يحيى الأمير: هدأت حدة الدهشة والسؤال حول الانتخابات وتحول الجميع من مرتهنين لدهشة لذيذة إلى باحثين ومتسائلين عن حقوقهم وأدوارهم والمناط بهم في العملية الانتخابية القادمة.
هذه الانتخابات التي جاءت كمشروع وكتفعيل حقيقي لتوجهات القيادة التي أعلنت عنها وتمثل في نفس الوقت عملاً حقيقياً على الأرض يخرج من وازع وطني ومدني حقيقي باتجاه المشاركة الشعبية والسير بالمجتمع والناس نحو ايجاد حياة مدنية حقيقية، وفي هذا التفصيل ما فيه من كسر لذهنية الوعود والشعارات التي لا تثمر غير ألفاظها حيث إن القرارات التي تتوالى والخطوات الجادة والحقيقية تعطي دلالة على أن ثمة توجه حقيقي يعي بشروط المرحلة التي لا تحتمل الوعود المجانية أو التسويفات المتواصلة وإنما تنفتح على رؤية عملية خاصة وأن القيادة تعلم أنها ليست في حاجة إلى وعود منكوثة أو شعارات طويلة صاخبة لا طائل من ورائها ذلك أنها تسعى إلى ما تسعى إليه وفق تواشج نظري وتطبيقي، إضافة إلى أن استكمال الحياة الحديثة والمدنية يتطلب أول ما يتطلب التخلص من سلوكيات رأينا آثارها في العديد من دول العالم العربي حين يكون الحراك والإصلاح مجرد أصوات وشعارات ذات رنين صاخب فقط.

إقرار المشروع.. السلوك الحضاري الجديد
إقرار مشروع الانتخابات يأتي - أو كهذا ينظر له - وفق رؤية عولمية منفتحة على تجارب العالم وآخذة من كل تجربة بما هو مفيد ومثمر ويظهر ذلك جلياً في طواقم الخبرات العالمية التي استضافتها وزارة الشؤون البلدية والقروية والتي ضمت خبراء من ألمانيا وجنسيات مختلفة بغرض استثمار رؤاهم وتجاربهم والتعاقد معهم لتولي كثيراً من الجوانب النظرية للعملية الانتخابية وهذا التوجه تطور حقيقي لما كنا نقع فيه قديماً من حصر الاستعانة بخبرات عربية أو خبرات مؤدلجة جاهزة تجيد المزايدة والبحث عن الكسب بعيداً عن أي مسؤولية، هذا بالإضافة إلى أن الخبرات غير العالمية في هذا المجال ستفتقر إلى الخبرة الفعلية لأن الكثير من التجارب الانتخابية في الوطن العربي لا تتجاوز كونها فعاليات جاهزة ومظاهر إعلامية فقط.
كذلك فإن ما شهدناه مؤخراً من وصول فريق من خبراء هيئة الأمم المتحدة بناء على طلب المملكة للاطلاع على الاجراءات التي انهتها وزارة الشؤون البلدية والقروية فيما يتعلق بعملية الانتخابات واجراءات قيد الناخبين وتسجيل المرشحين واللجان الانتخابية والجوانب الفنية والبرنامج الزمني بالإضافة إلى الاشراف المباشر على عملية الانتخابات في حينها يعني توجهاً حقيقياً لايصال العملية الانتخابية إلى أعلى مستويات الدقة والتنظيم والسعة وعدم الاقتصار على الرؤية الداخلية بالإضافة إلى ما يعنيه ذلك من اعتراف بأهمية التجربة الأولى والحاجة إلى استنادها إلى تجارب أخرى وحشد الأفكار والرؤى المختلفة لانجاحها.
مما يمكن أن يلحظ أيضاً في هذا السياق الإصلاحي أن القيادة بكل مؤسساتها تخوض نضالاً ثنائياً مزدوجاً فهي تعيش - كما يعيش الشعب - في مواجهة فعلية وقوية مع فلول الإرهاب والظلامية والخارجين عن نواميس الكون وقوانين الحياة الطبيعية وهي مواجهة على أصعدة مختلفة من أبرزها الصعيد الأمني الذي شهد من النجاحات ما لا يمكن إغفاله.
أما الجانب الثاني من حراك القيادة فهو أنها ورغم تلك الظروف إلا أنها تواصل كل خطواتها وفعالياتها الإصلاحية والتطويرية في العديد من الميادين والنشاطات الوطنية وليس هناك من لائم يمكن أن يلوم فيما لو توقفت كل تلك الإصلاحات بحجة الإرهاب، مثلما هو حادث في العديد من دول العالم التي تتحجج بظروفها وأزماتها الداخلية لتعطيل ما لديها من مشاريع، إلا أن الحالة هنا في المملكة سادت بشكل متوازن وبحركة دائبة بين يد تواجه الإرهاب وخرابه ويد أخرى تفتح تلك العمليات الإصلاحية والتطويرية في مختلف الميادين.

الوعي المؤسساتي.. الوعي الاجتماعي..
من لمن؟
لعل الناظر في تركيبة وطن كالمملكة العربية السعودية ستجد أنه أمام حالتين من الوعي والرؤية حالة القيادة وحالة الوعي المجتمعي العام على أن بين هاتين الحالتين من التداخل الشيء الكثير فالقيادة هي في النهاية منظومة مؤسسات وأعمال وبُنى وطنية متعددة، وهذه المؤسسات مهما تعددت أوعلت فإنها لن تشغل إلا بكوادر يقوم وعيها ابتداء علي الوعي الاجتماعي السائد.. ثم حين يتماشى مع سلوكيات المؤسسة ومتطلبات العمل المؤسساتي يبدأ في النزوع إلى التفريق بين آلية التعاطي الاجتماعي وآلية التعاطي المؤسساتي لتكون الثانية هي الأهم بأدائه داخل المؤسسة لما تضطلع به المؤسسات من دور إحيائي وتصحيحي وإنمائي للمجتع وفتح رؤى جديدة في أفق الوعي الاجتماعي الضيق، ومن هنا يمكن أن نلحظ تقارباً بين ما يمثل وضعاً اجتماعياً وبين ما تقدمه بعض المؤسسات، لنصل من كل هذا إلى أن التركيبة العامة لدينا في الوقت الذي هي فيه صانعة للمؤسسات هي أيضاً موكلة بكل ما من شأنه تصحيح وترتيب وتعديل تلك التركيبة، أي أن المؤسسات ومع أن أفرادها يخضعون للوعي الاجتماعي السائد غالباً إلا أنهم ومؤسساتهم هم الموكل بهم تطوير وتنوير ذلك الوعي.. وإذا كان ظاهر هذه الحالة يؤدي إلى شكل نظري فإنه بالمقابل يمثل اختباراً حقيقياً لمدى جدية الفصل والتفريق بين ما هو وعي اجتماعي وبين ما تمثله الرؤية المؤسساتية وضرورة التدرب ملياً على ذلك الفصل بل والسعي مع مرور الوقت إلى احلال الرؤية المؤسساتية المدنية في جميع مفاصل وزوايا كل المؤسسات والقيام بكل ما من شأنه أن يدعم ذلك.
والسؤال الذي يبرز هنا وبإلحاح شديد هو: هل تُدار تلك المشاريع والخطوات التطويرية التي تقرها المؤسسات الحكومية هل تدار برؤية مؤسساتية أم برؤية اجتماعية؟
وقبل التعرض إلى إجابة هذا السؤال فإن مما يجب النظر إليه باعتباره يقيناً هو أن مشروع الانتخابات ناتج أصيل لذلك التفريق الواعي بين ما هو سائد اجتماعي وبين ما هو مؤسساتي نهضوي ذلك أن السائد الاجتماعي يميل إلى السكون والركون إلى الحالات الوطنية الموروثة سائراً على نمطية الحياة دون تواصل أو حتى بحث فعلي عن التواصل مع المتغيرات الحياتية وأنظمة الحياة المدنية الجديدة، فالانتخابات لم تكن - غالباً - بادرة اجتماعية وإنما جاءت بادرة مؤسساتية منطلقة من دور المؤسسة وسعيها لترسيخ ثقافة المؤسسة وما تمليه من إحداثات وتحولات وخروج عن الأنماط القديمة في الإدارة والحكم والمشاركة، لأن دور مؤسسات القيادة يحتم عليها ألا تكون راعية ومرسخة للنمط الاجتماعي قدر كونها محركة ومحفزة له على التوجه إلى مراجعة مظاهر حياته التقليدية وسلوك سبل التطور والاندماج في حياة جديدة، وإن كان في الماضي قد تعمق ذلك التماس بين المؤسساتي والاجتماعي حين حمل الأول كثيراً من رؤى الثاني وتواطأ معه على عناصر وسمات كالسكون والركود وشرعنة من خلال تأخير وطمس بعض الحركات والدعوات الاصلاحية إلا أن ذلك قد انقضى لأنه يجب أن ينقضي ولأن المؤسسات القيادية هي لبّ الحراك المدني في وسط لا يزال يجنح في الكثير من رؤاه إلى الساكن والنمطي.
وحين العودة الى السؤال السابق وهو ما إذا كانت تلك المشاريع التي انتجتها المؤسسات تدار برؤية اجتماعية أم مؤسساتية فإن الحقيقة تفرض علينا أن نواجه واقعاً يؤكد بأن كثيراً من تلك المشاريع وقعت تحت وطأة الاجتماعي وأصبحت تدار بقيم ورؤى اجتماعية اسهمت في النزوع بها إلى أحوال ومخرجات غير المنتظر منها وغير متسقة مع روح المؤسسة ولو ضربنا مثلاً بقوانين العمل والاقتصاد التي كانت مطروحة ومطبقة وفق رؤية اجتماعية تقوم على تفرقة بدائية بين عمل الرجل والمرأة مثلاِ منطلقة في ذلك من رؤية اجتماعية تركن إلى الإبقاء على مثل هذه القيم وصقلها وديمومتها، لنجد مؤخراً كيف أن المؤسسات المعنية بهذا الشأن قد انتفضت أخيراً على ذلك التواطؤ بين الاجتماعي والمؤسساتي لنشهد ما أقرته القيادة مؤخراً من قوانين جديدة لعمل المرأة تقضي بإبطال الكثير من التفرقة والتمييز الذي كان يحاصر ذلك النشاط دون أدنى صدام بالرؤى الشرعية وباتساق مع الرؤى الحضارية والمدنية في هذا الجانب وبتطبيق حقيقي للدور المنوط بالمؤسسة.
ويحضر السؤال بشكل أكثر كثافة عن مشروع الانتخابات البلدية القادم في شهر شوال.. وما إذا كان هذا المشروع ستتم إدارته وتناوله برؤية اجتماعية أم برؤية مؤسساتية مع التأكيد على ما سبق ذكره من أن خروج هذا المشروع هو أولاً حضور حقيقي لدور المؤسسة وموقعها من بث أنماط الحياة الجديدة وفتح آفاق الحراك المدني.
ولعل المشكل الأبرز في قضية الانتخابات أنها تقوم وسط معضل اجتماعي، فإذا كانت الانتخابات في أبسط صورها مشاركة واختياراً على أساس المصلحة المدنية فإن الشكل الاجتماعي يبرز في رؤى المشاركة والاختيار اجتماعياً لا تحتكم إلى المصلحة المدنية وإنما تحتكم غالباً إلى مظاهر عائلية وقبلية تغيب معها المصلحة المدنية لأنها لا تشكل حيزاً كبيراً في الذهنية الاجتماعية كالذي تشغله تلك المرتهنة إلى حالة الركون الاجتماعي والقائمة على تركيبته التي ظلت لقرون طويلة قبل ظهور دولة المؤسسات هي المناط والمرجعية وما من شك أن هذه الحالة ليست تعطيلاً للعملية الانتخابية بقدر ما هي خروج بها عما تريده القيادة وما تقدمه مؤسساتها في سبيل ذلك من وفد جديد لتلك الحالات وحثها
على التخلي والابتعاد عن تلك المرجعيات التي لا تحقق مصلحة ولا تقدم نفعاً.

لائحة الانتخابات
صوت المؤسسة الواعية
وأمام أسئلة كهذه فإن أول ما تجب مطارحته وقراءته في هذا الصدد هو اللائحة الخاصة بأنظمة وقوانين الانتخابات التي أصدرتها مؤخراً وزارة الشؤون البلدية والقروية ضمن ما تقدمه الآن من اشتغال دؤوب على تنظيم العملية الانتخابية القادمة.
واللائحة في عمومها تقوم على تفصيلات دقيقة أحياناً مثلما تدخل في عموميات أحياناً أخرى لكنها في مجملها تذهب إلى صياغة واعية واضحة وبعيدة عن الإرباك في كثير من جوانبها.
ففي الفصل الأول أول ما يمكن ملاحظته تلك المفردات الجديدة من قاموس الانتخابات الذي يغيب عن دوائرنا الحياتية واليومية، والذي يحوي من الألفاظ ما هي بحاجة إلى تعريف وتحديد مثلما هي بحاجة إلى نشر وإشاعة واسعة، وعلينا أن نبتهج أولاً بهذه القاموسية الجديدة "نطاق المجلس البلدي" "الناخب" "الترشيح" "الدائرة الانتخابية" "جدول قيد الناخبين" "قائمة المرشحين" "قيد الناخبين" "ورقة الاقتراع" وغيرها من المستجدات اللفظية التي غابت عنا طويلاً بفضل التواطؤ السابق بين ما هو اجتماعي وما هو مؤسساتي.
تحتوي اللائحة على اثنتين وثلاثين مادة تنتظمها ثمانية فصول.. يضم الفصل الأول تعريفات متعددة وإن كان بعضها من تعريف المعرّف إلا أن حداثة التجربة تحتاج إلى ذلك وتضم التعريفات بالاضافة إلى النقاط المعلومة كالوزارة والقرار الوزاري والبلدية والمنطقة تعريفات بمصطلحات انتخابية صرفة ومهمة كالناخب ونطاق المجلس البلدي والدائرة الانتخابية وجدول قيد الناخبين وغيرها. فيما يضم الفصل الثاني تحديد مواعيد القرارات وتمتع كل مواطن بالحق الانتخابي وفق شروط معينة. ويتناول الفصل الثالث الدوائر واللجان الانتخابية حيث يسفر عن ثلاث لجان هي: اللجنة العامة للانتخابات ولجنة الإشراف المحلية ولجنة قيد الناخبين فيما تكون اللجنة المسماة لجنة الانتخابات والفرز بقرار وزاري أو أكثر في نطاق كل بلدية للإشراف على تسجيل المرشحين وإجراء الاقتراع وفرز أصوات الناخبين، أما الفصل الرابع والذي جاء تحت "قيد الناخبين" والذي تضمن ايضاحاً لدور لجان قيد الناخبين كمراجعة الجداول وتحديد محاضر إجراء قيد الناخبين في أول انتخابات المجالس واختص الفصل الخامس بقيد المرشحين والذي يوضح آليات تسجيل المرشح لنفسه وتوكيله لأحد الناخبين وتناول الفصل السادس الانتخابات والفرز موضحاً أموراً كسرّية الانتخاب وآليته ومباشرة الحق الانتخابي من قبل الناخب مباشرة وساعات الانتخاب وإجراءات الفوز بالتزكية إذا لم يبلغ عدد المرشحين العدد المحدد للأعضاء المراد انتخابهم في المجلس البلدي أو إذا كان عدد المرشحين مساوياً للعدد المحدد للأعضاء انتخابهم في المجلس البلدي ومبطلات أوراق الاقتراع إذا تضمن خللاً ما وآلية الفرز وإعلان أسماء المرشحين الفائزين.
ولعل من أبرز فصول اللائحة الفصل السابع الخاص بالطعون والتظلمات الانتخابية ووجود فصل كهذا دليل انفتاح العملية الانتخابية على كل مظاهر النقد والمراجعة والتصحيح حيث ستكون لجنة في كل منطقة من مناطق المملكة تسمى "لجنة الطعون والتظلمات الانتخابية" والتي ستتكون من ثلاثة أعضاء برئاسة مستشار شرعي أو نظامي والعطف هنا تخييري بين أن يكون المستشار رجل فقه أو قانون وستختص هذه اللجنة بالنظم في الطعون والتظلمات التي يقدمها الناخبون والمرشحون والتحقق منها والفصل فيها ووجود هذه النقطة إشارة إلى بعض حقوق الناخبين والمرشحين حيث إن لكل منهم الحق في الطعن والتظلم من كل ما يراه حقيقاً بذلك وحتى هذه التظلمات سيكون قرار الفصل فيها بالأغلبية وكان يُنتظر أن تُصاغ مثل هذه الفقرة تحت فصل يضم تعريف كل من الناخبين والمرشحين بحقوقهم حيث إن وجود مثل هذا الحق دليل فعلي على أن الوزارة كمؤسسة تعي أن العملية الانتخابية يجب أن تتم وفق رؤى تتخلص من الأحادية والأحكام التي لا تقبل النقد أو المراجعة.
وقد ختمت اللائحة بفصل ثامن تضمن أحكاماً عامة حول نماذج قيد الناخبين وتسجيل المرشحين وأوراق الاقتراع وغيرها وتوصيات أخرى مختلفة.
تفكيك اللائحة
وبالنظر إلى هذه اللائحة فإنها تقدم سعياً حقيقياً من خلال الوزارة لإدارة العملية الانتخابية بعقلية مؤسساتية فكل ما في اللائحة يقدم تصوراً راقياً لمفردات وآيات العملية بالاضافة إلى وجود نقاط تدل على وعي كامل بطبيعة الأرض الذي ستحتضن هذا المنشط، فقد جاءت المادة التاسعة والعشرون من الفصل الثامن بما نصه: يحظر الإخلال بالنظام العام وتقاليد المجتمع وإثارة الفتنة أو أي نزاع طائفي أو قبلي أو إقليمي أو الإساءة إلى أي من الناخبين أو المرشحين بصورة مباشرة أو غير مباشرة كما يحظر استخدام المساجد والمرافق العامة وما في حكمهما لأغراض الدعاية الانتخابية وتصدر بقرار وزاري التعليمات المتعلقة بتنظيم الدعاية الانتخابية.
وفي هذه الفقرة من الوعي بالحالة الاجتماعية مثلما فيها من إعلان عن الذهنية التي ستقود هذه العملية حيث إن حظر الإخلال بتقاليد المجتمع إعلان عن أن تلك التقاليد وإن لم تكن مقدسة أو ممنوعة نظاماً إلا أنها تشكّل محمية اجتماعية ورؤى سائدة لا يمكن أثناء تمرير أي مشروع نهضوي أن تتم مجابهتها علناً أو المساس بها مجاهرة لأن ذلك مما يحتاج إلى حركة وعي مستقبلية هي الكفيلة بزعزعة تلك التقاليد وبخاصة ما لا يتفق منها مع النص الديني الحكيم ولا يخالف نظاماً قائماً، وهنا تبرز ذهنية المؤسسة في تعاطيها مع السائد الاجتماعي تعاطياً أمثل يقوم على عدم مصادمته وفي نفس الوقت عدم اتخاذه عائقاً أو التحجج به لإيقاف كل ما من شأنه النهوض بالحياة الاجتماعية وفتحها على مظاهر مدنية حديثة تتراجع معها الأنماط السلبية وغير المدنية. على أن اللائحة تتضمن نقاطاً تحتاج إلى كثير من الإيضاح والتبيين. وهي نقاط تتماس فيها رؤية المؤسسة بالسائد الاجتماعي وذلك كما هو في المادة العشرين من الفصل السادس والتي تقول: توقف إجراءات الانتخاب في أي مجلس بلدي ويعد المرشحون فائزين بالتزكية في الحالتين الآتيتين:
1- إذا لم يبلغ عدد المرشحين العدد المحدد للأعضاء المراد انتخابهم في المجلس البلدي، وفي هذه الحالة يعين بقرار وزاري من يلزم لإكمال العدد المطلوب.
2- إذا كان عدد المرشحين مساوياً للعدد المحدد للأعضاء المراد انتخابهم في المجلس البلدي، ويجب في كلتا الحالتين تحرير محضر بذلك يوقعه رئيس لجنة الانتخاب والفرز وجميع أعضائها.
أولاً: هذه الفقرة تعلن عن فوز المرشحين بالتزكية في حالتين وتعلن في نهاية الحالة الأولى حلاً عن طريق التعيين في الوقت الذي يمثل الانتخاب فيه لبّ المشروع يطل التعيين كبديل قائم مما قد يشي بأن الانتخاب فرع عن أصل هو التعيين الذي سيكون الحل الأولي لكل المشاكل التي تعترض العملية الانتخابية ومع أن تلك الفقرة هي دائرة المحتمل بعيد الحصول إلا أنها وإن حدثت فإنه يمكن حلها بطريقة أخرى غير اشهار التعيين كحلّ جاهز، والنقطة الأكثر غرابة في هذه الفقرة والأكثر تماساً بالمعطى الاجتماعي تلك التي تقول بفوز الأعضاء بالتزكية. والتزكية كما هو معلوم لا تقوم على أي آلية أو معيار حقيقي ومعلوم وإنما يتم أخذها وفق رؤية تقليدية تقوم على تعداد المحاسن غير المدنية والتي لا علاقة لها بمصلحة الناس بالاضافة إلى أن التزكية تعتمد على المزكّي، والمزكي مهما كانت رؤيته فإنها لن تكون مطابقة لرؤية المؤسسة ذات النظام. ثم من هو ذلك "المزكي" وما آلية اختيار المزكي أم سيتم إقامة انتخابات جانبية لاختيار المزكين الذين سيدون فراغ المادة العشرين من اللائحة.
وإن لائحة ناضجة وحضارية كهذه التي أخرجتها وزارة الشؤون البلدية والقروية ليست في حاجة إلى أن تذهب ولو قليلاً خارج التوجه المؤسساتي الذي لا يعترف بهذه الأنماط التقليدية غير المستندة على حقائق وأرقام يمكن متابعتها والتحقق من أهليتها.
اللائحة والمرأة.. صوت الموازنة
ربما نستطيع القول بلا مجازفة إن وزارة الشؤون البلدية والقروية قد أنقذت مشروع الانتخابات من أن يكون مشروعاً أعرجَ يقف على قدم واحدة وذلك حين لم تذكر أو تشر بصفتها جهة الاختصاص، بكل ما من شأنه أن يُفهم على أنه اقصاء للمرأة أو منع لها من المشاركة أو استثناؤها تحت أي مبرر، بل أن الفقرة التي يُستشف منها ذلك جاءت فقرة حضارية بعيدة عن افتعال التفريق حيث تنصّ المادة الثالثة من الفصل الثاني على الآتي:
يتمتع كل مواطن بحق الانتخاب إذا توافرت فيه الشروط التالية:
1- ألا يقل عمره في موعد الاقتراع عن إحدى وعشرين سنة هجرية.
2- ألا يكون من العسكريين العاملين.
3- أن يكون مقيماً في نطاق المجلس البلدي الذي يباشر فيه الانتخاب خلال الاثني عشر شهراً السابقة لموعد الاقتراع..
وهذه الشروط هي ذاتها التي يمكن قراءتها في أي لائحة انتخابية في معظم دول العالم المتحضرة التي لا تعترف بالاستثناءات المخلة ولا بالتفرقات المفتعلة. فالشروط حين تتحدث عن "مواطن" فإنه من العبث القول ان المقصود هنا هو الرجل فقط، لأن لفظة مواطن شاملة للرجل والمرأة. ولو عدنا إلى الوضع اللغوي للمفردة أو قسناه على مثيله فسنجد ما يدعم ذلك، ويؤيد هذا أن الشروط لم تكن مطلقة وإنما كان فيها استثناء وتقييد.. حيث استثنيت فئة العسكريين ولو كانت اللائحة مستثنية المرأة لأوضحت ذلك. وبما أن المنتظر مبدئياً أن يكون السماح بمشاركة المرأة في الانتخابات فقد فقد دلت الفقرة على ذلك نصاً فجاءت: يتمتع كل مواطن بحق الانتخاب إذاً...، ولم تذكر الترشيح لأن ذكره سيقتضي فصلاً وتوضيحاً.
وعليه فإن أي منصف يقرأ هذه اللائحة لا يمكن إلا أن يعلن عن كبير عرفان وامتنان للعمل القيادي ممثلاً في وزارة الشؤون البلدية والقروية والتي قدمت نموذجاً في العمل المؤسساتي الذي يحتكم إلى ثقافة المؤسسة ليس كجهة تنفيذ فقط وإنما كجهة تشريع وتطوير واصلاح. وهذا هو المنتظر من واحدة من أكثر الوزارات ارتباطاً بحياة الناس واقتراباً من قضاياهم اليومية. ولو أن هذا الوعي الذي يوازن بين دور المؤسسة والموقف من المجتمع والمسؤولية تجاهه يكون حاضراً لدى كل الوزارات أو الجهات المعنية لكان أثمر ذلك من النهوض بالحالة الاجتماعية وادخالها في دوائر أكثر حيوية وتطوراً. وإلى ذلك فإن استثناء المرأة من عملية هي لها مثلما هي لغيرها استثناء بلا مبرر على الاطلاق، والإقدام على ذلك هو نوع من خضوع المؤسسات التي يمكن أن تصور مثل هذا القرار لذهنية بعض الشرائح الاجتماعية ذات الرؤى التقليدية والتي لا تتفق مع أبسط أدوار المؤسسات وواجباتها. ثم أن الانتخابات نشاط يقوم على المشاركة الوطنية ومن غير المعقول أن تتم مشاركة وطنية مع وجود تفرقة غير إنسانية.


أسئلة انتخابية؟
1- ما الأعمال التي سيباشرها الأعضاء المنتخبون في المجالس البلدية.
2- ما الفرق بين أدوار أعضاء مجالس المناطق والمجالس المحلية وبين الأدوار المنتظرة لأعضاء المجالس البلدية المنتخبة.
3- إذا كانت الأدوار المعلنة للمجالس المحلية هي تطوير المناطق ورصد احتياجاتها وهو نفس الدور المنتظر من أعضاء المجالس البلدية القادمين فكيف يمكن فض هذا التضارب في الأدوار والوظائف.
4- هل لدى الوزارة أجهزة رقابية لمتابعة ما قد يحدث من مخالفات كشراء الأصوات أو قيام التحزبات على أساسات غير مدنية!
5- ماذا يمكن أن يقدم المترشّحون في حملاتهم الانتخابية إذا كانوا لا يعرفون إلى الآن تحديداً ما الدور المنوط بهم.
6- هل تمثل اللائحة الانتخابية نصاً ثابتاً ام انها ستكون سانحة للقراءة والمراجعة.
7- تطرقت اللائحة الى بديهيات وفسّرت المفسر احياناً لكنها لم تتطرق إلى المدة التي سيشغلها الأعضاء المنتخبون ولا إلى الدورات الانتخابية القادمة!