بغداد ـ من علي العبيدي: اصبح الفساد الاداري في دوائر الدولة في ظل الاحتلال الامريكي للعراق ظاهرة مستشرية اامتدت جذورها في انحاء كيان الدولة العراقية وتهددها بالانهيار بعد ان بلغت مرحلة اصبحت الحكومة المؤقتة وسلطات التحالف تعترف بوجودها وتشكل تنظيمات ادارية وقانونية في محاولة للحد منها.
ويبين المقاول علي عبد علي عضو اتحاد المقاولين العراقيين بان ظاهرة الفساد الاداري في العراق التي بدأت بالظهور في العراق كاحد افرازات الحصار الاقتصادي الذي فرضته الولايات المتحدة علي العراق في عام 1990 ودام ثلاث عشرة سنة عقب غزو الكويت، حيث كانت الضغوط الاقتصادية علي الشعب العراقي هائلة وتركت بصماتها العميقة مما شجع بعض الموظفين علي تقبل الرشوة والتساهل في اداء الواجب وضعف المتابعة، وبعد وقوع الاحتلال تأمل الكثير من الناس ان يتم الحد من هذه الظاهرة الا ان ذلك كان مثل بقية الامال التي انكشف للعراقيين فيما بعد بانها لم تكن سوي سراب. واضاف بان الوضع لم يتحسن بل اصبح اسوأ من قبل بسبب ضعف اجهزة الدولة والانفلات الامني وعدم احترام المواطنين للحكومة التي تسيرها قوات الاحتلال.
واكد السيد علي ان اسلوب قوات الاحتلال في ادارة الدولة وخصوصا في المراحل الاولي للاحتلال قد ساهم بشكل كبير في استشراء الفساد الاداري من خلال التخبط في الاجراءات الادارية ومنها تعطيل كافة دوائر الدولة العراقية المهمة وتشكيل دوائر حديثة ولعدم معرفة تلك السلطة لطبيعة المجتمع العراقي والآلية التي تسير عليها اجهزة الدولة في تنفيذ مشاريعها ولجهل القيادة العسكرية الامريكية بالامور الادارية، وهذا كله شجع بعض ضعاف النفوس من العراقيين علي استغلال ثغرة قلة معرفة سلطة الاحتلال للسياقات الادارية للدولة العراقية التي مضي عليها فترة طويلة من الخبرة.
ولرغبتها في القيام ببعض المشاريع الضرورية فقد كانت قوات الاحتلال مثلا تعطي بعض المشاريع والمقاولات لعراقيين متعاونين معها ليس لهم خبرة كافية وبمبالغ خيالية اكبر بكثير من القيمة الحقيقية لها مما شكل هدرا كبيرا في الاموال العامة العراقية، كما عجزت عن متابعة تلك المشاريع بعد انجازها للتأكد من مطابقتها للمواصفات الفنية المطلوبة مما شجع اولئك المقاولين علي اتمام اعمالهم بشكل سريع وغير صحيح اظهر فشلها سريعا.
اما المهندس عبد الكريم الدليمي (39 عاما) الذي يبحث عن وظيفة في دوائر الدولة منذ سنوات فيشير الي انتشار المحسوبيات والرشاوي في دوائر الدولة بشكل لم يتعود عليه المجتمع العراقي وادت الي ضياع حقوق المواطنين، فلا يستطيع المواطن ان ينجز المعاملات الاعتيادية في الدوائر او يحاول الحصول علي وظيفة دون ان يكون محل ابتزاز من الموظفين المسؤولين فيها مما يضطره الي اللجوء للرشاوي او المحسوبية والعلاقات الشخصية مع منتسبي تلك الدوائر او يضطر الي الانتماء لاحد الاحزاب الرئيسية في الحكومة المؤقتة التي تتقاسم الوزارات لضمان الحصول علي الوظيفة المطلوبة.
واكد الدليمي انه رفض سابقا الانتماء لحزب البعث ويرفض الان الارتباط باي تنظيم سياسي او ديني مقابل الوظيفة، مضيفا بان الموظفين والمسؤولين في الدوائر الحكومية لم يعودوا يخافون حين يطلبون الرشوة كما كان يحصل قبلا بل اصبحوا يساومون المواطنين ويفرضون مبالغ عالية مقابل بعض الخدمات ومنها مثلا مبلغ 150 دولارا مقابل منح جواز السفر او الانتظار المهين لعدة اسابيع للحصول عليه، وكذلك خدمة الهاتف حيث يتعمد عمال دوائر الهاتف تعطيلها ولا يعيدون الحرارة اليها الا بعد دفع مبلغ قد يصل الي 100 الف دينار وحسب موقع الهاتف وامكانية صاحبه، بل ان عمال نقل النفايات لا ينقلونها من المناطق السكنية ويتركونها تتجمع امام البيوت اذا لم يدفع السكان مبلغا مقررا في كل مرة يحضر فيها العمال الي المنطقة، ونفس الحال يتكرر مع اغلب دوائر الدولة الاخري. ونبه الي ان احد اسباب انتشار الفساد الاداري هو ان 90 % من المسؤولين والوزراء والمدراء في الدوائر الحكومية هم جدد في مواقع المسؤولية بعد استبعاد المسؤولين السابقين في الدولة بحجة كونهم من اتباع النظام السابق او لان المسؤولين الجدد تم تعيينهم لمجرد كونهم يمثلون الاحزاب الرئيسية التي تقود الحكومة ضمن اسلوب المحاصصة البغيض وذلك بغض النظر عن كفاءاتهم وخبراتهم وقدراتهم القيادية مما سبب هدرا اضافيا للكفاءات الادارية العراقية التي تراكمت خبراتها علي مدي وقت طويل واثبتت جدارتها في التعامل مع مختلف الظروف.
ويتطرق الموظف هادي الجبوري من وزارة المالية بان تفشي الفساد الاداري في الدوائر الحكومية وصل الي درجة مستفحلة يصعب معها السيطرة عليها وبعد تكاثر شكاوي المواطنين الي المسؤولين وفي الصحف المحلية.
فقد عمدت سلطة الاحتلال الي بعض الاجراءات للحد من هذه الظاهرة ومنها قرار الحاكم المدني السابق بول بريمر بتشكيل لجنة لمكافحة الفساد في كل وزارة يرأسها قاض بدرجة وظيفية عالية لمتابعة عمل الوزارات وتشخيص حالات الفساد الاداري التي ترد اليهم من المواطنين او الصحف، الا انها لم تثبت قدرتها علي معالجة هذا الخلل الكبير بشكل فعال وبقيت اسيرة الروتين والمحسوبيات والعلاقات.
ويضيف الجبوري ان الحكومة المؤقتة حاولت بدورها اتخاذ بعض الاجراءات للحد من الفساد الاداري حيث عمدت وزارة النقل مؤخرا الي فصل ثلاثة مدراء عامين فيها دفعة واحدة لتقصيرهم في اداء عملهم، كما قامت وزارتا الدفاع والداخلية بفصل المئات من الضباط الجدد فيها بعد ثبوت عدم صحة شهاداتهم الدراسية التي تم تعيينهم بموجبها مما يؤشر الي عدم كفاءة الجهاز الاداري فيهما، وضمن الشعور بالخطأ يأتي سعي الحكومة الي اعادة المئات من الموظفين الذين تم فصلهم وفق قرارات اجتثاث البعث الشهيرة لمجرد انتمائهم السياسي دون مراعاة حاجة العراق الي خبراتهم وكفاءاتهم في مرحلة اعادة بناء البلد الذي دمرته الحروب والنهب والتخريب والصراع بين الاحزاب الحاكمة.