إذا انفجرت قنبلة نووية بقوة 10 كيلو طن- يعني هذا أنها قزمة وأصغر من القنبلة التي دمّرت هيروشيما- في ساحة "تايمز سكوير"، فإن شدة حرارة كرة النار ستبلغ عشرات الملايين درجة فهرنهايت. ومن شأن ذلك أن يبخّر أو يدمّر منطقة المسارح، حديقة "ماديسون سكوير"، مبنى "إمباير ستيت"، المحطة المركزية الكبرى ومبنى "كارنيجي" (إضافة إليّ أنا والمبنى الذي أنا فيه) ومن شأن الانفجار أن يدمر منطقة أكبر بكثير تشمل مبنى الأمم المتحدة. وبذلك سيلقى 500 ألف شخص مصرعهم في أي يوم من أيام أسبوع ما باستثاء يومي السبت والأحد. فهل من الممكن أن يحدث هذا؟

من المؤسف أنه ممكن. والكثير من الخبراء يعتقدون أن وقوع هجوماً كهذا في مكان ما هو أمر محتمل. معهد "أسبن ستراتيجي جروب"، الذي يضم نخبة من الباحثين المهرة في شؤون السياسة والمنتمين إلى كلا الحزبين، ركّز في اجتماعه الأحدث هنا في الأسبوع الماضي على المخاطر النووية، حيث كان الإجماع في الرأي مضاعفاً ومفاده أن خطر الإرهاب النووي أكبر بكثير مما يعتقد الجمهور والعامة، وأن حكومتنا لم تفعل الشيء الكثير لتقليصه.

ويشير "غراهام أليسون" الأستاذ في جامعة هارفرد، والذي يقدّم كتابه الجديد "الإرهاب النووي" المثال الذي استشهدت به آنفاً، إلى أنه لم يأت بهذا الأمر من فراغ. وكتب "أليسون" قائلاً إن مساعدي الرئيس "بوش"، في يوم 11 أكتوبر 2001 أي بعد شهر واحد بالضبط من 11 سبتمبر، أخبروا رئيسهم أن مصدراً من وكالة "سي آي إيه" ذا اسم رمزي هو "دراغون فاير" قد أفاد بأن تنظيم القاعدة حصل على سلاح نووي قوته 10 كيلو طن وقام بتهريبه إلى داخل مدينة نيويورك.

ووجدت "سي آي إيه" أن التقرير معقول. فالسلاح النووي، وبحسب ما هو مفترض، قد تمت سرقته من روسيا التي لديها بالفعل أسلحة نووية بقوة 10 كيلو طن. وأفادت روسيا بأنها فقدت بعضاً من موادها النووية، وبذل تنظيم القاعدة جهوداً لصنع أو الحصول على سلاح كهذا. والتقطت وكالة "سي آي إيه" حديثاً دار في تنظيم القاعدة حول "هيروشيما أميركية".
وأرسل الرئيس "بوش" خبراء إلى نيويورك للبحث عن ذلك السلاح النووي، كما أرسل نائبه "ديك تشيني" ومسؤولين آخرين إلى خارج واشنطن بهدف ضمان استمرارية الحكومة في حال انفجر سلاح ما في واشنطن بدلاً من نيويورك. لكن البيت الأبيض، وبهدف تجنب إشاعة الذعر، لم يخبر أحداً في مدينة نيويورك بالأمر، ولا حتى عمدة المدينة "رودلف جولياني".

كان تقرير المصدر المسمى "دراغون فاير" خاطئاً، لكن التقارير المماثلة- التي كان مفادها أن تنظيم القاعدة وضع يده على سلاح نووي من الاتحاد السوفييتي السابق- طفت إلى السطح في الوسط الاستخباراتي على رغم أن تقريراً كهذا لم يتم تأكيده على الإطلاق. ونحن نعلم العديد من الأمور المثيرة للقلق: لقد أجرى تنظيم القاعدة مفاوضات لشراء يورانيوم بقيمة 1.5 مليون دولار أميركي (وهو على ما يبدو يورانيوم منشأه جنوب أفريقيا) وذلك من وزير سوداني متقاعد؛ وسافر مبعوثو تنظيم القاعدة على نحو متكرر إلى آسيا الوسطى لشراء مواد نووية مناسبة للاستخدام في صناعة الأسلحة؛ وتفاخر أيمن الظواهري النائب الأعلى لأسامة بن لادن قائلاً :"لقد أرسلنا أشخاصاً إلى موسكو وطشقند ودول أخرى في آسيا الوسطى وعقدوا مفاوضات هناك واشترينا قنابل (نووية) توضع في حقيبة".

ويقدم الأستاذ "اليسون" رهاناً مميزاً تتوزع فيه الاحتمالات بنسبة 51 إلى 49 بالمئة على أنه، وباستثناء خطوات جذرية معنية بمنع الانتشار النووي، فإن ضربة نووية إرهابية ستقع في مكان ما من العالم في السنوات العشر القادمة. وقبلت أنا هذا الرهان. فإذا لم يحدث هجوم نووي كذاك حتى شهر أغسطس من عام 2014، فإن الأستاذ "أليسون" سيكون مديناً لي بعشرة دولارات. وإذا حدث هجوم، فإنني سأكون مديناً له بمبلغ قدره 4 دولارات و90 سنتاً.

أنا قبلت الرهان لأنني لا أعتقد أن احتمال وقوع إرهاب نووي هو احتمال كبير إلى الدرجة التي يراها "أليسون". وإذا كنت أخمن على نحو جامح مفرط، فإنني سأقول إن احتمال وقوع الخطر هو بنسبة 20% على مدى عشر سنوات. وفي أية حال من الأحوال، إذا خسرت الرهان فإن من المرجّح عندئذ أن أكون قد تحولت إلى بخار ولن تكون هناك فائدة كبيرة للمال بعد ذلك.
ومن المؤسف أن الكثير من الأشخاص الأذكياء يعتقدون أنني اشتركت في رهان سيء. ويقول "ويليام بيري" وزير الدفاع الأميركي الأسبق إن هناك احتمالاً متساوياً ومكافئاً لوقوع ضربة نووية في هذا العقد الحالي، أي في السنوات الست القادمة. ويحذر "ويليام بيري" قائلاً "إننا نسرع نحو كارثة لم يسبق لها مثيل. وهذا أمر ليس من الممكن الحيلولة دون وقوعه، لكننا لا نفعل الأشياء التي من الممكن أن تمنع وقوعه".

وذلك ما أجده محيراً، أعني الإخفاق التام للعملية السياسية. فإدارة الرئيس "بوش" كان ردها فاعلاً سريعاً وحاسماً في الجبهات العسكرية بعد 11 سبتمبر، وعلّق الرئيس "جورج دبليو بوش" في شهر نوفمبر 2003 قائلاً: "إن التهديد الأعظم في عصرنا هذا هو تهديد تشكّله الأسلحة النووية أو الكيميائية أوالبيولوجية التي في أيدي الإرهابيين والطغاة الذين يقدمون العون إليهم". غير أن البيت الأبيض أصرّ على معالجة العناصر الأكثر قرباً إلى الهوامش في مسألة التهديد الذي تشكله أسلحة التدمير الشامل، ومن تلك العناصر العراق مثلاً، في حين تجاهل بشكل رئيسي وإلى حد كبير التهديد المركزي الأساسي وهو الانتشار النووي. والنتيجة والزبدة هي أن خطر وقوع انفجار نووي سيدمر مدينة أميركية هو خطر بات الآن ممكنا أكثر مما كان في أثناء الحرب الباردة، وهو آخذ في التعاظم.