او المرشحين الساعين الى طريق ثالث. وساهمت المؤسسات والشركات النافذة في اميركا، من خلال نفوذها المالي وامتداداتها داخل الحكومة الفيدرالية، من اضعاف فرص قيام حزب ثالث، رغم ان نصف الاميركيين لا يجدون مبررا للإقتراع لمصلحة اي من الحزبين الكبيرين. واللافت في الحملة الانتخابية ان المرشح الديموقراطي جون كيري، وشريكه جون ادواردز، ركزا حملتهما على ضرورة كسر احتكار الشركات النافذة في واشنطن، في محاولة لكسب بعض اصوات المعتكفين، رغم ان الجزء الاكبر من التمويل الذي حصلا عليه هو من تلك الشركات، مع انعدام القدرة، من ناحية عملية، على تهميش دور البزنس في الانتخابات، على اي حال.
لهذا السبب، قدم الرئيس بوش اعفاءات ضريبية للشركات الكبرى بقيمة 700 بليون دولار، بحجة ان توفير تلك الاموال سيمكن تلك الشركات من انفاق المزيد على توظيف مزيد من الاميركيين ودفع الحركة الاقتصادية الى امام، وهو ما يعارضه الحزب الديموقراطي من ناحية الشكل، من دون ان يقدم بديلا عمليا قابلا للتطبيق.
ليس هناك من شك بأن غالبية «البزنس»، بإستثناء متمولين من ابرزهم جورج سوروس، سيؤيد مرشح الحزب الجمهوري خوفا من احتمال سعي كيري الى تحجيم دور البزنس، رغم وجود قناعة عامة بان ذلك سيعني انقلابا مستبعدا في النظام السياسي الاميركي.
بهذا المعنى، يمكن القول إن تداول السلطة بين الجمهوريين والديموقراطيين يبقى تحركا في الهامش، من دون ان يؤثر في التوجه السياسي للحكومة الفيدرالية على الصعيدين الداخلي والخارجي. ويمكن لمن استمع الى خطاب كيري في المؤتمر الوطني الديموقراطي ان يستنتج بأن الفارق بينه وبين خصمه الجمهوري هو في اسلوب تطبيق السياسات المتبعة اكثر منه اختلافا ملموسا في المحتوى. إذ ان كيري الذي عمل 30 عاما ضمن المؤسسة الرسمية، يعرف تماما بأنه لا يستطيع ان يحيد عن الخطوط العريضة للسياسات المتبعة، وان دوره، إن تسنى له الفوز، يبقى محصورا في هامش ضيق لن يسمح له بتجاوزه بأي ثمن.