إيمان عارف‏: الوجود الإسلامي في أوروبا قضية أصبحت محل جدل واهتمام كبيرين خلال العام الفائت‏(2004)‏ بعد أن وجهت أصابع الاتهام للمسلمين في أكثر من حادث‏,‏ بدءا بتفجيرات مدريد وانتهاء بحادث مقتل المخرج الهولندي ثيو فان جوخ‏,‏ ومرورا بأزمة حظر ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية‏,‏ والأخبار التي لاتنتهي عن اكتشاف خلايا إرهابية نائمة في عدد من دول القارة أو التحذيرات بقرب وقوع هجمات إرهابية علي نمط أحداث الحادي عشر من سبتمبر‏.‏ يقابلها شكوي لاتنقطع من جانب المسلمين بتزايد التحرشات والمضايقات التي يتعرضون لها‏.‏
والثابت أن مشكلة المسلمين ليست جديدة فقد طرحت من قبل‏,‏ حيث شهدت فترة التسعينات جدلا مماثلا مع صعود التيارات اليمينية التي تحدثت صراحة عن تزايد أعداد المهاجرين خاصة من المسلمين‏,‏ وأعلنت رفضها لوجودهم باعتبار أنهم يقاسمونهم فرص الرزق‏.‏ وان كانت القضية لم تأخذ شكلها الحالي إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر‏,‏ وماتبعها من حرب علي أفغانستان ثم العراق‏,‏ بحيث يمكن القول إن هذه الأحداث ساهمت في تعميق الفجوة بين المسلمين والمجتمع الأوروبي الذي يعيشون فيه‏,‏ ودفعت البعض للقول بأن عدة عقود من الوجود الإسلامي في الدول الأوروبية لم تحقق الاندماج المنشود‏,‏ ولم تسفر إلا عن تهديد قيم هذه المجتمعات‏.‏ والأخطر أنها ربما تؤدي في المستقبل لخلل في التركيبة السكانية لهذه الدول لصالح هؤلاء المهاجرين المسلمين‏,‏ خاصة إذا أخذنا في الاعتبار ارتفاع معدل المواليد بين المسلمين مقارنة بمعدل المواليد في أوروبا بوجه عام‏.‏
ولعل ما حدث في هولندا أخيرا يعد أبرز دليل علي ذلك‏,‏ فالدولة التي كثيرا ما اعتبرت نموذجا للتسامح وقبول الآخر والتعددية الثقافية‏,‏ وأفضل مثال علي امكانية اندماج المسلمين في أوطانهم الجديدة رسبت في أول مواجهة حادة تقع بين الجانبين‏,‏ وذلك بعد الأحداث المؤسفة التي شهدتها عقب اغتيال المخرج المشهور ثيوفان جوخ المعروف بعدائه للإسلام علي يد شاب هولندي من أصل مغربي‏,‏ لتصبح الاتهامات بالعزلة والتطرف ورفض الآخر عناصر ثابتة في أي حديث يتناول المسلمين‏,‏ وليصبح التساؤل المطروح علانية من قبل الكثيرين حول وجود شيء ما في الدين الإسلامي يجعل من المستحيل علي المسلمين الاندماج في هذه المجتمعات‏.‏
بل إن البعض ذهب لأبعد من ذلك بعد أن صرح علانية بأن مسلمي أوروبا أمامهم طريقان لا ثالث لهما‏,‏ اما الاندماج التام في مجتمعاتهم الجديدة‏,‏ وتقبل قيم وثوابت هذه المجتمعات حتي وإن تعارضت مع قيمهم الدينية‏,‏ أو اختيار طريق الإرهاب‏.‏ ومن ثم تصبح مطالبتهم بالرحيل مشروعة ومبررة في نظر هؤلاء‏.‏ بعد أن سادت نظرية مؤداها أن الدول الأوروبية فتحت أبوابها لمهاجرين لم يستطيعوا التكيف أو الاندماج وشكلوا فيما بينهم جيتو يتآمر علي الأغلبية‏.‏
وهنا لابد أن يكون التساؤل المنطقي عن الدور الذي لعبه هؤلاء المسلمون لمواجهة هذا الواقع الجديد‏,‏ الذي تؤكده وتركز عليه معظم وسائل الإعلام الذي يتبني صورة نمطية للمسلمين باعتبارهم إرهابيين‏.‏
والواقع يشير إلي أنه برغم الوجود العددي الملموس للمسلمين في أوروبا الذي قدرته الاحصائيات بنحو‏15‏ مليون نسمة‏,‏ إلا أن هذا الوجود لم يستطع أن يواجه ظاهرة الإسلامفوبيا ـ العداء للإسلام سوي بالشكوي أو الاحتجاج فقط بدلا من تركيز الجهود للتصدي لهذه الظاهرة‏.‏ والأهم من ذلك أن جزءا من الاتهامات الموجهة لهم صحيح ويتحملون مسئوليته وذلك لأن نسبة كبيرة من هؤلاء المهاجرين الذين تدفقوا علي ألمانيا وفرنسا وهولندا تحديدا في فترة الستينيات بسبب الحاجة الملحة آنذاك للعمالة اليدوية الرخيصة لم تستطع أن تطور نفسها‏,‏ ولم تبذل جهدا كافيا لتعلم لغات الدول التي هاجروا إليها‏,‏ الأمر الذي انعكس بدوره علي أبناء هؤلاء فظلوا علي هامش هذه المجتمعات برغم السنوات التي قضوها يعانون من تأخر مستواهم التعليمي ومن تزايد نسبة البطالة بينهم مقارنة بأبناء الجاليات الأخري‏.‏ الأمر الثاني والأهم أن وجود بعض العناصر المتطرفة بين أبناء هؤلاء المهاجرين حقيقة لاتقبل الجدل‏,‏ لكن هذه النسبة الضئيلة تحدث جلبة وتسلط عليها الأضواء‏,‏ وينتج عن تصرفاتها مشكلات كثيرة‏,‏ وهنا لابد من التساؤل عن دور الاغلبية الصامتة‏,‏ ولماذا لاتفعل شيئا لتغيير هذه الصورة السلبية‏,‏ بدلا من الاكتفاء بادانة الإرهاب فقط‏,‏ أو الشكوي من التمييز والظلم الواقع عليهم‏.‏ والبداية ستكون بإعادة ترتيب البيت من الداخل وتوحيد جهود المنظمات الإسلامية التي تعاني من التفكك مما ينعكس في النهاية في الصورة السلبية المأخوذة عن المسلمين وحصرهم في نطاق الإرهاب‏.‏ والأهم تنشيط دور الشخصيات المسلمة ذات الثقل علي المستوي السياسي أو الثقافي أو حتي الرياضي بحيث تقدم الجالية المسلمة نفسها لوسائل الإعلام باعتبارها جزءا من نسيج هذه المجتمعات‏,‏ وليس مجرد أقلية لا تملك سوي الشكوي‏.‏
لقد أصبح الوجود الإسلامي في أوروبا حقيقة واقعة لابد أن تعترف حكومات الدول الأوروبية بها‏,‏ وبقي أن يتخطي الجانبان خلافاتهما‏,‏ ويتقابلا في منطقة وسط تسمح للمسلمين ان يحافظوا علي هويتهم الدينية والثقافية ويتفادوا محاولات التهميش‏,‏ علي أن تقوم حكومات هذه الدول من جانبها بمعاملة المسلمين بشكل متوازن‏,‏ وتسمح لهم بالاندماج في الحياة السياسية والاقتصادية لبلادهم بسهولة ويسر‏,‏ دون أن يحملوهم وحدهم مسئولية الإرهاب وتبعاته‏.‏ وأن تتصدي هذه الحكومات للنزعات العنصرية‏,‏ وذلك لأن مواجهة الإرهاب وإن كانت هدفا ساميا تسعي الحكومات الأوروبية لتحقيقه إلا أن الحوار الآن أصبح ضرورة أكثر من أي وقت مضي‏,‏ والتكامل في النهاية طريق ذو اتجاهين‏.‏