القاهرة: وصف الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الكتابات الغربية التي تتطاول على الإسلام ورسوله في السنوات الأخيرة بأنها “كتابات جاهلة تصدر عن جهلاء”، وانتقد الدكتور طنطاوي ما وصفه بالاهتمام المبالغ من قبل الغرب بالمرأة العربية المسلمة وقال في لهجة ساخرة “من الأولى بالغربيين أن يهتموا اكثر بحل مشكلات نسائهم”.وجدد الدكتور طنطاوي في حوار مع “الخليج” تحذيره من المساس بالمسجد الأقصى المبارك محذرا “إسرائيل” من ارتكاب حماقة تشعل نار الفتنة في المنطقة كلها وقال: المسجد الأقصى المبارك ليس ملكا للفلسطينيين وحدهم، بل هو ملك للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، ولذلك نحذر قادة “إسرائيل” وأصحاب الكلمة والنفوذ فيها من محاولات المساس بثالث الحرمين الشريفين وترك قطعان المتطرفين يعبثون بحرمة وقدسية هذا الرمز الإسلامي الكبير. وأكد شيخ الأزهر حق كل فصائل المقاومة في العراق وفلسطين بالمقاومة، وطالب القوات الأمريكية والبريطانية وغيرهما بالرحيل وترك العراق للعراقيين فهم الأقدر على حل مشكلاتهم وإعادة الأمن والاستقرار إلى بلادهم.

وفيما يلي نص الحوار:
استقبلتم مؤخرا لجنة الحريات الدينية الأمريكية رغم الرفض الشعبي المصري والعربي لها خاصة أنها تضم عناصر يهودية معروفة بتشددها ومواقفها العدائية تجاه العرب والمسلمين؟
واجبي كشيخ للأزهر أن استقبل كل من يحضر إلى الأزهر لمقابلتي خاصة إذا ما جاء سائلا ليعرف الحقائق، فأنا لا ارفض مقابلة أحد سواء أكان أمريكيا أم انجليزيا أم عربيا، ولذلك استقبلت هذا الوفد وأجبت عن كل تساؤلاته وهي تساؤلات عادية جدا وتدور حول موقف الإسلام من السلام ومن العدوان على الأبرياء ومن الحوار مع الآخرين، وأنا من جانبي أوضحت لهم أن الإسلام دين سلام ولا يقر العدوان على الأبرياء بأي صورة من الصور، وهذا ليس موقف الإسلام وحده بل هو موقف كل الأديان السماوية بل هو موقف كل أصحاب العقول السليمة التي يجب أن تقف في وجه الظلم والعدوان مهما كان مصدره.
كما أوضحت لهم أن الإفراط في استخدام القوة أسلوب الجبناء الذين يعجزون عن الحوار والتفاهم ويحاولون دائما الاحتماء بما لديهم من قوة.

يتردد انهم تحدثوا معكم في أمور تخص العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، فماذا قلتم لهم؟
لا، لم يحدث حديث مباشر حول هذا الموضوع، بل هم سألوا عن موقف الإسلام من المخالفين في العقيدة وأنا أوضحت لهم أن الإسلام دين يحترم الحرية الدينية، ولا يتخذ موقفا عدائيا من المخالفين له في العقيدة، بل على العكس يترك لغير المسلمين حرية ممارسة شعائرهم الدينية ويساوي بينهم وبين المسلمين في الحقوق والواجبات مادام الجميع يعيشون في وطن واحد ويحترم كل طرف الطرف الآخر ولا يتطاول على عقيدته، وهذا هو شأن العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر، الكل أمام القانون سواء والأغلبية المسلمة لا تجور على حقوق الأقلية المسيحية، بل نعيش جميعا متعاونين متحابين.

هل من حق أحد أن يفرض وصايته على الأقباط في مصر ويتبنى حقوقهم ويتحدث بلسانهم؟
لا، ليس من حق أحد أن يفرض وصايته على إخواننا الأقباط في مصر وهم يرفضون هذه الوصاية ولديهم القدرة على الدفاع عن حقوقهم فهم جزء من الوطن وهم مصريون لهم حقوق وعليهم واجبات مثلهم مثل المسلمين تماما.

تردد أن لجنة الحريات الأمريكية طالبت بإلغاء منصب المفتي، ما تعقيبكم على ذلك؟
لا علم لي بهذا الأمر، وإذا صح ذلك فلن يلتفت إليهم أحد، فالإبقاء على منصب المفتي أو إلغاؤه قرار مصري خالص لا شأن للآخرين به والتدخل في شؤوننا الداخلية أمر مرفوض تماما.

ما حقيقة ما ينشر عن مطالب أمريكية بتعديل مناهج التعليم الأزهري وحذف كل ما يتعلق بالجهاد والجزية وكل ذلك منه؟
هذا الكلام نسمعه ونقرؤه في وسائل الإعلام وليس له أساس من الصحة، فنحن في الأزهر لم نتلق مطالب أو توجيهات من أية جهة لا من داخل مصر ولا من خارجها، ولو طلب منا ذلك فموقفنا واضح وحاسم، فالتعليم الأزهري شأن إسلامي خالص لا علاقة للآخرين به والأزهر هو مدرسة الوسطية والاعتدال هو يقوم بواجبه في مواجهة كل فكر متطرف أو سلوك منحرف سواء صدر هذا الفكر أم ذاك السلوك من مسلم أم مسيحي أم يهودي، ولذلك فإن محاولات تشويه رسالة الأزهر وإلصاق التهم العشوائية بعلمائه ومناهجه التعليمية لن تخدم إلا المتطرفين الذين لا يروق لهم ما يقوم به الأزهر.

هل تتضايقون من الانتقادات التي توجه للتعليم الأزهري ولمواقف الأزهر تجاه القضايا والأحداث الدولية؟
كما قلت لك الأزهر يقوم بواجبه وفق ما يراه حقا وعدلا ومحققا لمصالح المسلمين، والمسؤولون بالأزهر بشر، ومن شأن كل البشر ان يخطئوا ويصيبوا، ونحن في الأزهر لا ننتظر مكافأة من أحد على جهودنا ومواقفنا ولا نغضب من أي نقد موضوعي يوجه إلينا، وعقولنا وقلوبنا مفتوحة للجميع لكن ما يحزننا أن يتطاول البعض على الأزهر وعلمائه دون سند أو دليل ولمجرد شائعات ومعلومات مغرضة يرددها بعض الجاهلين أو الحاقدين، ولا يليق بالعقلاء أن يفعلوا ذلك.

يطالب البعض بإغلاق ملف الحوار الديني الآن خاصة بعد تطاول عدد من رجال الدين البارزين في الغرب على الإسلام، ما موقفكم في الأزهر من هذا المطلب؟
هذا المطلب مرفوض ليس من الأزهر وحده ولكن من كل الهيئات والمنظمات الإسلامية في العالم، لا يوجد أحد يرفض الحوار باسم الإسلام لأن ديننا حسم هذه المسألة بنصوص واضحة كلها تحض على الحوار والتفاهم والتعاون مع المخالفين لنا في العقيدة، وتطاول بعض رجال الدين في الغرب، وأنا اعتقد انهم قلة على الإسلام، لا يبرر إطلاقا تجميد الحوار واتخاذ مواقف رافضة للتعاون مع الآخرين.
إننا نؤمن بأن الحوار الديني الآن اصبح ضرورة ملحة خاصة في ظل تصعيد التوتر السياسي والعسكري والصراع الاقتصادي بين الغرب والعالم الإسلامي ونحن نتحاور مع الآخرين لنسهم في إزالة هذا التوتر ونقوم بواجبنا لمنع الظلم ورفع العدوان، وهذا واجب كل علماء الإسلام ورجال الدين المسيحي واليهودي وغيرهم.

هل ترى أن الحوار الديني مع اليهود مفيد الآن؟
الإسلام في دعوته إلى الحوار من اجل التفاهم والتعاون على البر والتقوى لم يفرق بين نصراني ويهودي، والقرآن الكريم يخاطب الفريقين في دعوة واحدة: “قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء”.

لكن هل اليهود لديهم الاستعداد لحوار عقلاني هادئ يسهم في وقف العدوان وإعادة الحقوق المغتصبة إلى أصحابها؟
هذا السؤال يحتاج إلى إجابة واضحة منهم، أما نحن فنرحب بالحوار العادل والعاقل مع الجميع بشرط ألا تحاول فئة توظيف هذا الحوار لتحقيق أهداف سياسية أو دعائية أو مصالح شخصية.

الخلط بين مفاهيم الجهاد والإرهاب بلغ مرحلة الذروة.. فما نراه في عالمنا العربي والإسلامي مقاومة مشروعة للاحتلال والظلم والعدوان يراه الأمريكيون والبريطانيون وغيرهم من القوى المتسلطة إرهابا وعنفا يجب أن يقاوم.. كيف ينظر شيخ الأزهر إلى حركات المقاومة في العراق وفلسطين ولبنان وغيرها من البلاد العربية والإسلامية التي ابتليت بالاحتلال؟
لا خلاف بين العقلاء على أن مقاومة الاحتلال حق تقره كل الشرائع السماوية والقوانين والأعراف الدينية، وهو في نظر شريعتنا الإسلامية واجب وليس مجرد حق، لكننا نؤكد للجميع مسلمين وغير مسلمين- أن قتل الأبرياء وترويع الآمنين ليس جهادا بل هو عدوان يدينه الإسلام، إنما الجهاد المشروع هو بذل النفس والمال من اجل إعلاء كلمة الله تعالى، ومن اجل الدفاع عن الدين وعن النفس وعن الوطن وعن المال، والجهاد يكون ضد المعتدين الآثمين وليس ضد الأبرياء الذين يتساقطون في العمليات العشوائية هنا وهناك.
من هنا نؤكد أن مقاومة الاحتلال والعدوان في أي بلد ابتلي بالاحتلال والعدوان واجب تحض عليه كل الشرائع السماوية بشرط ألا يحتوي ذلك على ظلم لأحد أو إهدار لحقوق أحد، بل ينبغي أن نكون عادلين منصفين في كل ما يصدر عنا حتى مع من يعتدي علينا ويحتل أرضنا ويهدر حقوقنا.

هل ما تقوم به قوى الاحتلال الآن يمكن أن يحقق الأمن والاستقرار على أرض العراق؟
ينبغي أن يترك أمر العراق للعراقيين فهم الأقدر على حل مشكلاتهم وتوفيق أوضاعهم وإعادة الاستقرار إلى بلادهم، وقوى الاحتلال ينبغي أن ترحل لأن استمرارها على أرض العراق يعني المزيد من العنف والدمار والتخريب وهذا الأمر لا خلاف عليه.

تطاول أحد رجال الدين الغربيين مؤخرا على الإسلام واتهمه بالإرهاب الفكري ومعاداة أصحاب العقائد المخالفة، ماذا يقول شيخ الأزهر لهؤلاء؟
هذا جهل بالإسلام وعقيدته وشريعته وأمثال هؤلاء الجهلاء الذين يتطاولون على ديننا بجهلهم وحماقتهم لا ينبغي أن نشغل أنفسنا بهم، بل واجبنا إهمالهم فهم لا يستحقون أن نضيع الوقت والجهد في الرد عليهم.
ولو قرأ هذا الإنسان وأمثاله من الحاقدين على شريعة الإسلام كتابا واحدا عن هذا الدين لما تطاول عليه ولأدرك أن شريعة الإسلام تعد الناس جميعا اخوة في الإنسانية، وانهم من أب واحد ومن أم واحدة، وان الله تعالى أوجدهم في هذه الحياة ليتعارفوا وليتعاونوا فيما بينهم على البر والتقوى، لا على الإثم والعدوان، وشريعة الإسلام لا تعرف هذا الإرهاب الفكري الذي يتحدث عنه هؤلاء، بل هي شريعة تشع منها كل قيم التسامح والرحمة والتعاون وفي مجال العقائد، وتحترم عقائد الآخرين ولا تكره أحدا على الدخول في دين الإسلام، لأن العقائد لا إكراه عليها، والإجبار على الدخول في دين الإسلام أو في غيره لا يأتي بمؤمنين صادقين، وإنما يأتي بمنافقين كاذبين، والقرآن الكريم يقول: “لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي”.
وفيما يتعلق بالموقف من المخالفين لنا في العقيدة فالأمر محسوم وواضح، فشريعة الإسلام تأمر اتباعها بالتعاون على البر والتقوى فيما بينهم وبين غيرهم من أتباع الديانات الأخرى ماداموا لم يسيئوا إلينا، ولم يعتدوا علينا نحن المسلمين.

تصاعدت تهديدات المتطرفين اليهود ومؤامراتهم ضد المسجد الأقصى المبارك وقد نشرت الصحف “الإسرائيلية” تقارير تؤكد مخططات لجماعات يهودية متطرفة ضد ثالث الحرمين الشريفين.. كيف تنظرون إلى هذه التهديدات وكيف سيكون الوضع لو نفذت هذه الجماعات المتطرفة تهديداتها؟
أي مساس بالمسجد الأقصى المبارك سيؤدي إلى كارثة ليس داخل فلسطين وحدها، بل في كل مكان في العالم، ولذلك ينبغي على قادة “إسرائيل” أن يعوا ذلك جيدا قبل ارتكاب أي حماقة ضد هذا الرمز الإسلامي الذي يحتل مكانة كبيرة في نفوس كل المسلمين.

هل يمكن أن يتحقق السلام مع “إسرائيل” في ظل هذا الإرهاب الصهيوني المتواصل؟
ما يحدث على أرض الواقع يحمل إجابة واضحة عن هذا السؤال، ف”إسرائيل” تواصل إرهابها ضد الفلسطينيين والعرب منذ أن ابتلينا بها، ولم يوصلها هذا الإرهاب إلا إلى المزيد من القلق والتوتر لشعبها، فضلا عن الخسائر البشرية والاقتصادية التي لحقت بها، فالعنف لا يولد إلا العنف، والإرهاب لا يمكن أن يحقق السلام، وإذا لم يتعقل قادة “إسرائيل” ويعودوا إلى رشدهم ويتخلوا عن إرهابهم ويعترفوا بحقوق أصحاب الأرض فلن يتحقق السلام الذي ينشده الشعب اليهودي قبل الشعوب العربية.

تحاول المنظمات الدولية الآن فرض تصورات تتعلق بحقوق المرأة على كافة الدول متجاهلة بذلك عقائد هذه الدول وخصوصياتها الشرعية والثقافية.. ما موقفكم في الأزهر مما تحاول المنظمات الدولية فرضه على المسلمين من أمور مخالفة لشريعتهم؟
موقفنا واضح، فنحن نرفض كل ما يخالف شريعتنا الإسلامية، والمنظمات الدولية التي تتحدث عنها لا تملك وصاية على نسائنا، والمرأة المسلمة ليست في حاجة إلى تشريعات أو حقوق مما تطالب به هذه المنظمات، بل هي في حاجة ماسة إلى حقوقها التي كفلتها لها شريعة الإسلام.
ونحن في مصر لا نقر قانونا أو تشريعا جديدا يحمل مخالفة للشريعة الإسلامية سواء أكان ذلك يتعلق بالمرأة أو بأي مجال آخر، وأعتقد أن معظم الدول العربية والإسلامية تفعل ذلك.

وما رأيكم في الدعوات التي تنطلق من داخل بلادنا العربية والإسلامية تطالب بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في كل شيء وخاصة في أمور الميراث وفي أمور الطلاق، وفي ذلك مخالفة لتعاليم الإسلام؟
كل فكرة أو دعوة تحمل مخالفة لتعاليم الإسلام مرفوضة سواء صدرت عن مسلم أم غير مسلم والذين يطالبون بذلك من المسلمين يشاركون غير المسلمين في الجهل والغباء لأنهم لا يفهمون المقاصد الشرعية ولا يقفون على فلسفة الإسلام في الاختلاف بين الرجل والمرأة في بعض الأمور، فالذين يطالبون بالمساواة في الميراث مثلا يعرفون أن التكليفات المالية على المرأة تقل كثيرا عن التكليفات المالية على الرجل، إذ الرجل مكلف شرعا بالنفقة على نفسه وعلى زوجته وعلى أولاده وعلى كل من يعولهم، بينما المرأة نصيبها من الميراث أو من كل ما تملكه خاص بها لا يشاركها فيه مشارك، اللهم إلا على سبيل التبرع والمساعدة لغيرها.