أنهى المؤتمر الوطني العراقي جلساته الصاخبة التي ميزتها أنماط جديدة من الديمقراطية الوافدة على العراق، كان أبرز أشكالها انعكاس الفوضى الضاربة أطنابها في العراق على جلسات المؤتمر، مع ما يصاحبها من لغة الشتم الديمقراطية، التي بدأت تجلجل في جلسات المؤتمر، وبطريقة تبويقية لافتة للنظر. وإذا كان من تأشير واضح في أسماء القائمة النهائية لمرشحي المجلس التشريعي المائة، أنهم جميعاً جاؤوا عن طريق التزكية، تسعة عشر عضواً منهم أعضاء سابقون في مجلس الحكم، وواحد وثمانون عضواً، جاءت ترشيحاتهم أشبه بحالة الفرض التي مارستها الهيئة العليا للمؤتمر، مدعومة بنفوذ وقوة الأحزاب السبعة المهيمنة على الساحة العراقية، بفضل مليشياتها وأشكال الدعم التي تحصل عليها من الخارج، وفقاً لأجندة تتقاطع بالكامل مع الآمال الوطنية العراقية.
إن ما حصل في جلسات المؤتمر الوطني العراقي، والتي تابعتها كثير من وسائل الإعلام المرئية، أوضح للجميع أن حالة مجلس الحكم السابق جرى استنساخها بطريقة قيل عنها، أنها ممارسة ديمقراطية، مما مكّن قوى هذا المجلس الوافدة من خارج العراق أن تحكم قبضتها على تسيير الأمور مثلما هو حاصل الآن، مستبعدةً من مواقع التأثير كل القوى الحية والفاعلة في الداخل العراقي، حتى تلك التي شاركت في جلسات المؤتمر الوطني، وأحسنت الظن بنوايا أهل القوة والنفوذ من منظمي هذا المؤتمر.
إن تجربة مجلس الحكم السابق، والتي قسمت البلاد إلى حصص ونسب وأجزاء، والتي لم تحظ بأي قبول داخل العراق، قد أعيد تكريس أشكالها بنمطية يقال عنها إنها ممارسة ديمقراطية. هذه الممارسة التي أدانها الكثيرون من أعضاء المؤتمر الوطني، حتى من جاء بعضهم على ظهر الدبابة الأمريكية، بعدما وجدوا أن الاتجاه الغالب مما يحصل، يتجه إلى إحياء شكل من أشكال الدكتاتورية المغلفة بقفاز من الحرير الديمقراطي الجارح. هذا الاحياء يجري تكتيل قواه بطريقة التجميع والمصالح، مع ما يسانده من الدعم الأمريكي السياسي والاقتصادي والإعلامي، مما يمكنه من الظهور على شكل كارتل ضخم ونافذ على الساحة العراقية، خصوصاً أن قوى هذا الكارتل جميعها تملك من الميليشيات والمقاتلين، ما يمكنها من فرض الأمر الواقع إن تطلَّبَ الأمر ذلك في ظل غياب مؤسسات الدولة العراقية المؤثرة والفاعلة في تسيير الأمور، وفي المقدمة منها، الجيش العراقي. وعليه فلا نتهم احداً، أو نظلم دوره، حينما نقول بصوت عالٍ، إن المؤتمر الوطني العراقي أجاز إحياء الدكتاتورية بشكل جديد وبقوى جديدة وبارتباطات ومصالح جديدة.
إضافة الى ذلك، وهو من المهمات، أن المؤتمر الوطني، وبالطريقة التي أجازها لإحياء الديكتاتورية، مكّن قوى ظلامية ومتخلفة من التأثير في القرار العراقي، الأمر الذي يمكنها من تغيير معادلات القوة، خاصةً في جانب دور المرأة ودورها والنسب المطلوب أن تحصل عليها في دورها الوطني. ولذلك فإن أشد ما تخافه في هذا الجانب أن تتآكل حصة ال 25% الخاصة للمرأة لنسبة أقل، سوف يحشد فاعلوها لدعمها آلاف الحجج النقلية والعقلية، وبما يضيع على الوطن فرصة تاريخية للتقدم.
إن الحكومة العراقية المؤقتة نجحت نجاحاً باهراً، حينما فرضت رأيها وطريقتها في أعمال المؤتمر الوطني العراقي، وفر ضت أيضاً مرشحيها، الذين كللهم المؤتمر بالفوز، مانحاً إياهم دوراً مهماً في المجلس التشريعي القادم، ولذلك فإن هذه الحكومة لم تكن مؤقتة إلا بالاسم، بحكم ما تفعله وتقرره على الساحة العراقية، وبعضه يأخذ منحى عنيفاً ومدمراً، مثلما هو حاصل في النجف، كما أن حكومة اياد علاوي لم تكن حكومة تدوير، بل إنها صادرت من الجميع ما يرغبون به، وطرحت نفسها حكومة تقرير، وهذا ما بان واضحاً في فوز مرشيحها في انتخابات المؤتمر الوطني العراقي الأخير.
إننا مقبلون على أيام عصيبة، تتطلب تراجع كل الرغبات الشخصية أو العامة، وتستوجب من الجميع أن يرتقوا للحد الأدنى من مفهوم الوطنية، بعيداً عن كل تبويق أو تطبيل، بعد أن تدحر كل الامتدادات الدولية أو الإقليمية المؤثرة في القرار العراقي.
التعليقات