من حسن ذوق بوش وفريقه أنهم اتخذوا لأنفسهم أسماء لا نختلف عليها نحن العرب، وهكذا فإن الذين أذمهم من بيتي بالقاهرة أجدهم أنفسهم هنا، بينما تأخذني الرغبة أحيانا لتأصيل المذمة فأتطرق إلي سيرة الراحل الخطر ريجان الذي أجده هنا ريغان فأشعر بتحويل غضبي إلي شخص آخر لم أقصده!
لا يحدث هذا لمساهمتي في القدس العربي فقط، بل لكل مساهمات المصريين في الصحف العربية غير المصرية، حيث تتعرض الجيم غير المفخمة إلي عملية تشويم لتصبح غينا. وفي المقابل يكون علي الصحافي المصري تمصير المساهمات العربية برد غينها جيما!
بالطبع، عملية التغيير لا يحكمها الثأر أو التعصب لخيار دون غيره، لكن الصحافة محكومة بما تصالحت عليه مع قارئها. وإذا كنا نعاني من مشكلات جمة في حقل الترجمة العربية، فليس أقل من توحيد طريقتنا في نطق وكتابة الأسماء غير العربية، حيث يطال اللبس كل الأسماء التي تتضمن صوت ما يسمي بـ (الجيم المصرية) غير المعطشة التي لا يعترف بها بقية العرب فيكتبها المغاربة أحيانا كافا منقوطة وترحّلها الترجمة الشامية إلي حرف الغين.
لست متخصصا في الترجمة، ولست منحازا لخيار بعينه، وأستطيع أن أتجاوز عن متاعب التشويم والتمصير التي يتكبدها الصحافيون علي الجانبين، فهم يستحقون التعب علي أية حال! لكن بصفتي قارئ يدين بجل متعته إلي المترجمين، رسل العناية الثقافية، لدي طموح جد متواضع؛ وشخصي جدا؛ يتعلق بالانسجام في مكتبتي الخاصة!
وهذا سبب كاف لعقد مؤتمر ـ ولم لا إذا كان كثير من المؤتمرات يعقد عندنا دون سبب أصلا ـ فمن غير المعقول أن تتجاور علي رف واحد عدة كتب لمؤلف واحد يتنكر في اسم مختلف علي كل غلاف، فيصبح ذلك الكولومبي الفاتن مرة جابريل جارثيا ماركيز، ومرة غابرييل غارثيا ماركيز وثالثة ماركث، ولا يصح أن يكون الألماني هانريش مرة بول ومرة بُل، ولا يصح أن نحار بين سرفانتيس وثربانتيس وأن يتوه فارسه الضليل بين دون كيخوت وكيشوت وكيشوط.
وما يقال عن أسماء المؤلفين ينسحب بالطبع علي أسماء أبطالهم، ومثله يقال علي المصطلحات الفكرية والعلمية، إلي الحد الذي يستحيل معه التواصل بين أبناء الثقافة الواحدة.
والأمر يتطلب جهودا حقيقية في ورش عمل بعيدا عن الطبيعة الاحتفالية للمهرجانات والمؤتمرات الكبيرة. وإذا ما انتهي لقاء من هذا النوع بإقرار قاعدة يتفق عليها الجميع سيكون قد حقق ما لم تحققه المؤتمرات الكبيرة ذوات العناوين الفضفاضة التي يلهث المؤتمرون فيها لعدة أيام تنتهي بتوصيات ينتهي بها كل مؤتمر، وتدعو إلي مزيد من التشاور والبحث في مؤتمرات قادمة تحصل هي الأخري بدورها علي عناوين مجانية تعفيها عن الغوص في التفاصيل.
العديد من مؤتمرات الترجمة أقيمت في السنوات الأخيرة في مصر ولبنان والمغرب وغيرها من البلدان العربية، مما يعني الانتباه لأهمية الترجمة، لكن المشكلة أن كل تلك المؤتمرات كان ينفي أو يتجاهل أو يجهل وجود مؤتمرات أخري فيحمل إلي جانب طموحه الكبير صفة الأول وهو ما أبقاها عديمة النفع حتي الآن. إلي جانب هذا الانقطاع الذي يحرمنا من تكامل الجهود فإن المؤتمرات التي تقيمها الحكومات غير مبرأة في العادة من الأهداف والطموحات السياسية التي تبتلع ما عداها من أهداف.
وإذا كان المجهود الرئيسي للترجمة إلي العربية ينجز حتي الآن بفضل الولع الخاص والمبادرات الفردية للمترجمين أنفسهم، فليس غيرهم من يمكن أن يحل مشكلات الترجمة العملية وهي كثيرة، وربما كان الاختلاف علي الأسماء والمصطلحات أهونها وأكثرها إلحاحا في الوقت ذاته.
وقد أوشكنا علي التفاؤل مع ميلاد المؤسسة العربية للترجمة وهي كما جاء في إعلان تأسيسها عام 1999 مؤسسة مستقلة غير ربحية، دون أن نسمع عنها جديدا بعد ذلك، فهل تعسرت جهودها بسبب انعدام التمويل؟
وهل سيبقي الكاتب الواحد في مكتبتي مشتتا بين عديد من الأسماء؟