لم تمض ساعات قليلة إلا وغادرت فتاتان سعوديتان المطعم في مدينة سيهات من الباب الخلفي بعد ان جاءت الشرطة ورجال البلدية وأغلقوه عقابا لثلاثة ايام وطردوا الفتاتين بدعوى مخالفة اللوائح النظامية.
العذر الرسمي ان الموظفتين لا تحملان شهادة صحية كما ينص النظام، أما السبب الذي يعرفه الجميع فهو ان المنع ضد عمل المرأة في محل تجاري كهذا المطعم.
قبل خمسين سنة، استقلت سيدة سوداء في ولاية ألباما الاميركية حافلة كعادتها، إلا انها في تلك المرة جلست في اول مقعد شاغر ليهب السائق طالبا منها ان تنتقل الى حيث يجلس السود، فلا يجلس في المقدمة إلا البيض فقط وفق نظام الولاية. رفضت تغيير مقعدها، كما رفضت النزول من الحافلة، ودار نزاع انتهى في المحكمة ليعلن القاضي أخيرا ببطلان الفصل العنصري.
وهنا نرى امرأة تريد ان تعمل في مكان عام، وفق ضوابط مناسبة، بعيدا عن الاختلاط، ورغم هذا كله تطرد من عملها بدعوى شكلية يعرف الجميع انها غطاء لمنع المرأة، وفيه تمييز هو ضد الأصل الإسلامي: الإباحة فيما لا تحريم صريح فيه، وضد ألف عام من تقاليد المرأة السعودية التي كانت تعمل في الأسواق جهارا في كل مناطق المملكة. لذا ما يحدث الآن من غلو يجعل ما كنا نعرفه ونألفه في المملكة قبل عشرين عاما يبدو كما لو كان عصر كفر، تحديدا في مسائل اجتماعية دخلها إفراط في التشدد، وهو تشدد ينسجم أولا مع حالة الإرهاب الفكري الذي أدى أخيرا الى الإرهاب السياسي والأمني، كما نراه.
هل يدلنا هؤلاء الذين يريدون المزيد من الإقفال على الأبواب حول ما ينوون فعله مع تضاعف عدد السكان وتناقص أعداد الوظائف وقصور مرتب الرجل عن إعالة بيته؟ كيف يمكن حل هذه المعضلات التي تزداد إلحاحا في طرح نفسها، وما لجوء سيدتين للعمل إلا تلبية لهذه الحاجة؟
ان المسؤولية بالدرجة الاولى تقع على المتنورين من الفقهاء الذين يعرفون خطأ ما يحدث ويصمتون عن إصلاحه. فالمسألة الاجتماعية، كممارسات، ربطت تعسفا بذرائع دينية لا أنظمة حكومية، وإن كانت النظم هي الأخرى عقبة كما رأينا في هذه الحادثة. فبصمتهم على غلو فئات في المجتمع يوصلون الجميع إلى طرق مسدودة. فما هي الحلول العملية للمجتمع؟ هل في جعبتهم مائة مليار دولار أخرى ينوون تعويض العاطلين من الرجال والقاعدات في بيوتهن من النساء؟ ان تردي الوضع المعيشي، بسبب حرمان أفراد العائلة من نساء ورجال من تحسين أوضاعهم في ظروف دائما كانت مشروعة وشرعية، فيه تعجيز لما هو معقول أو مقبول.
- آخر تحديث :
التعليقات