بغداد من دوغ ستروك: تبلغ هناء العاشرة من عمرها، وهي تعيش في قاعدة للجيش الأميركي هنا، تمارس الألعاب الكومبيوترية بينما تقوم أمها بأعمال التنظيف. وليس لديها رفاق في اللعب. وتخشى أمها من إرسالها الى المدرسة. فإذا ما علم الطلاب الآخرون بصلتها مع الأميركيين «فانها ستختطف أو تقتل».
وقالت أمها أمل علامي، 42 عاما، «أريد حمايتها. أريد أن تبقى في هذه القاعدة حيث يتوفر لها الأمان». وأضافت علامي انه اذا ما غادر الأميركيون فانها وابنتها ستتحولان الى مشردتين ومعدمتين ولا حول لهما. أريد أن يبقوا الى الأبد. وآمل ان يعطوني يوما ما بيتا صغيرا» في القاعدة المحروسة التي تقع في ضواحي بغداد.
وتقول هناء ذات الوجه المدور الجميل «أعتقد انه من الجيد أن أكون هنا. فالجنود الأميركيون يحمونني من قذائف المورتر والأشخاص الأشرار. الجنود لطيفون وأنا أحبهم».
وقال مارك وودز الرقيب الذي يهتم بالعوائل العراقية الثماني التي تعيش في أطراف القاعدة التي يقيم فيها جنود الفوج الثالث من فرقة الفرسان الأولى «الجنود يحبون الأطفال حقا». ويعمل كثير من أفراد العوائل في القاعدة في أعمال التنظيف والتصليح.
وأضاف وودز «صحيح ان بعضا من هذه العوائل يعتمدون علينا لكننا نعتمد عليهم أيضا».
وقد جاءت هناء وأمها الى القاعدة قبل حوالي تسعة أشهر. وقد خرجت أمها من انهيار زواج فاشل كما قالت، وهي بحاجة الى المال. وبمساعدة صديقة مترجمة كلفت علامي بمهمة تنظيف المكاتب والثكنات في القاعدة لقاء 35 دولارا أسبوعيا. وعندما رأى الجنود انه لم يكن لديها وابنتها مكان تقيمان فيه أعطوها غرفة في القاعدة لفترة أيام، ثم نقلوها الى واحدة من العربات المقطورة القديمة هناك الى جانب عربات بعض العاملين الآخرين في القاعدة. وهم يتناولون وجبات طعام مجانية في القاعدة.
وتعبر أم هناء عن الامتنان وتقول انها تثق بالجنود. ويحاول وودز ترتيب سيارة مدرسية لنقل الأطفال الـ 13 من العوائل العراقية الذين يعيشون في القاعدة الى مدرسة قريبة عندما يبدأ الدوام في غضون أسبوعين. ولكن ام هناء ليست متأكدة. فقد قتل مترجمون وعاملون مع الأميركيين باعتبارهم متعاونين مع الاحتلال على يد أعداء الاحتلال الأميركي.
واذا ما خرجت هناء من القاعدة الى المدرسة فانه سيتعين عليها أن تحفظ سرية المكان الذي تعيش فيه عن الطلاب الآخرين والمعلمين. ولكنها كذبة خطرة كما قالت امها.
ولدى أطفال عراقيين آخرين مواقف اقل ايجابية بشأن الجنود الأميركيين ممن يجدونهم في الغالب يفتشون البيوت ويلوحون مهددين بالأسلحة ويتنقلون بعربات مدرعة.
وقال كاظم موذال مدير دار ايتام في بغداد تحاول أن تلتقط الأطفال من الشوارع «هناك طائرات هليكوبتر تحلق طيلة الوقت وتقاتل طيلة الوقت وتقذف الصواريخ. ومن الطبيعي أن يشعر الأطفال بالخوف طيلة الوقت. وهناك نوعان من الأطفال. البعض يخشون جميع الأسلحة، والبعض الآخر يريدون أن يتحدثوا الى الجنود ويختلطوا بهم».
ويصبح التحدث اكثر صعوبة، ذلك أن قذائف المورتر وتفجير السيارات تزيد من الفصل بين أفراد الجيش الأميركي والمدنيين العراقيين. وكان الجنود قد ساعدوا على اقامة دار الأيتام في بيت كبير كان منتجعا لعشيقة أحد كبار شخصيات نظام الرئيس السابق صدام حسين.
وقد دفعت الهجمات على الجيش الأميركي الجنود الى الانسحاب من مثل هذه المشاريع. ولكن عددا قليلا من الجنود ما يزالون يزورون الدار ويجلبون معهم الدمى والهدايا، وفقا لما قاله عصام رعد المتطوع في الدار.
وقال رعد الذي تربى في دار للأيتام ويبلغ الآن 25 عاما ان «الأطفال كلهم يشاهدون التلفزيون ويرون قوات التحالف تقتل العراقيين ويتسمون بعدم الانفتاح عليهم. ولكن عندما يأتي الجنود يرون جانبا آخر. وهم يشعرون بالسعادة الآن عندما يرون عربة همفي تقف خارج المكان».
لقد كان من السهل اقامة العلاقات مباشرة بعد سقوط حكم صدام حسين العام الماضي، عندما كان الأميركيون يستقبلون في الغالب بحرارة. وقال حيدر محمد حسون، 14 عاما، انه بعد يومين من سقوط بغداد كان يلعب كرة القدم في الشارع عندما خلع جنديان أميركيان سترتيهما المضادتين للرصاص وراحا يلعبان.
كانت تلك بداية العلاقة. وكان الجنود يتخذون موقعا بالقرب من بيت حيدر الواقع في شارع حيفا وبدأ يجلب لهم سندويتشات الشاورما والدجاج كما قال. وكانوا يدفعون له مقابل الطعام ويعطونه مبلغا اضافيا تقديرا لخدماته.
ولم يعد شارع حيفا مكانا يرحب بالقوات الأميركية. فالصدامات تندلع كل يوم تقريبا. وعندما نقل الجيش قاعدته الى مكان أكثر أمانا في بغداد تبعهم حيدر. وفي كل صباح يقضي 20 دقيقة على دراجته للوصول الى القاعدة ويدخل وهو يحيي الحراس.
ويتوقف عند محل في القاعدة ليأخذ بعض الأشياء البسيطة ويقوم ببعض التنظيف مقابل 30 دولارا أسبوعيا. وقال «أعطي لأمي 10 دولارات ولأبي 10 دولارات أسبوعيا واحتفظ بالباقي».
ويتمتع حيدر بالجاذبية والابتسامة الطفولية التي جعلته قريبا من بعض جنود القاعدة. وقد علمته مجندة، قال ان اسمها جوليا وقد فقد رقم هاتفها، بعض الكلام. وذكر «انها طلبت مني ان أذهب معها الى أميركا ولكنني أجبت بالنفي». ويحيط حيدر، هو الآخر، حياته في القاعدة، بالسرية. وقال بالانجليزية «اذا ماعرفوا فسيقتلونني. فقد قتلوا أخيرا احدى المترجمات». وأضاف ان الأمر يستحق المغامرة.
وقال عن الوقت الذي يقضيه في القاعدة «انها حياة طيبة. لا أحتاج الاعتماد على أحد، وانما على نفسي فقط. وأحب ذلك. الأميركيون طيبون. أحب التعامل معهم. الشيء الوحيد الذي لا أحبه هو قذائف المورتر. ففي كل يوم يطلقون قذائف المورتر هنا. ولكنني لا أبلغ عائلتي بذلك. فاذا ما فعلت فان أمي ستصرخ باكية».
- آخر تحديث :
التعليقات