فائزة حسن طه
منذ أن أعلن “الحلفاء”حربهم على العراق اختلطت الأوراق السياسية في المسألة العراقية ما أدى إلى ارتباك في ترتيب الأولويات ونتج عن ذلك مزيد من التعقيدات في الساحة السياسية.
من أهم هذه التعقيدات مفردات الخطاب السياسي المتناقضة، والتي تعج بها الساحة العراقية.ما يجعل من الصعب ان يتم الاتفاق على دلالات هذه المفردات المستخدمة في الخطاب السياسي.وبالتالي تصبح مهمة الحوار مهمة شاقة بين الفرقاء المختلفين.
انفلات المعايير التي تضبط مفردات الخطاب السياسي لا يقل خطورة، بل قد يكون اشد خطورة من الانفلات الأمني الذي يعاني منه المواطن العراقي الآن.المستفيدون الوحيدون من هذا الانفلات هم الذين يجيدون الاصطياد في المياه العكرة.
أي حوار وطني أو قومي لكي يكون مفيداً لابد في البدء من وضع معايير محددة وواضحة للمفاهيم المتداولة تتفق عليها الأغلبية ولا نقول الجميع.إذ إن الإجماع أمر مستحيل في كل الأحوال.أولاً لتعريف المصطلحات والمفردات المستخدمة في الخطاب السياسي. حتى إذا تحدث شخص عن مفهوم معين يكون معروفاً لدى الأغلبية (أكرر الأغلبية وليس الجميع) ماهية هذا المفهوم.
ثانياً: للتفريق بين ما هو مطلوب وما يمكن تحقيقه أي بين الفكرة المطلقة والمفاهيم المتعددة للشيء نفسه حتى لا يخلط الجميع بين المستويين المثالي والواقعي، مثلاً لا يجب الخلط بين فكرة الديمقراطية الحقيقية ومفاهيمها المتعددة أو التطبيقات الواقعية المتعددة لها، أو الخلط بين فكرة الشرعية الكاملة والشرعية المنقوصة. أو بين الاستقلال والاحتلال، ففي هذا المناخ المنفلت في المعايير لا يمكن الوصول إلى أي شكل من أشكال الحوار المنضبط أو التفاهم السلمي على أسس واضحة. هذا النوع من المناخ سيفرخ مزيداً من لغة العنف والعنف المضاد لأنها النتيجة الطبيعية للانفلات الحادث. هناك علاقة مباشرة بين الانفلات المعياري والانفلات الأمني. ذلك بأن اختلال الموازين يؤدي إلى الظلم والذي بدوره يؤدي إلى الغبن ثم إلى العنف.
هل يمكن ترتيب الأوراق في الحوار الوطني بحيث يكون الأساس هو تقديم الأولويات؟ هل يمكن الاتفاق أولا على حسم الخلاف المعياري وضبط الحوار على أسس واضحة بحيث تكون المرجعية العلمية هي الفيصل، والمرجعية العلمية تحددها الأغلبية وليس الأقلية؟
هل يمكن وضع معايير واضحة للتفريق بين مفهوم الاحتلال الأجنبي ومفهوم الاستقلال؟ وهل يمكن التفريق بين المستعمر والمحرر، وبالتالي كيف يمكن تحديد التعامل مع الاثنين؟ هل يمكن وضع معايير محددة للتفريق بين مقاومين الاحتلال والإرهابيين، حتى لا يتم الخلط بين الوطنيين الشرفاء ومحترفي الجريمة؟
هل يمكن التفريق بصورة واضحة بين الحكومة الشرعية وغير الشرعية؟ ومن يملك إعطاء هذا الحق:المواطنون أم الغرباء، الأغلبية أم الأقلية؟ هل يمكن التفريق بين الديمقراطية والدكتاتورية، حتى لا تتم الإشارة إلى الديكتاتورية ويقصد بها الديمقراطية؟ وهكذا وهكذا.
اعتقد أن العراق وعالمنا العربي في حاجة إلى العلماء والفقهاء السياسيين للتدخل السريع لإعادة الأمور إلى نصابها وضبط الحوار بمعايير واضحة.كذلك الساحة السياسية في حاجة إلى ترتيب الأوراق بحيث يتم وضع الأولويات والأسبقيات بما يخدم أهل العراق أولاً ثم الآخرين. وقبل أن نسأل أيهما يسبق الآخر الحصان أم العربة؟ لعله من الأفيد أن يتم التعريف الصحيح أو بصورة واضحة أيهما الحصان وأيهما العربة؟
هذا الانفلات واللامعقول الذي يحدث بأيدينا وأيدي غيرنا لا يؤدي إلا إلى الفوضى السياسية والأخلاقية والأمنية.لأن ما يقوم على الباطل فهو كله باطل.لا بد من تحريك قوى الخير من السياسيين والقانونيين ورجال الفكر لمحاولة الإمساك بزمام الأمور وإعادة شيء من المعقولية للمشهد السياسي، وإلا سنشهد مزيداً من الانفراط في كل شيء قيم وخير في حياتنا.
فائزة حسن طه (الخليج الاماراتية)