تمارس سلطات السجون الإسرائيلية حرباً نفسية على ثمانية آلاف أسير وأسيرة من المعتقلين الفلسطينيين المضربين عن الطعام في محاولة لكسر إرادتهم وإجبارهم على إنهاء الإضراب فأقامت الشواء قرب زنزانات المعتقلين بما في ذلك حرمانهم من وسائل الراحة الأساسية، وسلطات السجون تتعامل لا أخلاقياً مع الإضراب حتى إنها صادرت من المعتقلين الملح الذي يحمي الجسم من التجفاف في خطوة تصعيدية وسابقة لم تحصل خلال أي إضراب.

ويأتي إضراب المعتقلين عن الطعام احتجاجاً على الممارسات العنصرية وأساليب القهر والإذلال التي تقوم بها قوات العدو بحقهم المتمثلة في التفتيش العاري والشتائم والإهانات والضرب بقوة والقيام بالصدمات الكهربائية والاغتصاب واقتحام الغرف وفرض الغرامات المالية والعزل الانفرادي وحرمان الأهل من زيارة الأسرى بالإضافة إلى الإهمال الطبي المقصود في معاملة الأسرى مخالفة للقانون الدولي والإنساني وكل القيم الأخلاقية والدولية.

وكل ما تبغيه سلطات السجون القتل البطئ لهؤلاء الأسرى ولن تكترث حكومة شارون بواقع المضربين عن الطعام ولو ماتوا جميعاً ومتى كان المتطرفون العنصريون الصهاينة يهتمون بوضع الأسرى ومعالجة حالاتهم وأوضاعهم، فمنذ بن غوريون وبيغن وباراك ونتانياهو وحتى شارون يبرز الإسرائيليون شعار ـ الموت للعرب و ليموتوا جميعاً ـ وتساحي هنغبي وزير الأمن الإسرائيلي رد على المضربين الأسرى بوقاحة.

وعنصرية من خلال تصريحه الحاقد بأن الحكومة الإسرائيلية لن تعطي المعتقلين شيئاً ولا حتى أدنى اكتراث وأن هؤلاء لا يستطيعون مواصلة إضرابهم حتى الموت وهددهم بوضعهم بزنازين مغلقة تخلو من التهوية والراحة حتى يلاقوا الموت المحتم في نهاية المطاف.

ويعاني الأسرى من أمراض خطيرة وصعبة كالقلب والسرطان والصراع والكلى والسكري وهناك حالات من الجرحى بحاجة إلى إجراء عمليات جراحية فورية وحسب مجريات الوقائع فإن المعتقلين متهمون بانتهاك قوانين الإقامة والعمل وليس لأسباب تتعلق مثلاً بالانتفاضة وهم موزعون في سجون الاحتلال المنتشرة في الضفة الغربية والقطاع وأراضي عام 1948 م التي يتجاوز عددها سبعة وعشرين سجناً أو معتقلاً .

أو مركز توقيف أو تحقيق إسرائيلي مثل سجن نفحة والرملة والسكوبية، وبين المعتقلين ما يقارب من أربعمئة وخمسين طفلاً دون سن الثامنة عشرة رهن الاعتقال الإداري التعسفي منذ عام 2000 م وحتى الآن بانتظار محاكمتهم وتعرض العديد منهم لأنماط متنوعة من التعذيب والاضطهاد والممارسات بهدف انتزاع اعترافات منهم .

وهذا يتعارض مع المعايير والقوانين الدولية التي تكفل حق الطفل، والأطفال المعتقلون يقدمون إلى محاكم عسكرية إسرائيلية تعمل وفق الأوامر العسكرية ولا تعمل بموجب قوانين مدنية، حيث سنت سلطات الاحتلال قوانين تبرر سياسة الاعتقال بحق الأطفال وإطالة مدة احتجازهم دون محاكمة، كما يبلغ عدد النساء المعتقلات أكثر من ثلاثمئة امرأة وأغلبهن يعانين من أمراض مزمنة وظروف اعتقالية صعبة، ويمكن الإشارة إلى أن الأراضي التي احتلت عام 1967م من قبل إسرائيل هي أراض محتلة وبالتالي فإن المعتقلين هم أسرى حرب ولا يجوز إحالتهم إلى المحاكم الإسرائيلية.

ان هذه الممارسات بحق الأسرى تجسد سياسة الإرهاب الإسرائيلي وسواء في المعتقلات الإسرائيلية المنتشرة في الجولان وجنوب لبنان أو في الأراضي الفلسطينية، ومؤخراً عثرت السلطات اللبنانية على مقبرة جماعية في منطقة كفر فالوس شرق مدينة صيدا وتضم رفات ثمانية أشخاص وتعود تلك الرفات إلى الثمانينيات إبان الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني.

وقد تم العثور على الرفات داخل بئر بعمق سبعة أمتار وحين الكشف الأولي تبين أن أصحاب الرفات تعرضوا للتصفية الجسدية بعد اعتقالهم من جانب الجيش الاسرائيلي وهناك كسور وتشوهات في الجماجم وحلقات بلاستيكية لازالت عالقة بعظام الأيدي حينما أوثقوا بها حيث أسروا واعدموا. وهنا نستذكر في هذا السياق فضيحة إعدام اسرائيل الأسرى المصريين خلال عدواني 1956 ـ 1967 م مما يؤكد طبيعة اسرائيل الدموية الإرهابية وغير الإنسانية.

فقد كشف العقيد الإسرائيلي المتقاعد أرييه بيروني عن مجزرة بشعة ارتكبها العدو الإسرائيلي وشارك فيها شخصياً خلال عدوان 1956 م وراح ضحيتها تسعة وأربعون أسيراً مصرياً برصاص الجنود الإسرائيليين لعدم توافر العدد الكافي من الجنود لحراستهم كما تكشفت ملامح مجازر أخرى ارتكبتها قوات الاحتلال بحق الأسرى المصريين وخلال عدوان يونيو عام 1967 م، وكما يؤكد الصحفي الإسرائيلي ـ غابي بروان ـ الذي كان جندياً خلال عدوان يونيو فان الجيش الإسرائيلي أجبر مئات الأسرى المصريين الذين استسلموا خلال ذلك العدوان على حفر قبورهم بأيديهم قبل أن يجهز عليهم.

وهذه المجازر المروعة والتي لم يشهد التاريخ مثيلاً لها تكشف الوجه الحقيقي لإسرائيل وجيشها، وإن هذه المجازر التي تتكشف واحدة إثر أخرى حلقات في سلسلة لم تنته من المذابح الجماعية التي أصبحت سياسة رسمية قامت عليها إسرائيل وتاريخ إسرائيل الأسود حافل بمئات المجازر البشعة بدءاً من مجازر دير ياسين واللد والرملة وكفر قاسم مروراً بصبرا وشاتيلا وسياسة تكسير العظام والأطراف.

فإذا كانت إسرائيل قد نجت حتى اليوم من أي مساءلة دولية على اعتداءاتها وممارساتها وجرائمها وانتهاكاتها للقوانين والشرائع والأعراف الدولية، خاصة معاهدة جنيف الرابعة المتعلقة بمعاملة المدنيين الرازحين تحت الاحتلال والمعاهدات المتعلقة بمعاملة الأسرى، فإن على الأسرة الدولية قاطبة التحرك السريع للجم هذه السياسة الإرهابية كي لا يبقى المجرم طليقاً يهدد الأمن والسلام الدوليين وكي لا تبقى إسرائيل الوحيدة في العالم الخارجة على القانون تنتهك كل ما هو مقدس في هذا العالم.