واشنطن من دوغلاس جيل وبرادلي غراهام وجوش وايت: حملت لجنة تحقيق اميركية مستقلة كبار المسؤولين العسكريين والمدنيين في وزارة الدفاع الاميركية (البنتاغون) مسؤولية الإخفاق في ممارسة اشراف كاف على السجون العراقية التي أدارتها القوات الاميركية خلال فترة الاحتلال، وبخاصة سجن ابو غريب قرب بغداد، معتبرة ان هذا الإخفاق وكذلك الخطة غير الدقيقة لحرب العراق التي لعب مكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد دورا أساسيا في صياغتها، سمحا بنشوء الظروف التي ادت الى ممارسة الانتهاكات ضد المعتقلين في هذه السجون.
ووجدت اللجنة التي تضم أربعة أعضاء ويترأسها وزير الدفاع السابق جيمس شليسنجر أن أفعال رامسفيلد أسهمت في التشوش بشأن الأساليب المسموح باستخدامها في عمليات التحقيق مع السجناء في العراق، لكنها اعتبرت ان استقالة رامسفيلد من منصبه على خلفية هذه القضية ستكون خطأ.
وتوصلت اللجنة في القسم الثاني من تقريرها الذي أعلن أول من امس الى أن رؤساء الأركان وقادة دفاعيين كبارا في منطقة الخليج قللوا في البداية من شأن الحاجة الى عاملين في مجال أماكن الاحتجاز في إعداد خطة ما بعد الحرب في العراق وأهملوا التحرك بسرعة تكفي لتوفير مثل تلك القوات عندما كانت الحاجة واضحة العام الماضي. وأوردت اللجنة ما سمته إخفاقات رئيسية من جانب رامسفيلد ومساعديه في عدم توقع وقوع تمرد بعد الغزو في العراق والرد على ذلك بصورة سريعة. واذ يصدر التقرير عشية مؤتمر الحزب الجمهوري فان هذا الاستنتاج لا يتوقع له أن يكون موضع ترحيب في البيت الأبيض حيث مشكلات ما بعد الحرب في العراق ربما تمثل المسؤولية السياسية الأكبر للرئيس جورج بوش. ونادرا ما يذكر التقرير الوزير رامسفيلد بالاسم، مشيرا بدلا من ذلك في معظم الأحيان، الى «مكتب وزير الدفاع». ولكن كنقد حاد لتخطيط ما بعد الحرب في العراق فانه يمثل الاتهام الرسمي الأكثر وضوحا حتى الآن لعملية تعتبر الى حد كبير في نطاق عمل رامسفيلد وكبار مساعديه.
وقال شليسنجر في عرضه نتائج عمل اللجنة في وزارة الدفاع أول من أمس ان «أية مؤسسة دفاعية ينبغي ان تتكيف بسرعة للظروف الجديدة عند ظهورها، وفي هذه الحالة كنا بطيئين، على الأقل في قرار أعضاء هذه الهيئة، في التكيف وفقا لذلك بعد أن بدأ التمرد في صيف عام 2003».
وقالت اللجنة انه ابتداء من أواخر عام 2002 مهد رامسفيلد والعاملون معه المسرح لبيئة أصبحت فيها الانتهاكات لاحقا واسعة الانتشار. وقد فعلوا ذلك أولا عبر زرع التشوش بشأن ما هو مسموح به من أنماط أساليب التحقيق، ثم عبر الإخفاق في التخطيط لكثافة التمرد بعد الغزو، وأخيرا عبر التأخر لفترة أشهر في إرسال التعزيزات لمساعدة الحراس الأميركيين في سجن أبو غريب على مواجهة العدد المتضخم من السجناء.
ووضعت اللجنة جانبا القضية الأوسع المثيرة للجدل حول ما اذا كان رامسفيلد قد أرسل ما يكفي من القوات الى العراق. وركزت بدلا من ذلك على ما وصفته قلة العاملين في الشرطة العسكرية الذين كانت نسبتهم واحدا الى كل 75 من السجناء في أبو غريب، وفي مكاتب الجنرال ريكاردو سانشيز الذين كان عددهم البالغ 495 يشكل حوالي ثلث العدد الإجمالي.
وخلال الاشهر الأربعة منذ الكشف عن انتهاكات أبو غريب أول مرة طالب بعض منتقدي رامسفيلد باستقالته كإشارة إلى المسؤولية التي وعد وزير الدفاع نفسه بأنه يتحملها. ولكن بينما سجلت اللجنة كل اخفاقات القيادة المدنية والعسكرية فان جميع أعضاء الهيئة الأربعة قالوا ان أخطاء رامسفيلد أقل شأنا من أخطاء الضباط النظاميين، وانه يجب أن لا يرغم على ترك منصبه بسبب ما وصفوه أخطاء إغفال أساسا.
بل ان أعضاء اللجنة خرجوا عن مسارهم ليثنوا على رامسفيلد لمحاولته تفادي الانتهاكات عبر توجيه موظفيه ابتداء من أواخر عام 2002 لاعداد قواعد للتحقيق في المعتقلات الأميركية في خليج غوانتانامو بكوبا.
ولكنهم قالوا ان التشوش حول تلك القواعد التي أعيدت صياغتها مرات عدة كجزء من جدل حاد في وزارة الدفاع بدون إشراف كاف من جانب وحدات استخباراتية عسكرية نقلت من كوبا الى الشرق الأوسط.
وردا على نتائج تحقيق اللجنة قال رامسفيلد في وقت لاحق من اليوم ذاته «قلنا منذ البداية اننا سنرى ان هذه الحوادث قد جرى التحقيق بها بصورة كاملة والتوصل الى نتائج والقيام بتصحيحات والإعلان عن ذلك».
ووصفت تيلي فولر العضو الآخر في اللجنة والنائبة الجمهورية السابقة في الكونغرس عن فلوريدا، مهمة اللحنة بأنها اكتشاف «كيفية حدوث هذا الأمر ومن الذي سمح بحدوثه» وهو إشارة الى الانتهاكات التي اعلن عنها في ابريل (نيسان) عبر نشر الصور سيئة الصيت.
وكانت الانتهاكات التي تضمنتها تلك الصور أساسا من فعل مجموعة صغيرة من الجنود وبينهم الأفراد السبعة من وحدة الشرطة العسكرية المتهمين بارتكاب الجريمة. وقالت فولر «اكتشفنا سلسلة إخفاقات تصل الى ما هو أبعد من جناح سجن معزول في العراق»، مضيفة «اكتشفنا إخفاقات أساسية في كل مستويات القيادة من الجنود على الأرض حتى القيادة الوسطى ووزارة الدفاع. وساعدت أخطاء القيادة هذه على خلق الظروف التي سمحت لممارسة الانتهاكات بالحدوث».
وفي معالجته الدور الذي لعبه رامسفيلد خصوصا، أكد تقرير اللجنة على قرارات وزير الدفاع ابتداء من الثاني من ديسمبر (كانون الأول) 2002 والتي تفوض باستخدام 16 من إجراءات التحقيق الاضافية في خليج غوانتانامو أكثر شدة من الأساليب الـ 17 المقرة منذ زمن بعيد كجزء من الممارسة العسكرية المألوفة. وفي الشهر التالي واستجابة لانتقادات من البحرية ألغى رامسفيلد أغلبية الاجراءات المقرة وأكد على أن الأساليب الأكثر شدة لا تستخدم الا بتفويض منه. وقال التقرير انه لم تصدر اية أساليب مقرة لاستخدامها في غوانتانامو حتى 16 ابريل 2003 .
وأضاف التقرير انه «لو ان وزير الدفاع كانت لديه طائفة واسعة من آراء قانونية وجدالات فعالة في ما يتعلق بالسياسات والعمليات الخاصة بالمحتجزين فان سياسته في 16 ابريل 2003 ربما كانت قد تطورت وصدرت في أوائل ديسمبر 2002».
وفي اطار التخطيط لفترة ما بعد الحرب، حملت اللجنة وزارة الدفاع المسؤولية عن زعمها بأن المشاكل التي ستجري مواجهتها في العراق بعد غزو اميركي واسع النطاق ستكون محدودة ومقتصرة على قضايا اللاجئين التي أعقبت حرب الخليج المحدودة عام 1991.
وقال التقرير انه في الصيف الماضي كما بات واضحا «بشأن وجود تمرد واسع متزايد في العراق» فان قادة كبارا في الجيش ووزارة الدفاع «كان عليهم أن يتحركوا لتلبية الحاجة الى قوات شرطة عسكرية إضافية» للمساعدة في حراسة السجناء في أبو غريب خصوصا.
وأوضحت الهيئة رأيها من أنه كان ينبغي ردم الهوة في أكتوبر (تشرين الأول) أو نوفمبر (تشرين الثاني) الماضيين من جانب رامسفيلد ومساعديه.
وقال التقرير ان «حكم هذه اللجنة هو انه في المستقبل يتعين على مكتب وزير الدفاع، اذا ما أخذنا بالحسبان حساسية المهمة، يتوثق من عدم ظهور تقصيرات جدية في مهمات الاحتجاز والتحقيق».
من ناحية أخرى تستأنف محكمة عسكرية الأسبوع المقبل جلستها للنظر في اتهامات موجهة الى المجندة ليندي انغلاند التي أظهرت صورها المنشورة مع سجناء عراقيين عراة انها في مركز فضيحة انتهاكات السجناء في أبو غريب.
- آخر تحديث :
التعليقات