القاهرة - سيد رزق: يشكل الاديب المصري محمد مستجاب ظاهرة ادبية متفردة في ابداعه المكتوب، وابداعه اللحظي المثير للدهشة في التعليقات والمداخلات والاسئلة وطريقة التعامل حتى المظهر، للدرجة التي تجعلك تعتقد انك امام انسان استثنائي، هذه التركيبة المعقدة من خشونة المظهر، وحدة الذكاء، وطلاقة اللسان وحمية الطباع، وتلقائية التواصل، وعمق المعاني، هي ما دفعت النقاد للقول بأنه لا توجد مسافة بين ذاته وكتاباته.

وعلى مدى مشواره الذي بدأه منذ منتصف الستينات من القرن الماضي قدم العديد من الاعمال الادبية المهمة لعل اشهرها اثارة «ديروط الشريف» و«التاريخ السري لنعمان عبدالحافظ» و«قيام وانهيار آل مستجاب»، حتى آخر رواياته «مستجاب الفاضل».
وفي الحوار التالي محاولة للاقتراب من عالمه الفني.

gt; سألته: لماذا اللجوء الى تخليق الاسطورة والموروث الديني والشعبي في معظم اعمالك حتى روايتك الاخيرة «مستجاب الفاضل؟».
- بداية انا لا اخطط قبل الكتابة، ولا اعلم اذا كان ما اكتبه سيخرج اسطورة ام قصة معاصرة، لأنني ببساطة اكتب بتلقائية مثل لعبة «التحطيب» عندنا في الصعيد، اذا تحرك احد المحطبين شمالا يمينا، يتحرك الثاني في الاتجاه المضاد له، حركة لا يدخل فيها العقل، انما الحس الداخلي هو الذي يستشعر ان ثمة خطرا سيحدث، وهكذا نحن ابناء الريف نتمتع بهذا الحس.
كما انني لا اعترف بدعوى كتابة «اليومي والمجاني»، وهي كتابة تمثل طائفة عظمى من الكتاب الذين يهدرون معنى الكتابة، بحثا عن السهل، أليس من الافضل ان تحمل كتاباتي تضاريس البلد، وحضوره وافكاره؟ لماذا لا اجعل العرق يسيل وسط السطور، ولماذا لا اجعل التاريخ قائما في اعمالي. وهل يجوز لأحد ان يسألني لماذا فعلت ذلك.

gt; وما الجديد الذي تقدمه في روايتك الاخيرة «مستجاب الفاضل»؟
- انا لا ابحث عن الجديد في المطلق، وانما اكتب عن اناس حقيقيين اعرفهم، فنعمان عبدالحافظ الذي كتبت عنه روايتي شخص حقيقي، بل انه يمت لي بصلة قرابة، وهو رجل فقير جدا وصلته مقطوعة بالناس جميعا، لا يكاد احد يذكره، فانتبهت لهذا الرجل المنسي من الجميع وقررت الكتابة عنه.
كذلك الكتابة عن آل مستجاب التي اسماها الناقد علاء الديب «خبرة حياتية» نعم، هو موروث لعملك ولحسابك وهو غير التجربة الشخصية، فهي نجاح او فشل او معرفة خاصة بدقائق المسائل او بهذا العالم.
كذلك عندما بدأت الكتابة وجدت كل الاصدقاء يكتبون عن ابطال جديرين بالاحترام، ملحميين، وبدت لي رغبة في ان اضيء شيئا آخر، ان اضرب فكرة البطل الذي يفعل المعجزات.
لقد عملت ضد البطل الايجابي ذي الشعارات، واشتغلت ضد الجماعة التي تستولي على كل عطف الكتابة، ثم هناك حقائق الحياة في الصعيد بالتحديد التي يمر عليها الكتاب مرورا سياحيا، لذا أتصور ان ما اقدمه شيء آخر.

gt; في اعتقادك ما الذي يميزك عن ابناء جيلك؟
- هناك شيء مهم، لقد خرجت من جيل كئيب يعبر عن كآبته، كل كتاب جيلي «يحيى الطاهر عبدالله وابراهيم اصلان وغيرهم»، يعبرون عن اشياء حزينة شديدة الكآبة والضياع، والجزء الوجودي يكاد يكون حادا عندهم، لم يعبر احد منهم عن هذا الحزن بنوع من التسامي او المرح، وهذا ما جعلني اكتب بسخرية.

gt; ألا تخشى من طغيان لغتك الساخرة على الفن القصصي او الروائي؟
- هناك خطر واحد لم يحدث معي حتى الآن، ان تستدرجني اللغة، فتصبح تعبيرا لغويا عن حالة لا يمكن ان تصل عن طريق اللغة، فبدلا من ان تصبح اللغة اداة توصيل، تصبح اداة جمالية منفصلة، انا لم يحدث معي هذا.

gt; لماذا؟ هل انت واع بهذا الخطر؟
- واع تماما واعرف كثيرين استخدموا اللغة فجردوها من الحدث والقوة الدافعة ما بين نقطة دم ودماء، وبين سن السكين وامعاء تضيع. اذا فقدت اللغة قدرتها تصبح حركة صوفية، وهذا صعب وانا منتبه له.

gt; يعتبرك البعض احد المجددين في القصة القصيرة فما الاضافة التي تراك قد احدثتها؟
- انا لا استطيع ان اقول ماذا اضفت، لست اعلم بما قد اكون احدثته في القصة وشكلها، هذا الكلام يقوله ناقد، ولست انا، فأنا لا احب ان اقول انني احدثت عملا او فعلت كذا حتى لا أثير تعاطف الآخرين لأسباب ليس لها علاقة بالابداع. انا احب دائما ان ينزل النص «عريان» من دون صاحبه ثم يستقبل القارئ.

gt; هل هناك شيء ما تحرص عليه وانت تكتب؟
- في كل اعمالي احرص دائا على ألا اكون مبتذلا او ان يتخللها اي شيء غير مهذب حتى العلاقات الجسدية التي قد تكون موجودة في قصة لي لن تجد ما يخدش الحياء، شأنها شأن الموسيقى، فكل الموسيقى الشرقية الاصيلة او الكلاسيكية التي ورثناها لا مجون فيها.
اما موسيقى الكباريهات فهي مثل القصص والمسلسلات التافهة التي تستهلك وتضيع قبل اكتشافها.