إلى أين يأخذنا العلم بتطوراته المتلاحقة كل يوم بل كل ثانية؟ هل يمكن أن نستيقظ ذات يوم طال او بعُد لنجد كائنات غريبة تعيش معنا، سواء من كواكب اخرى او نماذج مستنسخة لنا؟ هل يمكن ان نفاجأ ذات يوم بأن الانسان الآلي او الروبوت الذي قمنا بشرائه لاداء الاعمال المنزلية يغازل الزوجة او بنت الجيران؟، هل يمكن ان تفاجأ بأن سيارتك التي وضعتها امام المنزل تتشاجر مع سيارة جارك او ربما تقوم بتقبيلها؟! هل يمكن ان نؤدي الاعمال في منازلنا، هل نتوقف عن تناول الاكل معتمدين على الهواء؟!
وهل.. وهل.. اسئلة لو طرحها اي شخص قبل عشر سنوات من الآن لتم اتهامه بالجنون، ولو طرحها اي شخص الآن فسيقوم الكثيرون ـ وليس الجميع ـ بالتشكيك فيها.
العلماء اكدوا ان المعارف الانسانية خاصة الاختراعات العلمية والتكنولوجية كانت تتضاعف كل مئة عام، وفي القرن الماضي قالوا انها تضاعفت مرتين، والآن يقولون انها تتضاعف كل عام.
ولا نعرف ماذا سيقولون غداً، الآن نحن نشهد اختراعاً كل ثانية.
مناسبة الاسئلة المطروحة في مقدمة هذه الزاوية هو ما طالعتنا به وسائل الاعلام يوم امس الخميس فقط، ففي يوم واحد هناك خبران، قد يكونان متباعدين تماماً لكن الصلة بينهما واضحة وأكيدة.
الخبر الاول هو حصول علماء بريطانيين من جامعة نيوكاسل شمال انجلترا للمرة الاولى على اذن رسمي باستنساخ أجنة كمصدر لخلايا المنشأ لعلاج الامراض، الاذن جاء بعد عام كامل من المداولات ومنحته هيئة التخصيب البشري وعلم الاجنة، وهي الهيئة المسئولة عن اخلاقيات علم الاحياء... الهدف المعلن للباحثين هو استنساخ اجنة في مراحلها الاولى لتطوير علاجات لامراض مثل السكري والزهايمر والشلل الرعاش، ولن يسمح لهذه الاجنة بالاستمرار بعد اليوم الرابع.
معروف لنا جميعا الجدل الذي شهده العالم بعد استنساخ النعجة دوللي عام 1997، ولم يتوقف هذا الجدل حتى بعد ان شاخت دوللي ومرضت ثم ماتت بـ «القتل الرحيم» العام الماضي. لكن ما حدث في بريطانيا يوم امس الاول هو تطور غير مسبوق، فإذا كانت لندن هي التي تبنت نظرية النسبية رسمياً لداروين،.
فقد لا يمر وقت طويل حتى نجد موافقة هيئة بريطانية رسمية او حتى غير رسمية على استنساخ كامل للبشر، وقتها قد لا يعدم هؤلاء الحجة، ولماذا نذهب بعيداً، فقد يتم ذلك بموجهات غير رسمية، على غرار التجربة المجهضة قبل حوالي العام على يد الجماعة الدينية التي اسسها صحفي فرنسي وسيدة اخرى تؤمن بتواصل الحياة بين الارض والفضاء وزعموا انهم استنسخوا طفلة ثم توقف الامر تماماً.
الخبر الثاني اكثر طرافة وهو ان شركة تويوتا اليابانية للسيارات تخطط لتصنيع سيارة تعبر عن المشاعر وتحاكي تعبيرات الوجه الانساني، والامر ليس مزحة، فقد فازت مجموعة من المبتكرين ببراءة اختراع اميركية يأملون ان تحسن قدرة السائقين على التواصل فيما بينهم.. هذه السيارة اذا كتب لها النجاح يمكنها ان تحملق بغضب في سيارة اخرى تحاول تجاوزها، او تبتسم لاخرى سمحت لها بالانعطاف..
كل هذه المشاعر سيتم التعبير عنها من خلال البوق او النفير والاضواء، وعبر تصميمات زخرفية تماثل شكل حاجبي الوجه والجفون بل والدموع وبالالوان الطبيعية، يضيف اصحاب الفكرة المبتكرة ان السيارات التي تقف امام منازل اصحابها او داخل «الجراج» ستكون عيونها مغلقة وزجاجها قاتماً، اما حينما تعمل خلال ساعات العمل فإن هوائي الاستشعار بها سيكون مرتفعاً ويتولى مهمة التعبيرات.
وفي حالة الغضب ستومض الاضواء باللون الاحمر، يمكن للسيارة ايضاً ان تبكي باستخدام اضواء تبدو على شكل دموع متساقطة اسفل الاضواء الامامية، وفي حالة السعادة سيهتز هوائي الاستشعار يميناً ويساراً وتتغير الاضواء إلى اللون البرتقالي المبهج، يختتم الباحثون بالقول ان هذه الفكرة يمكن تطبيقها في الطائرات والسفن ايضاً.
إذا عدنا للخبر الأول الخاص بالاستنساخ، وبعيداً عن جانبه العلمي الخاص بالتوصل لعلاجات لأمراض مختلفة، فان جوانبه واثاره الأخلاقية خطيرة، ولن نزيد فيها هنا لأنها قتلت بحثاً، فاذا تمكن العلماء الاخيار من التوصل لما يخدم البشرية، فان آخرين أشراراً يمكنهم استنساخ شارون وموفاز وكل طاغية أو فاسد أو فاسدة على وجه الأرض.
آثار الخبر الثاني المتعلقة بالسيارة ذات المشاعر قد تكون أكثر بهجة من اثار الخبر الأول، لكن ولأن «المنحوس منحوس ولو علقوا في ذيله فانوس» كما يقولون، فقد لا نتمكن نحن العرب من التمتع بمزايا هذه السيارة!
اليابانيون أصحاب فكرة الاختراع معروف عنهم الأدب الجم في التعامل، صوتهم هاديء، مشغولون بعملهم، لا يتشاجرون كثيراً، وقد ينطبق ذلك على بلدان أوروبية كثيرة، يستطيع سكانها وأصحاب سياراتها الاستمتاع بالاختراع الجديد نظراً لوجود قواعد مرورية وسلوكية صارمة، لكن السؤال ماذا لو وصلت هذه السيارة الجديدة إلى الشوارع العربية.
عندما قرأت هذا الخبر تخيلت السائقين في ميدان رمسيس بالقاهرة أو شارع فيصل بالجيزة أو اشارة «الملا بلازا» في وقت الذروة بين دبي والشارقة أو أي شوارع وطرق مماثلة في بلداننا العربية.
وللأمانة وحتى لا نظلم أنفسنا كثيراً واننا متخلفون كعرب في عالم البحث العلمي والاختراعات الحديثة، فقد تذكرت ان سائقي السيارات المصريين على سبيل المثال سبقوا اليابانيين والأميركيين بوقت طويل في هذا الاختراع الحديث، الفارق فقط أنهم لم يخترعوا عيوناً للسيارة، كل ما فعلوه أنهم اخترعوا لغة خاصة عبر البوق أو ما يسمونه «الكلاكس» فيما بينهم، فالبوق الواحد المستقيم يعني تحية قائد السيارة المتعاون، والأضواء السريعة المتقطعة «الفلاشات» إذا تم استخدامها بشكل معين تعني «سباً بذيئاً»..
أحد الأصدقاء جاءني ذات يوم قبل ثلاثة أعوام وهو حزين جداً، فبعد ان تعلم القيادة بعام واحد اكتشف أنه كان يتعرض للسب كل لحظة خلال قيادته عبر استخدام «الكلاكس والفلاش»، ولم يجد حلاً سوى أنه قرر رد الشتائم القديمة كلها لكل من يتعرض له في الطريق بعد الآن.

اذن نحن العرب لسنا في حاجة ملحة للاختراع الياباني الحديث، ولنتصور ان سيارة كشرت في وجه سيارة أخرى أو حملقت فيها بطريقة غير مهذبة، خاصة إذا كانت قائدتها سيدة، إذا حدث ذلك في اليابان أو السويد فأغلب الظن أن الأمر سيمر سريعاً وبدون خسائر.. في الشوارع العربية، سينزل قائد السيارة من سيارته بعد اعتراض «السيارة الفتوة» ويمسك قائدها من رقبته، وقد يطلق عليه الرصاص.
نعود إلى الاختراعات واثارها التي قد تغير حياتنا وتقلبها رأساً على عقب.
قبل فترة سمعنا عن الثلاجة التي تعبيء نفسها بنفسها من السوبر ماركت عبر الانترنت، وسمعنا عن الإنسان الآلي الذي يؤدي معظم وظائف الشغالة ومديرة المنزل، وسمعنا عن الأجهزة الذكية التي تفعل كل شيء، وعن الطلقات والأسلحة الذكية التي تبحث عن أهدافها في أي مكان لتقتلها.
قبل سنوات أيضاً شاهدنا فيلماً أميركياً تخيلناه عبارة عن «هجص وضحك على الذقون».. البطل فيه إنسان آلي، قامت احدى الكاتبات باحضاره إلى المنزل الريفي المنعزل، لتتفرغ لكتابة رواية جديدة.. الإنسان الآلي كان يتمتع بامكانية تعديل برنامجه بحيث يتمتع بكل الأحاسيس البشرية، وفي النهاية أحب الكاتبة، ثم حاول قتلها لأنها لا تبادله نفس الشعور.
المقلق في الأمر ان بعضاً من «الهجس» الذي شاهدناه عبر أفلام هوليوود الأميركية بدأ يتحول إلى واقع، ولا أحد يعلم سوى الله إلى أين تأخذنا هذه الاختراعات.
وإذا كان التخلف العلمي نقمة.. إلا أن له نعمة بسيطة لأصحابه.. فنحن ليس لنا في الأمر شيء.. نسمع ونقرأ ونتعجب ونندهش.. وننتظر حتى نستورد هذا الاختراع الحديث.. وقتها سيكون لكل حادث حديث ولا حول ولا قوة إلا بالله!