ان من ابرز مخاطر ظاهرة مقتدى الصدر انه تحول الى نموذج لفكرة الحكم السياسي بتفويض الهي على غرار ما كان موجودا في عصر الظلمات في العصور الوسطى في اوروبا عندما كان الامبراطور يحكم بصفته «ظل الله» في الارض، فهذا الشاب لا تربطه اية علاقة حقيقية لا بالموضوع السياسي أي انه لم يكن موجودا على الساحة السياسية خلال فترة عمل المعارضة للخلاص من نظام الحكم السابق، كما انه لم يكن في يوم من الايام رجل دين مثلما تصفه بعض وسائل الاعلام العربية والدولية، وعلاقته بالمرجعية الدينية الشيعية ليست جيدة على الاطلاق «مرجعية الصدر هو اية الله كاظم روحاني المقيم في النجف»، وكان من ابرز اعماله، وفي اعقاب سقوط النظام السابق اغتيال رجل الدين المستنير السيد عبد المجيد الخوئي وعلى باب الصحن الحيدري في النجف في سابقة خطيرة ادانتها المرجعية الشيعية على لسان اية الله السيستاني، كما انه سارع بعد سقوط النظام السابق الى الاستيلاء وبقوة الغوغاء والعناصر المسلحة على الصحن الحيدري وعبث بمقتنياته الثمينة، وسرق هو وانصاره الكثير من تلك النفائس وهذه السرقات هي التى تمنع رجال المرجعية من استلام الحضرة المشرفة «سدنة الصحن ومنذ القرن التاسع عشر هي عائلة الرفيعي والذي كان يتولى مهمة الاشراف على الحضرة العلوية هو المهندس رضوان كليدار».
لقد تحول البرنامج العدمي لمقتدى الصدر والمتمثل فقط بمحاربة الحكومة العراقية الجديدة والقوات الاميركية الى برنامج تدميري للعراق وبدات دعوات تفجير انابيب النفط ومولدات الطاقة الكهربائية، وخطف الابرياء ونحر المختطفين وقطع الطرق على الناس العاديين من عراقيين وغيرهم و تقسيم العراق وفصل الجنوب الشيعي عن بقية اجزاء العراق، تحول هذا ا لبرنامج الذي يمارسة الصدر على ارض الواقع وكانه اوامر الهية، وتحول الصدر وبرؤيته تلك وكأنه «ظل الله» في الارض وذهبت التيارات الاسلامية والقومية في العراق وفي خارج العراق الى تاييد هذا النهج الخطير وهذا البرنامج المدمر لاعتقادهم ان مثل هذه الاساليب هي القادرة على هزيمة المشروع الاميركي في العراق وهي القادرة على اخراج القوات الاميركية منه.
ان ظاهرة مقتدى الصدر بمستوى سوء ظاهرة ابو مصعب الزرقاوي فالاثنان يمثلان حالة السطوة باسم الدين على العقل والسلوك، وحالة الاساءة الكبرى الى روح الدين الاسلامي السمحة، ولذا فان خطورة مقتدى الصدر على العراق ومستقبله لا تكمن فقط من خلال عمله على غرس روح العنف والارهاب المبرمج والممنهج باسم مواجهة الاحتلال بل تذهب الى ما هو اخطر من ذلك وهو اعتبار السلوك الارهابي والاعمال العدمية والتورط في مشروع تقسيم العراق هي اوامر الهية وهي اعمال خير بانتظار ظهور المهدى المنتظر بل ومن اجل تعجيل ظهوره.
ان ظاهرة الصدر لا تعمل فقط على تقويض المشروع الوطني العراقي الذي اخذ يتبلور كبديل سلمي لغياب نظام صدام حسين، بل اصبحت هذه الظاهرة خطرا حقيقيا على وحدة ومستقبل الوطن العراقي بعد ان اخذت عناصر ما يسمى بجيش المهدي تسعي الى فصل الجنوب العراقي «البصرة والعمارة والناصرية» عن بقية اجزاء العراق.
ان وهم الشعور بنشوة مقاومة القوات الاميركية وتحول البعض من النخب العربية المثقفة الى مساندة ظاهرة الصدر العدمية والانفصالية بسبب تلك المواجهة، هو خطر اخر من اخطار ظاهرة الصدر، فالعراق الموحد المستقر يجب ان يكون هو الهدف الذي تسعي من اجله النخب العربية المثقفة وليس العراق المدمر على غرار افغانستان زمن طالبان او لبنان زمن الحرب الاهلية.
لقد نجح الصدر في توفير خطاب ديني وسياسي مزيف، استثمر فيه كراهية الاحتلال بلغة الدين ولكنه تعمد في ذلك الخطاب اخفاء أي شئ له علاقة بالوطن العراقي ومستقبله وطبيعة هذا المستقبل وابرز ملامحه على العكس تماما لخطاب حكومة الدكتور اياد علاوي الذي حدد بكل وضوح ان عراق المستقبل هو عراق موحد وحر وديمقراطي ولكل العراقيين وان العملية السياسية الجارية هي طريق الخلاص من الاحتلال وليست السيارات المفخخة واختطاف الابرياء ونحرهم، الصدر لا يجرؤ على الخوض في مستقبل العراق لسبب بسيط لانه لا يملك الا رؤية طائفية وانفصالية للعراق.