بغداد من سكوت بالدوف: بغض النظر عن انطباعات المرء عن السياسة التي ينتهجها مقتدى الصدر، فإنه في نهاية المطاف شخص يفهم سلطة الرموز. فعن طريق التشبث بالبقاء في النجف داخل ضريح الإمام علي بن ابي طالب الذي يحتل عند الشيعة الموقع الأول بعد الرسول محمد والتعهد بالقتال حتى آخر قطرة من دمه، يسعى الصدر الى أن يضع نفسه ضمن خط طويل من الشهداء الشيعة الذين يحظون بشعبية واسعة النطاق. وحينما كان يلقي خطبه في مسجد بالكوفة كان دائما يرتدي البياض، وهو اللون الذي يدفن المسلمون به موتاهم، كأنما هو يقول «أنا ذاهب الى الموت منذ الآن». والآن يبدو أن الصدر يضع نفسه في سيناريو يكون بفضله رابحا في كل الأحوال. فإن هو قُتِل أثناء المعركة داخل الضريح سيصبح شهيدا، وهذا ما يجلب آلافا من الشيعة إلى ما ينادي به، وإذا تراجعت القوات الأميركية والعراقية عن خوض الهجوم الأخير في النجف وترتبت على ذلك هدنة، فإن الكثيرين سينظرون الى الصدر باعتباره الشخص الذي وقف في وجه الأميركيين.
يقول الخبراء إنها استراتيجية لها تأثير عميق على الحوافز الثقافية للتقاليد الشيعية وقد تعطي ثمارها. يقول أماتزيا بارام أحد الأكاديميين المرموقين في حقل المذهب الشيعي والذي يعمل في معهد السلام بواشنطن «إنه سياسي داهية لأنه يعرف أن الأميركيين لن يدخلوا أبدا إلى الضريح المقدس في النجف. والأميركيون لن يقوموا أبدا بذلك. وقد تبعث الحكومة العراقية بوحدات تابعة لها لكن ذلك ليس قرارا سهلا. لذلك فإن الصدر يتظاهر بأنه سيكون شهيدا». وأضاف بارام ضاحكا «إن بإمكانه أن يكون شهيدا بدون توفر حظوظ كثيرة لموته».
ومع استمرار الوحدات الأميركية في هجومها داخل النجف، هناك مؤشرات على تزايد الغضب بين بعض الأوساط الشيعية. وإذا كان إياد علاوي رئيس الوزراء الجديد نفسه شيعيا، فهو علماني ولم يتم إدخال أي من رجال الدين الشيعة البارزين في الحكومة العراقية. بدلا من ذلك دعا علاوي أعضاء سابقين في حزب البعث لاحتلال مواقع أساسية، وهذا ما دفع عددا من الشيعة يعتقدون أنهم لن يتمكنوا أبدا من جعل صوتهم مسموعا الى الانضواء في حركات عنفية مثل «جيش المهدي».
في استطلاع نظمته سلطة التحالف المؤقتة في أبريل (نيسان) الماضي ظهر أن شعبية الصدر قد تزايدت نتيجة لوقوفه في وجه الأميركيين، إذ اتضح أن هناك 68% من العراقيين كانوا يساندونه بينما 10% مع الأميركيين كما ان 2% من المشاركين اعربوا عن رغبتهم في أن يروا الصدر مرشحا للرئاسة. وفي الكاظمية التي تعد واحدة من مناطق بغداد الشيعية المزدهرة وتضم ضريح الامامين الكاظمين عبّر العديد من الاشخاص عن موافقتهم على اعتبار الصدر يستحق الشهادة في حال مقتله. كما ان كثيرين يعتبرونه مدعيا لكنهم مع ذلك يرون أن الهجوم على ضريح الإمام علي سيسبب غضبا عارما ويؤجج مشاعر كل الشيعة.
يقول عبد الأمير المالكي المقيم في الكاظمية «إذا هاجم الأميركيون الضريح فإن كل العراقيين سيعلنون تأييدهم لجيش المهدي»، لكن آخرين قالوا إنهم يرحبون بمقتل الصدر. وقد أعلن مقاتلو الصدر ولليوم الثاني منعا للتجول في الكاظمية يبدأ من الساعة الواحدة بعد الظهر، ودعوا العراقيين لإفراغ الشوارع وإغلاق المحلات تهيؤا للمعركة مع الأميركيين. وفي الساعة الحادية عشرة والنصف صباحا جاء عدد من المقاتلين إلى السوق المحيط بضريح الكاظمين، وهم يحملون بنادقهم ويصرخون في أصحاب المحلات كي يغلقوها فورا.
واعتبر صاحب المحل محمد جاسم «جيش المهدي» بأنه إزعاج مدمر، وقال «كل كتبنا المقدسة لا تسمح بهذا الشكل من السلوك. وإذا تعرض ضريح الإمام علي للدمار فإننا سنلوم الصدر لا الأميركيين».
أما العامل سلام عبد فقد عبّر عن نفوره من مقاتلي «جيش المهدي» بتقطيب وجهه حينما راحوا يصرخون في الناس كي يعودوا إلى بيوتهم، وقال «إنهم مجرد صبيان وهم يستطيعون أن يفعلوا أي شيء. فهم لا يملكون عقولا داخل رؤوسهم». وإذ عبّر سلام عبد عن إجلاله الكبير لوالد الصدر وجده، فإن رأيه يبدو على النقيض تجاه مقتدى نفسه «كل عائلة الصدر قتلت لأسباب دينية اما مقتدى فسيقُتل في خضم فوضى».