في الوقت الذي تتركز فيه جهود الدبلوماسية الاميركية الشعبية في العالم العربي على مغامرات مثل قناة الحرة وإذاعة سوا ، توضح دراسة جديدة أن الإعلام في أي شكل من الأشكال لا يلعب سوى دور محدود في صياغة المواقف العربية تجاه الولايات المتحدة.
في الأسبوع الماضي أشرت إلى دراسة مؤسسة زغبي انترناشيونال انطباعات عن أميركا لعام 2004 والتي بينت استمرار المواقف العربية السلبية تجاه السياسة الخارجية الاميركية في قيادة الرأي العام العربي عن الشعب الأميركي والقيم والمنتجات الاميركية ، والمواقف العامة تجاه الولايات المتحدة.
على ان هذه الدراسة التي شملت استطلاع رأي 3300 عربي من ست دول المغرب ومصر والسعودية والامارات والاردن ولبنان كان لها هدف اخر كذلك. فأثناء مسح الرأي العام لقياس نظرة العرب لأميركا ، سعينا أيضا لتحديد كيف يتعرف العرب على اميركا وما هي مصادر المعلومات التي اثرت في المواقف الاجمالية.
ولقد وجدنا ان واحدا من كل خمسة من العرب اما زار الولايات المتحدة او عرف اميركا. بالتالي اعتمدت غالبية العرب الذين لم يمروا بتجربة مباشرة يستقون منها على المعرفة المتلقاة او مصادر معلومات غير مباشرة لتشكيل ارائهم. بالمصادفة ، فإن هذه النسبة هي نفسها بالنسبة للاميركيين الذين تعتمد معرفتهم بالعالم العربي ايضا على معلومات متلقاة او غير مباشرة بدرجة كبيرة.
وتبين لنا ان ثلث من جرى استطلاع رأيهم كان المصدر الرئيسي للمعلومات عن الولايات المتحدة هو ما رأوه أو سمعوه من التعليقات العربية على الولايات المتحدة في الاعلام العربي. وثمة مجموعة اكبر قليلا تمتلك كتبا عن الولايات المتحدة وشاهدت افلاما اميركية او برامج تليفزيونية اميركية.
وعلى الرغم من ان اغلبية معتبرة من العرب تحب الاميركيين الذين التقوا بهم ويريدون مقابلة اميركيين اكثر الا ان هناك اغلبية صادفت تجارب سلبية او مختلطة خلال زيارتها للولايات المتحدة.
من الاهمية بمكان الاشارة الى ان العرب الذين زاروا الولاياة المتحدة او تعرفوا على اميركيين يحتفظون بصورة ايجابية عن اميركا والقيم الاميركية والشعب والمنتجات اكثر قليلا من العرب الذين لم يمروا بتجربة مباشرة. ومع ذلك وفيما يتعلق بالمواقف تجاه السياسة الاميركية فلا يوجد اختلاف ذو بال بين اراء العرب الذين زاروا الولايات المتحدة والذين لم يزوروها. فكلا الطرفين يؤيدون السياسة الاميركية في العراق والصراع الاسرائيلي الفلسطيني بنسبة احادية منخفضة.
الشيء نفسه ينطبق على العرب الذين يقولون انهم تعرفوا على اميركا من خلال مشاهدة برامج التليفزيون الاميركي. فمواقفهم تجاه القيم والشعب والمنتجات الاميركية اعلى قليلا ولكن المواقف تجاه الولايات المتحدة والسياسة الاميركية لم تتأثر.
على الجانب الاخر ، يحتفظ العرب الذين يستقون معلوماتهم الاساسية عن الولايات المتحدة مباشرة من الاعلام العربي يحتفظون بمواقف غير ايجابية اكبر تجاه الولايات المتحدة وشعبها وقيمها ومنتجاتها.
من هنا يتبين انه برغم مصدر المعرفة سواء كان مباشرا او غير مباشر فإن العرب بوجه عام ينظرون نظرة سلبية كاسحة للسياسة الاميركية في العالم العربي وهو ما يوجد مواقف سلبية عميقة تجاه الولايات المتحدة نفسها.
واذا كان كل هذا يبدو واضحا لدى البعض فإن هناك بعض الدروس المهمة التي ينبغي تعلمها من تلك النتائج. فبعض كبار مؤيدي توسيع جهود الدبلوماسية الشعبية الاميركية في الشرق الاوسط اسسوا فكرهم على افتراضات زائفة مشتقة من نموذج عفا عليه الزمن ، وهي افتراضات لا تدعمها معلومات قائمة على التجربة. وبالتعاطي مع العالم العربي كما لو كان هو الكتلة السوفيتية خلف نسخة معاصرة من السور الحديدي ، تم ارتكاب اخطاء خطيرة وتضييع موارد كثيرة.
لقد اتسمت العلاقات الاميركية مع العالم العربي تاريخيا بالدفء لا سيما مع الدول التي غطاها الاستطلاع. فلا سورا حديديا فصل العرب عن اميركا او الاميركيين. وقام عشرات الملايين من العرب بزيارة الولايات المتحدة او الدراسة او الاستثمار فيها. وعلى العكس من النظام السوفيتي فإن العالم العربي كان منفتحا على المنتجات الثقافية الاميركية ، ومعظم الشبكات العربية تذيع برامج تليفزيونية اميركية ؛ بل إن العديد من القنوات الفضائية العربية تجلب شبكات تليفزيونية اميركية مباشرة الى المشاهد العربي.
ان الافتراضات التي صاغت الفكر الاميركي ابان الحقبة السوفيتية لا تنطبق على العالم العربي اليوم. ولا يمكن القاء اللائمة للتراجع الحاد في الرأي العام العربي تجاه الولايات المتحدة فقط على نقص في المعلومات او على الاعلام العربي. فالعرب الذين زاروا الولايات المتحدة او يعرفون الاميركيين او عرفوا شيئا عن الولايات المتحدة من خلال مشاهدة التليفزيون الاميركي يتملكهم ايضا الغضب من السياسة الاميركية مثل اولئك الذين ليس لهم تجربة مباشرة او غير مباشرة مع الولايات المتحدة.
ليس معنى هذا القول بأن برامج الدبلوماسية الشعبية ضاعت هباء لكني اقول ان انفاق مبالغ طائلة على تطوير اعلام بديل على شاكلة راديو اوروبا الحرب ليس مجديا.
العرب يريدون زيارة الولايات المتحدة ومقابلة الاميركيين ومشاهدة التلفزيون الاميركي وهم احرار في ذلك. هذه الجهود هي التي لها اثر في تحسين الفهم. لكن مادامت السياسة الاميركية في المنطقة على حالها فإن جهود الدبلوماسية الشعبية لن تعدو في احسن الاحوال كونها اصابع تسد ثقوبا في سد يرتشح.
المشكلة الاساسية التي تفصل العرب عن اميركا ليس الاعلام العربي ولا نقص المعلومات-انها تتعلق بالسياسة.
- آخر تحديث :
التعليقات