عبير الضمراني: هناك ظاهرة لاحت في السنوات الأخيرة وهي زيادة مطردة في نسبة عدد الأطفال الذين يصابون بأمراض الكلي المختلفة التي أدت بدورها إلي ازدياد حالات الفشل الكلوي في الأطفال الذين تضطرهم الظروف المرضية إلي احتياجهم لعمليات الغسيل الكلوي‏,‏ وقد يصل الأمر إلي زراعة الكلي لذوي القلوب الرقيقة‏.‏
وإذا كانت نسبة الفشل الكلوي في الكبار تضاعف نسبتها في الأطفال‏20‏ مرة‏,‏ فإن احتمالات الفشل الكلوي في الأطفال تتزايد مع تزايد السن‏,‏ ونسبة المرضي منهم لا يمكن إغفالها‏.‏ فعلي سبيل المثال قد بلغ عدد الأطفال الذين يتوجهون إلي أحد مراكز الغسيل الكلوي‏85‏ طفلا لإجراء عملية الغسل لهم بمعدل ثلاث مرات أسبوعيا‏,‏ علما بأن أعمارهم تتراوح ما بين‏4‏ و‏14‏ سنة‏,‏ وأوضحت الدراسة أن الأطفال الذكور أكثر عرضة للفشل الكلوي من الإناث بسبب العيوب الخلقية‏.‏

‏*‏ في البداية يقول د‏.‏ رمزي البارودي مدير مستشفي الأطفال الجامعي الجديد ورئيس الجمعية المصرية لطب وزراعة الكلي في الأطفال‏:‏ إن إصابات وأمراض الكلي يمكن إرجاعها إلي عدة أسباب‏,‏ أولها العيوب الخلقية مثل ضمور الكلي وتكيسها‏,‏ أي تحولها إلي مجموعة من الحويصلات التي لا تؤدي أي وظيفة‏,‏ وكذلك انسداد مجري البول في مكان أو آخر‏,‏ مما يؤدي إلي حدوث ضغط معاكس علي الكلي‏,‏ وبالتالي تحولها إلي كيس من البول أو الصديد مع فقدان الكلي وظائفها تدريجيا‏,‏ أيضا التهابات الكلي التي قد تعقب الكثير من الإصابات بالميكروبات المختلفة وعلي وجه الخصوص الميكروب السبحي المسبب لالتهابات الجلد والحلق واللوزتين الذي إذا لم يعالج بالحسم الكافي فقد تعقب الإصابة به إلي جانب التهاب الكلي حدوث الحمي الروماتيزمية أيضا‏,‏ لذا فإن علاج التهابات الحلق واللوزتين والتهابات الجلد التي يسببها هذا الميكروب يجب أن تتم بأحد أنواع المضادات الحيوية لفترة لا تقل عن عشرة أيام حتي يتم القضاء عليه تماما ودرءا لخطر حدوث هذه المضاعفات الخطيرة‏,‏ فضلا عن أن حصوات الكلي والجهاز البولي بأسبابها المتعددة مثل الالتهابات المزمنة والانسدادات التي تحدث نتيجة بعض الاضطرابات في عمليات حيوية معينة أو نتيجة للتعود علي عدم شرب القدر الكافي من السوائل خصوصا في البلاد الحارة‏.‏

ومن أهم الأسباب التي يشير إليها د‏.‏ رمزي البارودي ارتفاع ضغط الدم في الطفل وإصابة الكلي بالضرر البالغ ونتيجة لهذا الارتفاع يؤدي بدوره إلي ارتفاع أكبر في ضغط الدم وندور في حلقة مفرغة تؤدي في النهاية إلي الفشل الكلوي‏,‏ ومما يساعد علي تفاقم الموقف التناول المفرط للمقرمشات‏(‏ الشيبسي والبوزو‏..‏ إلخ‏)‏ ذات المحتوي العالي جدا من ملح الطعام بالإضافة إلي حدوث التهابات في المجاري البولية بالعديد من الميكروبات التي تجد طريقها عن طريق الدم أو صاعدة من الخارج بسبب عدم النظافة الكافية خاصة في الإناث وتتم الإصابة بالميكروب القولوني‏,‏ لذا يجب استخدام المياه موجهة من الأمام للخلف لتجنب حدوث تلك الالتهابات‏.‏
ويؤكد د‏.‏ رمزي البارودي أن الفشل الكلوي في الأطفال والكبار أصبح أحد أمراض العصر‏,‏ وللأسف فأعداد المصابين به في ازدياد مستمر وأصبحت وسائل العلاج ببدائل الكلي سواء بالغسل البريتوني أو الدموي أو عمليات زرع الكلي هي الملاذ الوحيد لهؤلاء المرضي‏,‏ والحق يقال أن الدولة لا تبخل علي هؤلاء المصابين بالدعم اللازم علي نفقتها في مواجهة هذه المحنة‏,‏ ومن تداعيات الاهتمام المتزايد بهؤلاء المرضي وازدياد معدلات الإعاشة لهم لسنوات أكثر بدأت مجموعة من المشكلات في الظهور تتمثل في كيفية التعامل مع هذه الإعاقة المزمنة لطفل الفشل الكلوي نفسيا واجتماعيا وماديا علي مستوي الطفل نفسه والأسرة التي ينتمي إليها والمجتمع الذي يعيش فيه‏.‏

‏*‏ د‏.‏ فريدة أحمد فريد أستاذة ورئيسة وحدة أمراض كلي الأطفال بجامعة عين شمس تقول‏:‏ في الماضي كان لا يمكن تشخيص أمراض الكلي بالضبط‏,‏ فالطفل كان يمرض ويموت دون معرفة السبب‏,‏ لكن منذ عام‏1980..‏ حيث كنت أول من قدم دكتوراه في مصر عن أمراض الكلي في الأطفال‏,‏ تم توضيح كيفية تشخيص وعلاج الطفل المريض بالكلي‏,‏ وبعد عشر سنوات من العلاج بدأت علامات الفشل الكلوي في الظهور علي بعض الأطفال فتم إنشاء وحدة غسل الكلي وكانت تحتوي علي ماكينتين فقط‏,‏ وكان الظن أننا لن نجد أطفالا لاستخدامهما‏,‏ لكننا فوجئنا بالأعداد الكبيرة التي تصل إلي‏85‏ طفلا يقومون بالغسل الكلوي بمعدل‏3‏ مرات في الأسبوع ليصل عدد الماكينات أيضا إلي‏30‏ ماكينة‏.‏
ومن أهم أسباب الفشل الكلوي عند الأطفال الجفاف والنزلات المعوية الشديدة في أشهر الصيف والالتهابات المناعية في الكلي‏,‏ وبالنسبة لاحتمالات الشفاء التام يعتمد علي سبب الفشل‏,‏ فإذا كان بسبب الجفاف فاحتمال الشفاء‏100%,‏ في حين أن النسبة لا تتعدي‏50%‏ في حالة التهاب الكلي‏.‏

أما عن عملية زراعة الكلي للأطفال فلا يمكن القيام بها إلا للطفل الذي لا يقل وزنه عن‏10‏ إلي‏15‏ كيلوجراما علي أن يكون المتبرع من أقارب الدرجة الأولي أو الثانية للطفل‏,‏ علي أن تكون تحاليله متطابقة معه‏,‏ وفي بعض الدول يحصلون علي الكلي من المتوفين لكن في مصر لا يمكن ذلك‏,‏ وإذا كان المتبرع ليس من الأقارب فالحالة هنا تكون تجارية وتدخل في نطاق المساومات والطبيب ليس له أي دخل في هذا‏,‏ ولا نشجع علي قبول التبرع من الغرباء إلا في حالات أمراض الكلي الوراثية‏..‏ والعقبة الوحيدة التي تقف أمام عملية زرع الكلي هي الدعم المادي لأن التحاليل المطلوبة للطفل المريض يتم عملها مرة واحدة لكن قد تصل إلي ثلاث مرات لثلاثة متبرعين للوصول إلي المتبرع المطابق‏,‏ مما يتطلب تكاليف تتراوح مابين‏1000‏ و‏1500‏ جنيه‏,‏ كذلك يكون الطفل في حاجة إلي دعم مادي للأدوية المثبطة للمناعة التي يكون في حاجة لها بعد زراعة الكلي ومدي الحياة لكي يحيا حياة طبيعية ويرتاح من عمليات الغسل ونقل الدم‏,‏ ونري أن عملية زراعة الكلي أفضل بكثير من الاستمرار في الغسل خاصة أن الطفل أمامه سنوات كثيرة وعمر طويل‏.‏

‏*‏ د‏.‏ يحيي الجمل أستاذ طب الأطفال بجامعة عين شمس ورئيس الجمعية المصرية لحساسية ومناعة الأطفال يقول‏:‏ لقد زادت نسبة أمراض الكلي وارتفعت في السنوات الأخيرة نتيجة تعرض أطفالنا لعناصر التلوث البيئي المتعددة المتمثلة في نتائج التقدم الصناعي وما يبث في الجو من مكونات سامة مثل عنصر الرصاص والكادميام‏(‏ صناعة البطاريات والبويات وورق الجرائد وملونات الأغذية‏)‏ والتلوث بالأتربة وعوادم السيارات ومخلفات ورش السمكرة والميكانيكا والمسابك‏,‏ مما أدي إلي تراكم الملوثات في جسم الطفل وما ينتج عن هذا من حصول ضعف تدريجي في وظائف الكلي في قدرتها علي الأداء السليم وينتهي إلي حدوث فشل كلوي للطفل في سن مبكرة‏.‏ كما أن التهابات الكلي الحادة التي تتبع إصابات اللوزتين من الميكروب السبحي التي لا يحسن علاجها بالمضادات الحيوية المناسبة للمدة الكافية تعتبر من أهم المسببات التي تؤدي إلي التهابات الكلي المزمنة لأن حساسية هذا الميكروب السبحي الذي يوجد في اللوزتين تؤثر علي أنسجة الكلي تأثيرا مناعيا يؤدي إلي حدوث التهاب مزمن في الكليتين ينتهي إلي فشل كلوي خلال عدة سنوات‏.‏
ويمكن ملاحظة ذلك في السنوات الأولي من عمر الطفل‏,‏ بعد الالتهاب المتكرر في اللوزتين حيث تلاحظ الأم تغيرا في كمية البول حيث تقل عن المعتاد وتجد هناك تغيرا في لونه إلي اللون الأحمر نتيجة وجود كرات الدم الحمراء مع أعراض ارتفاع ضغط الدم‏,‏ لذا فإن الطفل الذي تتكرر لديه التهابات اللوزتين لابد أن تكون هناك متابعة طبية جيدة له‏.‏

أما عن طرق العلاج فيشير د‏.‏ يحيي الجمل إلي أن حالات الكلي المزمنة لها علاجها‏,‏ وذلك من خلال تنظيم غذاء الطفل بحيث يتم الحد من كميات البروتينات التي يتناولها وحمايته من التعرض لمزيد من التلوث البيئي والدوائي والغذائي والحرص علي عدم استعمال الأدوية التي تؤثر علي وظائف الكليتين‏.‏