كتب الاخ العزيز مطر سعيد المطر، بتاريخ 10 نوفمبر 2004، مقالا في «القبس» بعنوان «اخي عيد يا ليتهم يفهمون» ومع اقتناعي الشديد بأهمية الحوار فانني ارجو الا نستمر في تكرار ما نقول او ان يتحول حوارنا الى جدل، ورأيي فيما كتب الأخ مطر هو:
1- يرى الاخ العزيز مطر ان اقتصر في الكتابة في مجال تخصصي العلمي، وان مقالاتي الاسلامية غير متخصص فيها ومنقولة عن ثقافة الفرق الدينية التي تكفر الناس وتهاجم الدول المتقدمة التي توهم المسلمين ان للاسلام اعداء. واقول ليس خطأ ان يكتب الانسان في غير مجال تخصصه، اذاكان بذل جهدا كبيرا في تعلم التخصص الجديد، فبإمكان الفرد ان يكون ذا علم وثقافة في تخصصين او اكثر،وانا شخصيا قرأت الكثير وناقشت الكثيرين في موضوع العلمانية، وألفت كتابين احدهما بعنوان «عجز العقل العلماني» والآخر بعنوان «العلمانية في ميزان العقل» ورجعت فيهما الى مراجع علمانية واسلامية، ولم اكتف بالسماع من طرف واحد،واضيف الى ذلك انني لم اخالف علماء المسلمين المتخصصين فيما اقول، بل استندت الى اقوالهم، والاهم استندت الى القرآن والسنة، وفي حين ان الاغلبية الساحقة ممن يدافعون عن العلمانية هم اصحاب تخصص في الاقتصاد والسياسة او القانون او الهندسة او غير ذلك ولو تكلموا في مجال تخصصهم لاستراح الناس، ولو تكلموا في العلمانية بعد بحث عميق لقبلنا ولكنهم لم يفعلوا هذا او ذاك. وانا - والحمد لله - لا اكفر المسلمين، واذا كان لدى الاخ مطر دليل على اني كفرت مسلما فليقدمه، وقال الاخ مطر في مقاله «فالمسلم هو عبدالله والاسلامي هو الزنديق» فمن يكفر المسلمين؟ اما قولي بان العلمانية كفر فهذا ما قاله علماء الاسلام، وهذا لا يعني ان كل من يقول انا علماني كافر فقد يكون جاهلا بالمعاني الحقيقية للعلمانية او الاسلام، ومصطلح «الفرق الدينية» مصطلح غامض فإذا كان يقصد به الاخ مطر السنة والشيعة والخوارج، والمعتزلة وغيرهم فثقافتي هي ثقافة اهل السنة، واما اذا كان يقصد الجماعات الاسلامية السنية فأقول بعض هذه الجماعات تطرفت في التكفير او العنف او التصرف او غير ذلك مما يجعلها خارج دائرة السنة وبعضها داخل دائرة السنة وتختلف في اجتهاداتها، وانا شخصيا غير منتمٍ لجماعة معينة حتى ممن اعتبرهم داخل دائرة السنة، اما القول إننا نوهم المسلمين ان للاسلام اعداء فهذا امر ثابت بآيات قرآنية وبحروب حديثة وقديمة ومؤامرات قال تعالى «لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا» (سورة المائدة: 82) اما المنافقون وهم اعداء داخليون فقد قال تعالى عنهم «هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله انى يؤفكون» (سورة المنافقون: من الآية 4) فالاسلام الصحيح له اعداء كثيرون، من زنادقة وكفار ومنافقين اما الاسلام الذي يترك الدولة والسياسة والتشريع للعلمانيين وغيرهم فلن يعاديه الا قلة، واذا كان بعض المسلمين يرى مؤامرة اجنبية خلف كل حدث سياسي او فكري فإن الخطأ الا نرى أي مؤامرة خلف كثير مما يحدث في عالم الفكر والسياسة.
2- كنت اتمنى ان يقتصر الاخ العزيز مطر في كتاباته على مجال الشؤون الامنية لانها مجال تخصصه، اما العلمانية فهي تدخل في مجال العقائد والايديولوجيات والمبادئ اي الاسلام والمسيحية والعلمانية بمدارسها الرأسمالية والشيوعية والاشتراكية وغيرهم، وهذا هو تخصص علماء الاسلام لانها قضايا فكرية بحتة،فحديثنا ليس عن واقع الدول العلمانية او الاسلامية وليس عن معنى الارهاب او ماذا فعل الارهابيون او عن التاريخ القديم او الحديث، او عمن يتاجر بالاسلام، واذا كان الاخ مطر تعلم ان فصل الدين عن الدولة من اسس الامن فأذكره بقوله تعالى (الذين آمنوا ولم يلبسوا ايمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون) (سورة الأنعام: 82) فالعمود الفقري للأمن هو الايمان وجزء لا يتجزأ منه الايمان بالشريعة الاسلامية والكفر بالعلمانية وعندما طالبته بأن يسأل اهل الذكر، اي علماء الاسلام فهذا ما امرنا به سبحانه وتعالى لانهم اهل الاختصاص في القضايا الفكرية، وما زلت اقول اتمنى ان يسأل في موضوع العلمانية افضل خمسة علماء مسلمين، واذا كان بعض علماء المسلمين يخطئون في بعض اجتهاداتهم فهذا وضع طبيعي، وارجو الا يقول الاخ مطر لا يوجد علماء مسلمون اثق بهم، واذكر هنا ان العلمانية تحارب الاسلام بوسائل مختلفة منها التشكيك في صواب بعض عقائده واحكامه او مناسبته للعصر الحديث، وكذلك التشكيك في علم علماء الاسلام او نواياهم، وكذلك تفعل مع الجماعات الاسلامية المعتدلة، واحيانا تقول الاسلام مقدس وبالتالي لنبعده عن السياسة لانها ملوثة تخلو الساحة للعلمانية وأهل الاهواء والمصالح غير المشروعة. والموقف من العلمانية لا يخضع الى اجتهاد عالم، بل هو موضوع محسوم لأن فيه آيات واضحة ويكفي في اثبات كفرها وضلالها انها تعتبر الاسلام الدين الحق مساويا للاديان المحرفة والباطلة فالحق والباطل عندها متساويان، بل تعتبر الحق هو ترك الاسلام وابعاده عن الدولة والسياسة، واختلف مع الاخ مطر في قوله «وعندما تتفق الامة في عمل لصالحها فلا داعي لسؤال رجال الدين» واقول العلماء هم ورثة الانبياء ومن قال ان الامة اتفقت على عمل فالعرب في هذا القرن مختلفون لدرجة انه قيل «اتفق العرب على الا يتفقوا» وهم بالتأكيد لم يتفقوا على ان العلمانية تحقق مصالح الامة.
(3) يصر الاخ مطر على تحميل المتدينين (والاسلاميين) خطف الابرياء وقتلهم والاعتداء على المدنيين، واقول: اقتناعه هذا فيه ظلم كبير فحتى علماء افغانستان وفي حكم طالبان شجبوا اعتداءات 11 سبتمبر وطالبوا باخراج اسامة بن لادن من افغانستان، كما ان موقف علماء السعودية من الاعتداءات التي حصلت في السعودية واضح وصريح، وقلت ولا ازال اقول: ان الارهاب قضية هامشية وصغيرة تنفخ فيها اميركا لمصالحها الخاصة. ومشاكل العالم كثيرة اهمها الكفر بالله سبحانه وتعالى اي العلمانية وما شابهها والفقر والمرض والجهل والمؤامرات الاجنبية وغير ذلك، وما يجب ان يعرفه الاخ مطر ان هناك مشكلة كبيرة بين اميركا والمسلمين لانها تريد ان ندور في فلكها وتضع خريطة للشرق الاوسط تتناسب مع مصالحها ومصالح اسرائيل، ولا تريد ان نقرر مصيرنا بحرية، وانت يا اخي شاركت في حرب 1973 التي وقفت فيها اميركا مع اسرائيل تمدها بالسلاح حتى قال الرئيس المصري انور السادات علنا: «لا استطيع ان احارب اميركا» فاسلامنا ومصالحنا كشعوب وأمة تصطدم يوميا بالمبادئ والمصالح الاميركية، ونحن الطرف المعتدى عليه، فالمستفيد الاول من احتلال العراق وتدميره هو اسرائيل.. والعراق دولة نامية غير قادرة اطلاقا على تهديد امن اميركا حتى لو امتلك قنابل نووية وذرية وغيرها، وهل اقتناع الايرانيين بان اميركا هي الشيطان الاكبر هو وهم، أم انهم شاهدوها تساند الشاه المستبد الذي قتل فيما يسمى يوم الجمعة الاسود عشرة آلاف من المتظاهرين الايرانيين وكان يشرب الخمر علنا في رمضان؟
(4) ذكر الاخ مطر ان هناك انحرافات اخلاقية في دولنا العربية وفي تاريخ بعض الدول الاسلامية وفي المقابل هناك جوانب حسنة في الدول الغربية العلمانية مثل محاسبة المرتشين والمختلسين وتوجد ديموقراطية وعدالة اجتماعية واقول ان الفساد الاخلاقي والرشاوى والاثراء غير المشروع وغير ذلك جزء من واقع كثير من شعوبنا، ولكنها حسب مبادئنا الاسلامية انحراف وفساد، ونحن نتحدث عن الاسلام والعلمانية كمبادئ، اما الواقع فهو قضية اخرى واختصر القول ان اغلب شعوبنا بعيدة عن الالتزام بالاسلام فهي تتحرك بناء على عصبيات عرقية ومصالح غير شرعية وشهوات.. إلخ، ولكن هذا لا يعني ان واقعنا خال من الايجابيات والانجازات، فالتعليم مثلا حقق قفزات هائلة كميا واحيانا نوعيا خلال الثلاثين سنة الماضية، وهناك ايجابيات كثيرة ليس هذا مجال ذكرها.
واعتبار الدول الغربية دولا نجحت في الوصول للتقدم والحضارة والرقي امر صحيح اذا كان التقدم يقاس بالماديات فقط كالغنى والتقدم التكنولوجي والقوة العسكرية، اما اذا اعطينا الوزن الاكبر لعلاقتهم بالله سبحانه وتعالى والتزامهم باتباع الانبياء والسعادة الشخصية والاسرية والاجتماعية فهم متخلفون كمبادئ وواقع وتثبت الاحصائيات ذلك في ارتفاع نسبة الزندقة والطلاق والخيانات الزوجية والعزوبية وغير ذلك. ولا ادري لماذا يدافع الاخ مطر عن اميركا وهي التي القت قنبلتين ذريتين على اليابان وقتلت مئات الآلاف من الفيتناميين او فرنسا التي قتلت مئات الآلاف من الجزائريين، هل هذه جرائم بسيطة وهي اقل بكثير جدا مما فعله الارهابيون خلال المائة سنة الاخيرة؟ ان الاعلام الغربي نجح في خداعنا باعطاء مبررات لجرائمه، فالاستعمار هو (انتداب) والاحتلال العسكري للعراق هدفه تدمير اسلحة الدمار الشامل غير الموجودة ولتطبيق الديموقراطية ومحاربة الارهاب، واميركا لا تريد الديموقراطية الحقيقية لانها تؤدي الى قوة الشعوب ووقوفها ضد المصالح الاميركية، ولكنها تريد انظمة استبدادية او ذات ديموقراطيات شكلية.. فأميركا ليست غبية لا تدرك هذه الحقيقة وفي الوقت نفسه ليست نواياها طيبة حتى تسعى لخير البشرية. ونصر الله لأميركا ليس رضا عنها، بل لأنها تأخذ بالاسباب المادية وبعض الاسباب الفكرية كالعدل فيما بين الاميركيين في حين اننا كعرب لا نأخذ الا بالقليل من الاسباب المادية والفكرية وذنوبنا كثيرة..
5 - يقول الاخ مطر، هل النواب غير الاسلاميين غير مسلمين؟ واقول لم يقل النواب الاسلاميون او علماء المسلمين ان من ليس من الكتلة الاسلامية ليس بمسلم، ولماذا لم ينتقد الاخ مطر تسمية التجمع الوطني الديموقراطي، لان معناه ان غيرهم ليس وطنيا او ديموقراطيا،ومطلوب منا شرعا ان نحسن الظن الى درجة كبيرة ولا نأخذ بأسوأ الظنون والتفسيرات، وهو يفعل ذلك مع اميركا والغرب، فلا يشك في اهدافهم ونواياهم، ويتعامل الاخ مطر بحساسية شديدة مع الفرق والجماعات الاسلامية، واقول رابطة الاسلام تجمعنا مع كل من يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والدائرة الاسلامية تتسع حتى لغير المسلمين، وهذا لا ينفي وجود اجتهادات خاطئة تنسب للاسلام والاسلام بريء منها سواء فيما يتعلق بعلاقة المسلمين بعضهم ببعض او بعلاقتهم بغير المسلمين.ووجود اختلافات واخطاء هو امر متوقع فلا توجد جماعات معصومة، وكذلك الامر بالنسبة للدول والاحزاب والافراد، وهناك امر ينساه الكثيرون وهو ان المسلمين على اختلاف فرقهم وجماعاتهم متفقون على مبادئ كثيرة جدا،ويستشهد الاخ مطر بقوله تعالى «ان الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما امرهم الى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون» (الانعام: 159)، واقول لا شك اننا مطالبون بأن نلتزم بالدين كله ولا نتفرق في الامور الواضحة منه، والحل هو ان نطالب كل المسلمين بأن يلتزموا بالقرآن والسنة، اما الاختلافات الاجتهادية فهي مقبولة ولا تعني اننا اصبحنا شيعا حتى لو تفرقنا في جماعات واحزاب ودول، واضيف الى ذلك ان نسبة المتطرفين في الشباب الكويتي المتدين مثلا، لا تصل حتى الى 1% فلماذا ننسى 99% من المعتدلين ونسلط الاضواء على 1% من المتطرفين، وهل الشباب المتدين المعتدل او حتى المتطرف، هم من يتعاطون المخدرات او يتعاملون بالرشاوى او يشترون الاصوات الانتخابية، او هم كل او حتى بعض ممن اثروا بطريقة غير شرعية وبالتالي فهم ليسوا بالتأكيد سبب تخلف شعوبنا وامتنا وهذا واقع نراه بأعيننا، ومما يثبت ذلك ان الاغلبية الساحقة من انظمة الحكم في الدول العربية خلال المائة سنة الماضية لم يكن يسيطر عليها الاسلاميون او المتدينون، فأرجو من الاخ العزيز مطر ان يبحث عن الاسباب الحقيقية لتخلف الامة.