يوسف ضمرة: من يقرأ الأهداف لأي اتحاد أدبي عربي, يشعر بارتياح بالغ, ولا نغالي في القول إن أهداف أي اتحاد تفوق في طموحها مقدرة الدولة القطرية العربية, وتتعدى السياسات الثقافية للدولة! فرابطة الكتاب الأردنيين مثلاً تهدف - في نظامها الداخلي - الى تنشيط الحركة الفكرية والأدبية وتوسيع قاعدتها والعمل على توسيع دائرة القارئ الأردني وتعميق ثقافته الفكرية! وليس هذا سوى واحد من جملة الأهداف التي لا تقل سمواً ونبلاً وأهمية!
أما كيف تحقق الرابطة أو أي اتحاد ذلك, فهذا ما لمسناه في الآونة الأخيرة...
لقد اكتشفنا بالتجربة الحية, والممارسات اليومية, أن هذه الأهداف التي تتسلح بها الاتحادات العربية قد تحولت قناعاً يختبئ خلفه نفر من المتطفلين على الثقافة والأدب, ونفر من المتسلقين والهامشيين الذين لم يستطيعوا من خلال ابداعاتهم أن يطبعوا ملامحهم على خريطة الثقافة والأدب, اضافة الى ذوي الميول السلطوية, وهذا ما أحب أن أتناوله في هذا السياق... فقد لمسنا في الآونة الأخيرة أن بعض الاتحادات العربية تحولت الى محاكم تفتيش, ومخافر للشرطة, وتحولت المجالس الإدارية فيها الى قضاة وجلادين!
فقد استحدثت رابطة الكتّاب الأردنيين مثلاً هيئة جديدة تسمى (المجلس التأديبي), ومهمته إحالة عضو الرابطة بشكوى من أي زميل آخر الى التحقيق, واصدار القرارات التي تراوح ما بين تجميد الكاتب وفصله من الرابطة, حتى لو كان الأمر متعلقاً بإهانة شخصية من كاتب الى آخر, وقد حولت إحدى الكاتبات فعلاً الى هذا المجلس استناداً الى ما ذكرناه!
والسؤال هو: لماذا يحدث هذا في هيئات يفترض أنها منابر للدفاع عن الحرية والديموقراطية؟ وكيف تتحول هيئة ادارية منتخبة ديموقراطياً الى سلطة قمعية بين لحظة وأخرى؟
من الصعب القطع بإجابة محددة, ولكن ليس من الصعب قراءة البنية الثقافية العربية والمؤثرات التي خضعت لها...
لقد فشلت النخب الثقافية والسياسية العربية على مدى عقود من الزمن في نشر ثقافة الحرية والعدالة والديموقراطية, وكان لهذا الفشل أسبابه الموضوعية والذاتية...
فهذه النخب - موضوعياً - لم تجد مناخاً يتيح لها العمل بحرية في ظل سلطة سياسية عربية استبدادية, وفي ظل بنية اجتماعية قبلية مكبلة بأسطورة الإطار التي أشار اليها المفكر كارل بوبر في كتابه الذي يحمل الاسم ذاته... وأسطورة الاطار تعني في المقام الأول الدخول الى العالم بمسلمات متوارثة تشكل منطلقاً أساسياً للحوار والمعرفة. وبذلك فهي تشكل منهجاً غير نقدي على الإطلاق...
وفي ظل عجز هذه النخب عن تجاوز الواقع, أو التأثير فيه سياسياً وثقافياً وفكرياً, تشكل لديها هاجس رئيس جديد تمثل في البقاء أولاً بأي صورة كانت. وهكذا سلكت نهجاً جديداً يمكن وصفه بالتصالحي... أي غير النقدي, وبالضرورة غير الثوري!
ليست مصادفة أبداً أن تحتوي السلطات الرسمية الأحزاب العربية, وليست مصادفة أن نشهد انتقال الكثير من المثقفين والكتّاب والسياسيين من صفوف المعارضة الى مواقع السلطة, وليست مصادفة إذاً أن تقفز الهيئات الإدارية أخيراً في الكثير من الروابط والاتحادات الثقافية والأدبية العربية عن الدور المسمى لها, وأن تتحول شكلاً جديداً من أشكال السلطة العربية الاستبدادية! أي أن تقوم بإعادة انتاج السلطة في أبشع صورها!
وللتدليل إلى ما ذهبنا اليه, فإن الهيئات الإدارية في هذه الاتحادات تقوم باحتضان كتّابها ومثقفيها وابرازهم, بغض النظر عن مدى أهمية انتاجهم الأدبي والثقافي, وهو الأمر الذي تمارسه السلطة العربية منذ نشأتها... ورذا كانت السلطة العربية قادرة على سجن الكتّاب ونفيهم, فقد تمكنت بعض الاتحادات العربية أخيراً من ممارسة هذه الأدوار في صور عدة, كالتجميد والفصل, ناهيك عن التعتيم الذي تمارسه هذه السلطة الثقافية على الكتّاب الآخرين الذين ينتمون الى مواقع مخالفة!
وبعد, فهل نحن حقاً في حاجة الى مؤسسات ثقافية تعيد انتاج السلطة؟ وهل تشكل هذه المؤسسات ميداناً رحباً للعقل النقدي الضروري للمعرفة والتجاوز والتقدم؟ أم أنها باتت تشكل حقبة حقيقية أمام الإبداع؟
لست في عجلة للإجابة, لكنني أدعو الى وقفة نقدية ضرورية لهذه الاتحادات والروابط وما وصلت اليه, فربما - وأشدد عليها - تمكن البعض من اقتراح حلول للمشكلات البنيوية التي تعيشها هذه الاتحادات, مع التأكيد على ان اقتراح الحلول جزء من عملية المعرفة, فحتى لو لم نتوصل الى الحلول الصحيحة ذاتها, فإن الحوارات والنقاشات سبيل صحيح للتعلم واكتساب المعرفة والخبرات الضرورية اللازمة لوضع العقل العربي على طريق النقد!
التعليقات