أنقرة ـ حسني محلي: كان الحجاب ولا يزال الموضوع الرئيسي في احاديث الاوساط الشعبية والرسمية في تركيا. ومع ان الحجاب ممنوع في "الاماكن الرسمية الخاصة بالدولة"، فان امينة اردوغان زوجة رئيس الوزراء رجب طيب اردوغان تعيش محجبة في البيت الرسمي لرئاسة الوزراء وهو مكان خاص بالدولة، وهي ترافق زوجها في زيارات رسمية خارج تركيا وداخلها، لكن رئيس الجمهورية احمد نجدت سازار لا يسمح لها بدخول القصر الجمهوري، كما ان جنرالات الجيش لا يدعونها الى الحفلات الرسمية في مناسبة عيد النصر او مناسبات عسكرية اخرى بحجة انها محجبة.
وفشلت حكومة "العدالة والتنمية" في مساعيها لحل هذه المشكلة بسبب اعتراض القوى العلمانية التي يبدو انها مصممة على التصدي لسياسات الحكومة في هذا الموضوع وخصوصا انه سبق لاردوغان ان وعد خلال الحملة الانتخابية بأنه سيجد له حلا.
فالحجاب الذي كان ضرورة دينية تحول الى رمز سياسي في نضال الحركة الاسلامية من خلال الاحزاب التي تزعمها رئيس الوزراء السابق نجم الدين اربكان للفترة بين العامين 1970 و1998.
وكانت غالبية نساء تركيا وخاصة في الاناضول يغطين رؤوسهن بشكل او بآخر ولكن ليس بالحجاب "الاسلامي" الذي كان سببا لطرد مروى كاواكتشي من البرلمان بعد ان رفضت خلعه العام 1999. واعتبرت القوى العلمانية هذا الموقف تحديا من القوى الاسلامية لها فتمادت في حربها ضد الحجاب الذي اصبح ممنوعا خلال فترة حكومة مسعود يلماظ ـ بولنت اجاويد حتى في المدارس والمعاهد الدينية المتوسطة والثانوية.
الا ان ذلك لم يكن كافيا لمنع المحجبات من التصويت لحزب العدالة والتنمية الذي حظي بتأييد النساء اللواتي يغطين رؤوسهن لاسباب اخرى كالعادات والتقاليد او التحفظ الاجتماعي او الاحترام للآخرين. فغالبية النساء التركيات حتى العلمانيات منهن يغطين رؤوسهن في المناسبات الدينية كقراءة القرآن أو المشاركة في الجنازات او الحداد. ولا يحمل هذا الغطاء في طياته اي معنى ديني كذاك الذي يحمله غطاء نساء الوزراء وغالبية اعضاء البرلمان من حزب العدالة والتنمية "ذوي الاصول الاسلامية".
ويدرك الجميع ان الحكومة ستدعم القوى الاسلامية في جميع المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
فالحكومة التي عينت معظم انصارها واتباعها في مختلف اجهزة ومؤسسات الدولة لم تتأخر في الوقت نفسه في اتاحة الفرصة لرجال الاعمال "الاسلاميين" للعمل في مشاريع الدولة وتحقيق ارباح كبيرة منها، في الوقت الذي شعر رجال الاعمال الاسلاميون بانهم اصبحوا اكثر امانا ماديا وسياسيا من الماضي بعد ان تعرضوا لمضايقات مالية وسياسية وامنية من الحكومات السابقة التي كانت تحد من كافة انشطتهم المشكوك فيها دائما.
وهذه حال مصطفي كارادومان صاحب شركة "تكبير" لملابس "التستر الاسلامي" في اسطنبول. ويقول كارادومان انه كان يواجه الكثير من المشاكل في الاتفاق مع عارضات الازياء الشهيرات اللواتي كن ترفضن عرض الازياء الاسلامية خوفا من ردود فعل الاعلام العلماني. ويضيف كارادومان ان معظم الشهيرات الان لا تترددن في المشاركة في عروضه لجذب اهتمام زوجات المسؤولين الكبار من المحجبات واللواتي بدأن يحضرن مثل هذه العروض العامة والخاصة التي تنظمها شركة "تكبير" او شركات اخرى يزداد عددها يوما بعد آخر وخاصة بعد ان اصبح التستر بكل نماذجه "موضة" تتابعها آلاف النسوة وهن يتسابقن لارتداء الاجمل والافضل والاكثر اناقة وربما ثمنا.
وهذا الجانب اصبح الاهم في "ملابس التستر" التي تصممها دور الأزياء بالتنسيق والتعاون مع مصانع الملابس التي بدأت تنافس المصانع الاخرى لغزل ونسج افضل واجود انواع الاقمشة الحريرية التي تؤثرها النساء الاسلاميات وخاصة في الليالي المميزة كحفلي زواج ابن او ابنة رئيس الوزراء اردوغان واللذين حضرهما نحو ثمانية الاف مدعو.
وبدأت بعض الاوساط تراهن على احتمال ان يؤدي هذا النوع من التنافس من ارتداء الافضل الى انفتاح النساء المحجبات تدريجيا بعد ان بدأن يصافحن الرجال وهذا من الممنوعات .
وانضمت آلاف النسوة غير المحجبات الى حزب العدالة والتنمية وهن يصافحن الرجال الذين كانوا لا يصافحون النساء ايضا في الماضي بعد ان تحولت التجربة الاسلامية التركية إلى "نموذج معتدل وحضاري" في نظر الكثير من الاوساط السياسية والاجتماعية بل وحتى الدينية.
ولم تبال دور العرض ومعها مصانع الملابس بكل هذه الجوانب الدينية والسياسية للحجاب وملابس التستر فراحت تستغل هذا الظرف الذي فرض نفسه على تركيا بل والعالم الاسلامي عموما حيث ازدادت ظاهرة التستر في جميع انحاء العالم الاسلامي والمجتمعات الاسلامية ما يزيد من حظوظ هذه الدور والمصانع في مضاعفة ارباحها وذلك من خلال مضاعفة انتاجها من ملابس التستر التي يتفنن فيها الاتراك.
ويقول مصطفى كارادومان ان شركته تصدر الملابس الاسلامية للعشرات من الدول الاسلامية كمصر وماليزيا والاردن واندونيسيا بل وحتى المانيا التي تعيش فيها جالية اسلامية وتركية كبيرة.
ويرفض كارادومان الحديث عن القيمة المالية لتجارة الالسبة الاسلامية، وهو يقول ان المهم هو تغطية حاجات النساء الاسلاميات بالذوق الرفيع الذي يليق بهن. وتقدر بعض الاوساط الاقتصادية حجم العمل التجاري الداخلي والخارجي لشركات الملابس الاسلامية بما لا يقل عن مليار دولار سنويا يتنافس من اجلها ما لا يقل عن عشر دور كبيرة للازياء الاسلامية. ويبدو انها ستبقى محط انظار الرأي العام التركي والاسلامي طالما ان الاسلام بات السلاح وربما الوحيد للانسان في العالمين العربي والاسلامي في غياب الايديولوجيات الاخرى كالقومية واليسارية والليبرالية وغيرها.