ثمة خطأ، إخراجي، في ما نراه: فاما ان الرجل لم يكن ليجيد تثبيت العمامة على راسه، فكان عليه ان(يتدرب) على ارتدائها قبل ان يدخل الحلبة التي تتخاشن فيها القذائف والايدي، وتتطاير خلالها الاشلاء واللعنات..واما ان التي يقف إزاءها الرجل المعمم لم تكن قاذفة صواريخ تطلق حمما على غير هدى، بل انها اشبه ما تكون بعجلة حياكة.
كاميرا المراسل الاجنبي، على اية حال، اتقنت التقاط المفارقة السوداء، عن قصد أو بدونه، ونشرتها تحت تعليق(معمم وراء قاذفة صواريخ في النجف) من غير كلام كثير، ومن دون استغراب يذكر، ذلك لان المواطن الغربي تعود، كما هو معروف، على معاينة معممي افغانستان، من قلب الدين حكمتيار حتى عبدالرشيد دوستم، وهم يتراشقون على واجهات الصحافة والشاشات الملونة بالصواريخ والشتائم، كما كان يشاهد المعممين الايرانيين يقاتلون جيش صدام على الحدود مع العراق، ويرى في ذلك نوعا من فولكلور الشعوب الاسيوية، وقد يتساءل احيانا: ألا تعيق هذه الاردية رجلا ينط من فوق الانهر ومن بين الشعاب والسنة اللهب؟
على ان هذا المراسل لم يكن ليدري انه سجل سبقا صحفيا في حالة العراق الذي لم يعرف في تاريخه نزول علماء الاسلام وطلاب المدارس الدينية، حتى في ثورة العشرين، الى الشوارع وهم يحملون الاسلحة وقاذفات الصواريخ..فقد كرس هذا المحفل الديني في العراق صورة المعمم الذي يعكف على تعبئة الناس بالكلمة، واصلاحهم بالدعوة وبتقديم المثال، واستباقهم بحثا في شؤون الاخرة وشجون الحياة، واستغراقا في العلم والفضيلة والتسامح وتحريم قتل النفس التي حرم الله قتلها إلا بالحق.
قد تنفع هذه اللقطة التي بدا فيها ذلك المعمم(غير المحترف) وراء قاذفة الصواريخ اولئك الذين يقولون بان محترفي الاجرام ممن اطلقهم صدام حسين من سجن ابوغريب شقوا الصفوف الى قلب جماعة دينية تعارض الحكومة المؤقتة وترفع السلاح ضدها لاسقاطها بالقوة، وهم لا يعنيهم اية حكومة تذهب واية حكومة تجئ قدر ما يهمهم اشعال نار الفتنة وتغذيتها بالزيت للاطاحة بآخر مركز للشرطة أو آخر بناية حكومية أوعائق امام الفرهود ونهب الاموال والمخازن والبنوك والمصانع، ويذهب البعض الى القول بان كبار المجرمين واللصوص الذين لم يتورعوا عن ارتداء العمامة، حتى من دون اتقان موجب، هم الذين يعرقلون تسوية الخلافات بين الحكومة ومعارضيها في النجف، إذ يضرمون النار على حدود التماس كلما استرخت المواقف وهدأت الدوامات، وظهر ضوء في نفق الازمة..وانهم سيبقون كذلك حتى يكتشف الجميع موقعهم على خارطة الاحداث الدامية، تما كما اكتشف أحدهم دور الشرير في البينة التي رواها الباحث في الكنايات العراقية عبود الشالجي، بالقول:
"حصلت فتنة بين حيين من احياء العرب، واجتمع رؤساؤهم، وتذاكروا في امر اطفاء الفتنة، فكانوا كلما قاربوا إصلاح ذات البين عمد أحد الحاضرين، وكان قميئا، الى اشعالها من جديد، وكان احد الرؤساء قد تأخر عن حضور الاجتماع، فلما حضر سألهم عما انتهوا اليه، فقال له احدهم: كلما تهدي يثورها الاعيور".

[email protected]