حاوره في لندن معد فياض: في مكتبة منزل نائب رئيس الجمهورية العراقية الدكتور إبراهيم الجعفري تجد تنوعا نادرا لعناوين الكتب المزدحمه فوق الرفوف. كنت أطالع هذه العناوين ريثما ينتهي من مقابلة مع صحافي بريطاني، وكان المطر ينزل غزيرا خارج بيته اللندني الذي يشبه سائر بيوت الحي وبيوت العديد من العراقيين المقيمين في بريطانيا.
تنوع عناوين الكتب دلني على العقلية المنفتحة للجعفري، زعيم واحد من أقدم الأحزاب الدينية السياسية في العراق، حزب الدعوة، فإلى جانب الكتب الفقهية الشيعية والسنية هناك مؤلفات لكتاب يساريين بل وشيوعيين، وهناك كتب في علوم الاقتصاد وروايات ودواوين يقف على رأسها الأجزاء الكاملة لديوان الشاعر محمد مهدي الجواهري.
الجعفري فاجأ معظم العراقيين بعدما أصبح أول رئيس لمجلس الحكم الانتقالي.. فاجأهم خصوصا بمنطقه الانفتاحي وتواضعه. هذا التواضع دل عليه ايضا بيته في لندن حيث لم يكن هناك أفراد حماية ولا سيارة شرطة ولا حشد من المرافقين أمام البيت او داخله.
* مر نحو عام ونصف العام على تغيير نظام صدام والعراقيون لا يكادون يلمسون تغييرا حصل؟
ـ حجم الانجازات يقدر على ضوء عاملين أساسيين; الأول التركة الثقيلة التي اورثتها سلسلة الحكومات التي تعاقبت على حكم العراق، والثاني طبيعة التحديات التي تواجهها العملية السياسة الجديدة، ومن غير الصحيح ان نقيم حجم الانجازات بعيدا عن هذين العاملين الاساسيين. العراق ورث تركة ثقيلة تتمثل بعدد كبير من الضحايا والايتام وارامل الشهداء الذين يزيد عددهم عن المليون وآباء وأمهات ثكلى وقبور جماعية، هذه ستترك آثارها ربما لفترة غير قصيرة من الزمن. هناك ايضا الديون التي خلفها النظام السابق مع ان العراق بلد غني من حيث ثرواته وغني بعقول شعبه. الان وبسبب سياسات النظام السابق هناك انعدام للطبقة الوسطى، بينما توجد طبقة فقيرة واسعة جدا وهناك قروض لهذه الدولة او تلك. وهناك حالة القمع التي حاولت ان تنشر ظلها في مختلف المراكز والمنتديات الفكرية جعلت الثقافة الاحادية والحزب الواحد تغيب حالة التنوع التي كانت تسود الشعب العراقي. ويعاني العراق أيضا من آثار حروب خارجية وداخلية، وهناك تحديات تواجه العملية السياسية الجديدة، هناك محاولات اختراق خارجية وداخلية. الخروقات الخارجية تحاول ان تجعل الدم العراقي رخيصا والارض العراقية مستباحة.
* ماذا تعني بالخروقات الخارجية؟
ـ هناك أرقام على وجود متسللين يأتون من خارج العراق لتصفية الحسابات مع هذا الطرف او ذاك وإعاقة العملية السياسية، وهناك أشخاص من جنسيات متعددة يأتون ويعملون بأساليب وحشية وقاسية من تفخيخ وتفجير مناطق آهلة بالسكان وهذه حقيقة لا ينكرها أحد.
* وزيرا الدفاع والداخلية العراقيان سميا بوضوح ايران باعتبارها المسؤولة الاولى عن هذه الخروقات؟
ـ أنا أثبت مبدأ وجود عناصر خارجية وانا متأكد من ذلك تماما، هذا جانب، اما ان تكون ايران او دولة اخرى فاعتقد أن الاعلام ليس ميدان التحدث عنه اذا اردنا ان نبتعد عن التعاطي الاعلامي الى التعاطي القضائي والسياسي الواضح فيجب ان نفاتح كل دولة بما لدينا من ارقام عليها، وان نفرق بين حقيقتين; حقيقة دولة الاجتياز والدولة الأم، دول الجوار الجغرافي دول اجتياز لأي شخص يأتي الى العراق كأن ياتي شخص من شمال افريقيا. الدولة الام إذن هي شمال افريقيا وتبقى دول الجوار هي دول اجتياز ولا يعني انها اصبحت دولة ام. وحتى دولة الجوار قد تكون هي دولة أم وهذا لا يعني بالضرورة ان الدولة الام هي التي ارسلته ليمثلها فيما يحمل من نوايا التفجير. وهناك نوعان من المسؤولية، ان تكون هذه الدولة هي التي زجته فعلا وهنا نحتاج الى دليل وفي نفس الوقت هذا لا يعفيها من المسؤولية. نحن نشكر دول الجوار التي لا ترضى بالاذى الذي يطال العراق، ولكننا لا نعفيها من تحمل المسؤولية عن عدم ضبط حدودها وعن عدم التعاون مع الحكومة العراقية في هذه المسألة.
* الحدث الساخن عراقيا حاليا هو تمرد مقتدى الصدر او «جيش المهدي». من يدعم هؤلاء وماذا يريدون بالضبط؟
ـ دعني اتناول تيار مقتدى الصدر كونها ظاهرة طفحت منذ سقوط نظام صدام حسين كالكثير من التيارات والظواهر الاجتماعية التي لم يسمح لها بالظهور في مرحلة ما قبل السقوط وكان من الطبيعي ان تظهر على السطح مع سقوط القمع والهيمنة. تيار الصدر بدأ في المرحلة الاولى سياسيا لكنه للاسف لم يتم في العام الماضي استيعاب هذه الحالة فنحت منحى عنفيا و«جيش المهدي» لم يتشكل في البداية بل تشكل في مرحلة متأخرة، وعندما تعجز العملية السياسية تدفع بالآخر الى الضفة الاخرى، من الخطاب السياسي الى العنف وهذا يعكس حالة عجز سياسي ونحن نأمل في هذه المرحلة بعد استعادة السيادة، ان تحقق الحكومة الجديدة ما أخفقت في تحقيقه فيما مضى من الزمن وتستوعب ما لم تستوعبه وعجزت عن استيعابه في العام الماضي، ونأمل من العملية الديمقراطية والانتخابية المقبلة ان تستوعب هذه الاطياف، وأقول هذا بشأن تيار مقتدى الصدر والتيارات الاخرى من اطياف الشعب العراقي ممن لم يتم استيعابهم بعد من امثال التيار العربي السني الإسلامي الذي لم يتم استيعابه في مجلس الحكم. أما الاداء العنفي فانا لست معه وأرفضه ونحن ضحايا العنف الذي مارسه النظام المقبور، وأعتقد ان مناخ الحرية المتوفر يتسع لأي قوة سياسية لكي تتكلم بملء فمها امام الفضائيات او الكتابة في الصحف وهي متخمة بالنقد الصريح والقاسي احيانا على الحكومة العراقية. اذن لا معنى للسلاح ولا بد من ان يتحلى المسلحون بالنوايا الحسنة ازاء وجود القوات الاجنبية واستخدامهم للسلاح يعطي المبرر لبقاء هذه القوات، ومن يريد انهاء وجود القوات الاجنبية عليه ان يساهم باستتباب الامن ومن يخرق الامن يعطي الحق للشعب العراقي لان يتمسك بوجود القوات المتعددة الجنسيات.
* انت زعيم حزب شيعي معتدل، كيف ترى الحل لما يحدث اليوم في مدينة النجف؟
ـ أعتقد ان الحل هو ان يكون سياسيا والسياسي لن يعدم بان يلوذ بالحلول السياسية والحرب أسوأ خيار في العمل السياسي ولا يلوذ بالحرب الا السياسي الفاشل ولا يرفض الحل السياسي لحل المشاكل الا السياسي الاكثر فشلا، الحرب ليست حالة طبيعية في التعامل، حوار الطلقة ليس امرا طبيعيا والاصل في الحوار الكلمة «هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين». لنتحاور لنرى من هو على خطأ ومن هو على صواب. لا يمكن ان نكون بعد كل سنوات النفي والعمل السياسي والتضحيات حتى تخلصنا من صدام من غير ان نتجاوز الحالة الصدامية ولا يمكن ان نفكر بعقلية صدام حسين لحسم الحوار بيننا، ماذا يعني ان اعبر عن وجهة نظري بلغة الطلقة؟ وماذا يعني ان استبيح الدم؟ وأفجر والغم هذا المكان او ذاك؟ هذا يعني التفكير والعمل بعقلية صدام حسين. نحن في عراق جديد يحترم الاخر وهذه هي السمة البارزة الان في العراق الجديد ونحن نصر على ان لا مجال لحوار الطلقة في العراق وينبغي ان نتجاوز هذه الحالة وان نفتح كل الجسور ليمر منها الاخرون من خلال الحوارات وان يكونوا معارضة، وانا استعذب كلمة معارضة والمجتمعات المتحضرة فيها معارضة لكن صوت المعارضة واتجاه الحاكم يسيران في خطين متوازيين لبناء البلد. حتى في المجتمعات الاسلامية سابقا لم تقمع المعارضة، ولم تقمع المذاهب الاخرى والاديان الاخرى والقوميات الاخرى. اهلا وسهلا بمن يعارض وبمن يساهم بالحكم ولن توضع رقابة لقمع الاخر ومن يثق بشعبه وبنفسه يستمع لصوت الاخر. وما لم نفتح العملية السياسية سندفع الاخر الى الاتجاه نحو العنف.
* بالأمس كان الدكتور أحمد الجلبي زعيم المؤتمر الوطني رفيقكم في ساحة المعارضة ثم شريككم في مجلس الحكم واليوم هو مهدد بالاعتقال، لماذا؟
ـ بالنسبة للأخ الدكتور أحمد الجلبي وبقية المواطنين اقول انا لا اجد شيئا في الدولة التي اعمل على تأسيسها وبنائها ما هو فوق القانون، بل القانون فوق الكل والقضاء هو الذراع الاقوى. هذا في الدول والمجتمعات المتحضرة، فلا يعلو احد فوق القانون وليست هناك حصانة لاي مواطن فوق حصانة الدولة، هذا من حيث المبدأ. وأنا لا أعرف عن قضية الجلبي كيف وصلت الى هذا الحد وكيف بدأت السجالات الاعلامية، اذا كانت هناك تهم ودلائل وارقام فيمكن توجيه الاتهامات بطريق متحضرة ويستدعى للقضاء للدفاع عن نفسه ونحن مع ما يصل اليه القانون مع الوثائق الدامغة وعندئذ سنتحول الى متحدثين باسم القضاء وما يصل اليه القضاء سواء لصالح الجلبي او لا سمح الله ضده، نحن لا ندافع عن احد بعاطفة ولا ندين احدا بعاطفة. نتحدث بمنطق ونستخدم الاجهزة المختصة. ما اثير بحق الجلبي هو قضية قضائية محض وعلى القضاء ان يلتزم بتوجيه التهمة ويستمع له وعلينا ان نبتعد عن تسييس القضاء او شخصنته.
* هل سترشحون للانتخابات المقبلة؟
ـ بالنسبة لي مسألة الترشيح للانتخابات مقرونة بأمور استشفها من طبيعة الشعب العراقي ولي طرقي الخاصة في التحري عن مدى المصلحة من ترشيحي. ما يهمني هو ان تتم العملية الانتخابية وليس من الضروري ان ارشح او انتخب. أعتقد ان العملية الانتخابية عندما تتحقق على ارض الواقع تشكل فوزا وهو ان هناك عملية انتخابية قد حصلت وهذا بالنسبة لي فوز وليس المهم ان ارشح او لا او ان انتخب او اخسر واذا لم انتخب فلن يحبطني هذا. فوزي الحقيقي هو ان تتحقق الانتخابات وان يكون هناك نظام سياسي تعددي يقوم على آليات ديمقراطية.
* منذ تأسيس مجلس الحكم، وتوزيع المناصب والحقائب الوزارية ومن ثم السفراء يتم على اساس الحصص الطائفية والقومية والدينية والحزبية ويبدو هذا كقانون للدولة العراقية الجديدة؟
ـ من حيث المبدأ انا لا أؤمن بالمحاصصة على خلفيات قومية او دينية او مذهبية او سياسية. أنا أؤمن بان مدار الامور يجب ان يؤول الى الشعب العراقي الذي يجب ان يختار لانني على ثقة ان الكثير من ابناء طائفة ما قد يثقون بشخص يتصدى للقيادة وهو من طائفة أخرى، هذا هو العراق الجديد. انا عربي ولكنني لا أؤمن ان أي عربي مهما كان افضل من أي كردي مهما كان. هذا الحكم بالاطلاق غير صحيح. ولكننا نمر في مرحلة سقوط الديكتاتورية ونمضي الى تحقيق الديمقراطية، أي اننا نمر بمرحلة وسطية. لم نكن نتوهم في انه في يوم سقوط نظام صدام سيقف العراقيون في طوابير امام صناديق الاقتراع ليختاروا من يريدونه. من الطبيعي ان النظام عندما سقط كان لا بد من المرور بمرحلة وسط. ولا بد ان نأخذ بنظر الاعتبار ان سقوط نظام صدام لم يكن عراقيا صرفا وان كان في تقديري ان سقوط النظام كان عراقيا. انا لا انكر دور القوات الاميريكية ولكن الشعب العراقي هو الذي اسقط النظام اساسا. الحكومة البديلة تأسست في زمن الاحتلال. وكانت تتحرك في حيز شرعنة الاحتلال. الان اصبحت الشرعنة للسيادة. ضمن هذه المحطات اعتمدنا اسلوب التوافق وهو مرحلي وهو علاج استثنائي لمرحلة استثنائية ومن استحقاقاته اعتماد مبدأ المحاصصة التي تحدثنا عنها حتى تتهيأ الارضية المناسبة للانتخابات ليقول الشعب كلمته.
* هل تتوقع تأجيل الانتخابات لأي سبب من الاسباب؟
ـ أتمنى ان لا تتأجل واعتقد ان المصلحة الوطنية تقتضي ان تتم الانتخابات في موعدها المحدد كالتزام تعهدت به القوى السياسية المختلفة ثم انها ستنعكس على العملية الامنية وستتلوها خطوات اخرى للانتقال من المرحلة المؤقتة الى الدائمة وانا اتطلع لان تتم في موعدها المحدد كونها خطوة على طريق العمل الديمقراطي في العراق.
* كيف تصف جولة رئيس الوزراء الدكتور أياد علاوي والاتفاقيات التي ابرمها مع عدد من الدول العربية؟
ـ لم احضر اجتماعا لاستمع لتفاصيل ما انجزه الدكتور اياد علاوي بسبب تزامن سفرنا كلينا، ولكن بشكل عام اعتبرها خطوة ايجابية وجيدة، انا مع ابرام اتفاقيات مع دول الجوار الجغرافي سواء الدول العربية او الدول الاسلامية التي حولنا واتمنى ان تكون هذه الخطوة بادرة جيدة للتعامل مع جيراننا. ومشروع المملكة العربية السعودية الذي تقدم به وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل اعتبره من حيث المبدأ ايجابيا وجيدا بغض النظر عن الشروط التي وضعت وكيفية تفعيلها وبغض النظر عن انها لن تفرق بين دول الجوار الجغرافي والدول الاخرى كون ان إشراك دول الجوار الجغرافي في القوات المتعددة الجنسيات ليس متفقا عليه عراقيا لوجود حساسية معينة وانطلاقا من الحرص على ان تبقى علاقاتنا بالدول المجاورة نقية ولا تشوبها شائبة.