كل الخيارات في الاستحقاق الرئاسي مقفلة. اذ من الصعوبة الى حد الاستحالة أن نتصور تمديداً أو تجديداً للرئيس لحود مع بقاء الرئيس الحريري في السلطة. ومن الصعوبة الى حد الاستحالة أن نتصور تمديداً للرئيس لحود دون الحريري، أو بقاء الحريري وحده دون لحود.
من الصعوبة الى حد الاستحالة أن نتصور أن أحد الغريمين سيطيح بخصمه في الأسابيع المقبلة، كما لو كانت دمشق قد قررت المضي في شراكة مع واحد دون الآخر، فلا هي عازمة على التعريض بمن كان القدوة في تمتين أواصر التحالف معها، أي العماد لحود، ولا هي راضية بدفع الرئيس الحريري الى موقع يزداد فيه تقاطعاً مع المعارضة السيادية ذات الطابع المسيحي أو المسيحية ذات الطابع السيادي.
في المقابل، فمن الاستحالة تماماً أن نتصور خيارات غير تلك التي جرى ذكرها. فإما أن يستمر لحود والحريري معاً، أو يرحل أحدهما دون الآخر، أو يرحلا معاً. ليس ثمة خيار آخر، ومع ذلك فإن كل الخيارات المطروحة تقارب الاستحالة، أي انها عاجزة عن تشغيل المحرك المؤسساتي ولو في الحد الأدنى الذي يجري تشغيله حالياً، بل ان كلاً من هذه الخيارات انما يزيد من السمة الوطنية للعجز اللبناني فيجعلها إقليمية أيضاً، بما يعنيه ذلك من خلل إقليمي قريب الأجل في القدرة على التحكم، ليس فقط بالعلاقة بين السلطة ومعارضيها في لبنان، وانما التحكم بمجريات تطور أزمة السلطة اللبنانية نفسها.
لم تكن إلا ساعات معدودات بعد تسريبة كلمة السر، حتى تبيّن أن الحمل الذي تغنى به التمديديون هو حمل كاذب، وأن تعويم الرئيس العماد في الآونة الأخيرة لم يصل قطعاً الى حيث منحه ولاية إضافية. في المقابل، ليس هناك حتى الساعة أي مرشح جدي للرئاسة اللبنانية يخترق طابع رمزيته لكي يكون عنصر ثقل ودفع للطاقات الحية المعارضة لانتهاك حرمة الدستور من قبل المجموعة البونابرتية.
لما كانت كل الخيارات المطروحة الآن هي على جانب كبير من الاستحالة لما يحويه كلّ منها من قلة واقعية وقصر نظر، فلا بدّ أن تنشدّ الأنظار الى الضعف البالغ لكلا المعسكرين، التمديدي واللا تمديدي. فالمعسكر الأول ليس له غير الحجج الواهية من مثل أن التعديل جائز لأن لكل دستور آلية لتعديله، لا فرق في ذلك بين بنود ميثاقية وأخرى إجرائية، أو أن التعديل يستمد مرجعيته من خطاب القسم الأول، كون الاصلاح لم يتم بعد، بل ان هنالك من التمديديين من لا يتورع عن تفضيل النظام الرئاسي في لبنان، ومنهم من يخير الرئيس الحريري بين الالتزام بأهواء المجموعة البونابرتية أو مقاساة حملاتها كما في السابق. أما المعسكر الثاني، الرافض للتمديد، فهو ليس بمعسكر. لا مرشح رئاسياً يلتقي حوله، بل لا مرشح رئاسياً واقعياً يمكن أن يلتقي حوله، اذ يصعب على الرئيس الحريري اليوم أن يبقى وفياً للمعادلة الاقليمية في البلد وأن يسعى في الوقت نفسه لصالح مرشح ماروني يكون رافضاً للتمديد وباقياً، بنفس درجة الرئيس لحود، على الثوابت السورية وفي طليعتها مسألة حزب الله. وحتى الأسماء التي يشار أحياناً الى اعتدالها في المعارضة، فإنها تبقى خطاً أحمر بالنسبة الى المعادلة الاقليمية.
في عهده بالمعارضة، كان الاعلام الحريري يهدّف على حكومة الحص دون أن يتناول العماد لحود مع أنه يعنيه تحديداً. في عهده بالسلطة، انتهى الاعلام الحريري الى حيث تناول العماد لحود كما لم يحدث من قبل، في حين أن مقام الرئاسة قد حجب عن رسوم الكاريكاتور قبل ذلك. يبدو أننا وصلنا الآن الى نهاية المطاف بالنسبة الى الاختزال الاعلاموي للمعضلة الشائكة، أي الى حيث يكون تناول العماد لحود يموه تناقض الرئيس الحريري مع الثوابت السورية، ولعل البحث والبت الصريح في هذا الأمر هو المدخل الصحيح لتلافي مغبة الخيارات المقفلة أو العبثية.