رام الله من سائدة حمد: وصل عام 2004 الفلسطيني الى محطته النهائية من دون صاحب الكوفية ذي الشخصية الكارزمية والقدرات الفذة، الذي واكب وعاش و«عيّش» القضية الفلسطينية على مدى أربعين عاماً خلت، تاركاً «الجمل بما حمل» كما يقول المثل الفلسطيني على أبواب عام ومرحلة قد تكون امتداداً للجزء الثاني من «الحقبة العرفاتية» المتمثلة بسلطة فلسطينية داخل الأراضي الفلسطينية، ولكن بمواصفات مختلفة قد ترسم بعض تفاصيلها نتائج الانتخابات التشريعية لجهة نظام سياسي جديد لدولة فلسطينية محكومة بالفعل الشاروني الاسرائيلي على الأرض وعنوانه في المستقبل المنظور خطة الانسحاب الاسرائيلي احادي الجانب، ثم جر الجانب الفلسطيني للتساوم معه اقليمياً ودولياً.
فلسطين في العام الذي ولى، كانت محور اللقاء الذي أجرته «الحياة» مع الدكتور علي الجرباوي، أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي ورئيس اللجنة المركزية للانتخابات الفلسطينية على مدى عامين قبل ان يقدم استقالته.
وكان هذا الحوار:
gt; بداية، كيف تقوّم مسار العام 2004 حتى ما قبل مرض الرئيس ياسر عرفات وبعد رحيله؟
- تميزت سنة 2004 بتواصل حالة الركود المستمرة في الوضع الفلسطيني. وأصبح العراق الملف الأهم في هذه المنطقة. القضية الفلسطينية وعملية البحث عن التسوية السياسية الفلسطينية توقفتا تماماً. وهذا كان استكمالاً لما سبق مع تثبيت الفكرة القائلة بأن لا وجود لشريك فلسطيني، من جانب الاميركيين واسرائيل. وكان دائماً يقال إن الرئيس عرفات هو العقبة، وبقي الوضع يراوح مكانه. الملف الداخلي الفلسطيني كان أيضاً يراوح مكانه، لم يطرأ شيء مهم يغير الأوضاع الداخلية سوى الإعلان عن تسجيل الناخبين للانتخابات العامة من دون تحديد موعد لاجرائها وتعيين موعد للانتخابات المحلية. رُبط الوضع الداخلي بالوضع الخارجي فلسطينياً. بمعنى أن أي تحرك جدي على صعيد حلحلة الوضع الداخلي الفلسطيني كان مرتبطاً بالوضع الخارجي وبالحصار المفروض على الرئيس عرفات.

gt; إذن أنت تقول إن اسرائيل واميركا فرضتا هذه المعادلة بشكل كامل على الوضع الداخلي الفلسطيني؟.
- بالضبط. الوضع الداخلي الفلسطيني كان رد فعل على الوضع الخارجي المفروض من اسرائيل والولايات المتحدة، بمعنى انه طالما ان اسرائيل تقول إن عرفات عقبة ولا يوجد شريك، طالما تشبث الجانب الفلسطيني بمواقفه ولم يقم بأي اجراء لحلحلة الموضوع للتجاوب مع الضغوط، هذا ما حدث بغض النظر عما إذا كان صواباً أو خطأ. اضيف الى ذلك ان الملف الداخلي الفلسطيني في جانب منه ازداد سوءاً مع الانفلات الأمني وبروز المحلية على الوطنية العامة واحكام الاغلاقات على الضفة وفصل الضفة عن غزة والقدس عن الضفة، وطبعاً في الـ2004 استمرت عملية بناء السور بوتيرة متصاعدة.

gt; ماذا عن القرارات التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي. البعض رأى انها إعادة لصوغ الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي قانونياً، وألغى الثغرات التي احدثتها اتفاقات اوسلو على صعيد وضوح المعادلة السياسية والعلاقة بين اسرائيل - الدولة المحتلة - والفلسطينيين وأرضهم التي احتلتها في العام 1967 بما فيها القدس اضافة الى عدم شرعية الجدار الاسرائيلي؟
- محكمة لاهاي مهمة جداً من الناحية المعنوية، ولم تكن نقطة تحول. هناك فرق بين السياسة ونتائجها العملية وبين القضايا الرمزية. ولأننا فاقدو القوة الفعلية، فإننا نهتم كثيراً بالقضايا الرمزية. لا اقول إن قرار محكمة لاهاي كان رمزياً فقط، ولكن بعده العملي لم يترجم على الارض. لا اعتقد ان قرارات المحكمة الدولية «محت» تداعيات «اوسلو». السياسة هي معادلة بين القوى من ناحية فعلية. الناحية العملية في السياسة تتمثل في قرارات يصدرها مجلس الامن، فيتو تتصرف به أميركا، فرض أمر واقع على الأرض تقوم به اسرائيل. هذه هي الأمور التي تثبت نفسها على الأرض. قرار محكمة لاهاي قرار مهم، لكن هناك قرارات مهمة كثيرة للشرعية الدولية، وكلها على أرض الواقع لا تترجم نفسها عملياً. المهم: النهايات أين؟ الضفة الغربية محتلة، السور لا يزال يبنى ولم يتوقف، وفي نهاية المطاف هناك موقف أميركي وأوروبي وتساوق دولي وأيضاً، إن لم يكن فعلياً، قبول الأمر الواقع من جانب العالم العربي والطرف الفلسطيني.

gt; هل أبرز ما شهده العام 2004 فلسطينياً هو خطة «فك الارتباط» التي طرحها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون؟
- خطة شارون في الانسحاب احادي الجانب خطة كارثية على القضية الفلسطينية بشكل عام، وهذه لها أهمية فعلية أكثر من محكمة لاهاي، لأنها تثبت أموراً واقعة على الارض. اعتقد ان هذه الضربة ستنهك القضية الفلسطينية، لأنه سيتم فيها تجزئة القضية، قطاع غزة يشكل أقل من واحد في المئة من مساحة فلسطين، ويعيش فيه نحو ثلث الفلسطينيين الموجودين تحت الاحتلال في الضفة والقطاع والقدس. التخلص من ثلث الفلسطينيين باعطاء واحد في المئة من الأرض الفلسطينية، هذا يكسب اسرائيل وقتاً طويلاً في المعادلة الديموغرافية، وهذه معادلة مهمة جداً، ومن يقلل من أهمية الديموغرافية يكون مخطئاً تماماً. أعتقد أن شارون أصبح الآن توأم بيريز، وفهم ما كان ينظّر له بيريز وما عمله مند عشرين سنة. وفهم أوسلو وأين تفيد اسرائيل والحركة الصهيونية. المعادلة تغيرت في الوضع الحالي. كانت الأرض مقابل السلام، أصبحت بالنسبة إلى إسرائيل وشارون الذي تبنى مواقف بيريز، «الأرض مقابل الوقت». بمعنى انه لا يوجد حل نهائي قطعي للصراع الدائم والحلول هي جزئية مجتزأة والكلام عن الوقت الذي تستطيع كسبه. حال اسرائيل تقول انه طالما انه لا يوجد حل نهائي، فإن السؤال هو كم من الوقت يستطيعون كسبه. بضربة صغيرة تمكنت اسرائيل من التخلص من واحد في المئة من الأرض الفلسطينية، التي ليست لها أهمية استراتيجية أو توراتية، وربحت 15 الى 20 سنة من دون أي اشكالية في المعادلة الديموغرافية التي تقلق شارون كثيراً.

gt; الخطة ذاتها، كما يرى المراقبون، تعتبر «تحولاً» في طريقة تفكير شارون صاحب «أرض اسرائيل الكبرى» ونفي الآخر الفلسطيني من خلال الطرح الليكودي لـ«الوطن البديل» في الأردن؟
- ثلاث قضايا أدت الى هذا التحول الذي يجري. أولاً اتفاقات أوسلو، التي وضعت سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية، والتي حاول شارون أن يقضي عليها وعلى تبعاتها، أي السلطة الفلسطينية، وفي الانتفاضة الثانية قام بتدمير بنيتها التحتية، ولكنه لم يستطع ان يلغيها كلياً، وبقي هناك اعتراف دولي بسلطة فلسطينية على الارض الفلسطينية، أرض اسرائيل الكبرى في نظر شارون. ثانياً، المعاهدة الأردنية - الاسرائيلية أفقدت خيار شارون ان الاردن هو فلسطين، ولم يكن بإمكانه بعدها ان يروج لفكرة «الوطن البديل» للفلسطينيين. والنقطة الثالثة، رؤية بوش للحل، مع كل القصور الذي تتضمنه، تتحدث عن دولتين، وعن دولة فلسطينية قابلة للحياة ومتواصلة جغرافياً.
هذه العوامل أدت الى التحول لدى شارون وتوجهه الى بيريز، وشهدنا هذا التوافق في الفترة الأخيرة. بناء على ذلك أصبح شارون أمام خيارين: إما أن يواجه الولايات المتحدة وخياراته ضعيفة في هذه المواجهة: الأردن ذهب كوطن بديل، وسلطة فلسطينية على الأرض لم يستطع إلغاءها، أو ان يتلاعب على الموضوع، لذلك آثر ان لا يدخل في صراع مع بوش وإنما يطوّع رؤية بوش للدولة الفلسطينية ضمن اشتراطات ليكودية - شارونية، وعمل خلال السنتين الماضيتين على رسم هذه الدولة بشروطه هو (الجدار وخطة الانفصال) والهدف هو إقامة دولة فلسطينية بالمقاييس الشارونية. هذه الدولة ستكون سيادية في قطاع غزة، وستكون لها سلطة على أجزاء من الضفة الغربية داخل الكانتونات التي خلقت على أرض الواقع، أي أن الدولة الفلسطينية ستكون «مركبة». دولة لها سيادة في مكان وسيطرة في مكان آخر. الضفة بمفهوم شارون ستبقى دولة معوّمة السيادة يتقاسمها طرفان هما دولتان سياديتان: إسرائيل في حدود 1948 والدولة الفلسطينية «الغزية»، وكلتا الدولتين تتقاسمان الضفة الغربية التي ستبقى مناطق غير سيادية.

gt; أنت ترى ان 2005 ستشهد هذا التطبيق؟
- 2005 ستشهد بدايات هذا التطبيق، طالما ان العالم وافق والطرف العربي وافق، والفلسطينيين تم جرهم للموافقة على الانسحاب احادي الجانب من القطاع. هذا سيبدأ تطبيقه في العام 2005 ولكن هذه ستكون النتيجة. لهذا انا كتبت ونظّرت لفكرة حل السلطة، لأن القبول بهذا الحل معناه أنه سيكون هناك بتر للقضية الفلسطينية وقبول، مهما كابرنا، بالاشتراطات الاسرائيلية، وتحجيم هذه القضية لتصبح في قطاع غزة. بعد الانسحاب الاسرائيلي من غزة سندخل في مفاوضات مضنية من أجل الحصول على السيادة الكاملة على قطاع غزة، وسيكون ذلك كأننا ننتزع انتصاراً بعد انتصار، سنقول اننا نريد المطار والميناء ورفح وهذا سيأخذ وقتاً وسنأخذه في آخر المطاف، لأن من مصلحة اسرائيل أن تعطينا اياه، ولكنها لا تريد أن تعطينا شيئاً، إلا بعد مفاوضات مضنية لنشعر بأننا حققنا انجازاً، هذا كله سيكون على حساب الضفة الغربية. لن تكون فيها سيادة، ستترك مناطق كانتونات لسيطرة «الامبراطورية الفلسطينية» إذا شئت، التي لها سيادة في مكان آخر على هذه المناطق. وهذا هو الحل طويل الامد الذي تحدث عنه شارون.

gt; إذن، هل كان عرفات بالفعل عقبة في تطبيق هذا المشروع؟
- نعم ولا: نعم بمعنى انه من ناحية، لم يقبل باعطاء التنازلات المطلوبة للأميركان منذ كامب ديفيد حتى الآن ولا لإسرائيل. ولكن هناك اشكالية لمن يقول نستطيع ان نمزج بين السلطة والمقاومة، حركة تحرر وطني مع اقامة الدولة، اعتقد اننا لا نستطيع المزج بين أمرين، إما مقاومة من دون وجود هذه الطبقة وهي السلطة التي لها عنوان رسمي ومعلن ومعروف، لذلك كل عملية تحصل في اسرائيل كان يشار اليها كعنوان المقاطعة، ومطالبة السلطة بأنه «يجب عليكم أن توقفوا هذا وذاك». لهذا تمكن شارون من أن يصل الى القيام بخطوة أحادية الجانب من دون تنسيق مع هذه السلطة ويترك فراغاً ونحن قلنا اننا سنملؤه. المفروض ان نقول لا.

gt; لكن السلطة الفلسطينية أعلنت أكثر من مرة انها وإن ترحب بأي انسحاب اسرائيلي من أي بقعة فلسطينية، إلا أنها لا دخل لها في هذه العملية، إلى ان تدخلت أطراف اقليمية ودولية و«أقنعتها» بتغيير موقفها؟
- هذه هي النقطة بالذات، فطالما أن هناك هيكلية معلنة وعنواناً معلناً، طالما أن هناك ضغوطاً ستمارس بهذه الطريقة.

gt; في سياق هذا العام، هل تشكل إحساس بأن الرئيس عرفات وصل الى خط النهاية؟
- سياسياً نعم. تكالبت عوامل عدة ضد الرئيس عرفات، الأميركان أخذوا موقفاً مبنياً على موقف اسرائيل وأعلنوا عن ذلك، ولم يكن هناك إمكان للتراجع عن موقفهم رغم كل المحاولات. وهذا أدى في نهاية المطاف إلى موافقة جميع الأطراف ضمنياً وتساوقت على هذ الموقف وإلى التكيّف معه. وأنا اعتقد من دون تجن أن جميع الأطراف كانت بانتظار رحيل عرفات. هو انتهى سياسياً بعدما أحكم عليه الحصار والاغلاق السياسي من جانب عنصري القوة الأساسيين اسرائيل وأميركا، وتساوق الآخرون دولياً واقليمياً وفلسطينياً مع الوضع. وفي نهاية المطاف أصبح هناك «انتظار الرحيل الجسدي»، الانتظار بات الموقف العام من هذه القضية.

gt; هل تأتي الانتخابات والتحضير لها، وأنت واكبت هذه التجربة، في اطار هذه الضغوط لإخراج عرفات نهائياً من الحياة السياسية؟
- الولايات المتحدة كانت تسعى وتضغط من أجل انتخابات محلية. الانتخابات العامة كانت مطلباً فلسطينياً، ولكن واشنطن رفضت الفكرة إلا إذا كانت تقتصر على الانتخابات التشريعية من دون الرئاسية، لأنها كانت تعلم أن الرئيس سيفوز بهذه الانتخابات، ولم تشأ هي واسرائيل ان يمنح عرفات شرعية جديدة من خلال الانتخابات لا يستطيع أحد أن ينكرها عليه مجدداً. الشروع بتسجيل الناخبين فلسطينياً، ومحاولة اقناع المستوى السياسي بالانتخابات، كانا لفك العزلة عن الوضع الفلسطيني. كان هناك إجماع فلسطيني على أن الانتخابات العامة الرئاسية والتشريعية متلازمتان ولا تنفصلان. الموقف الفلسطيني كان «لا نريد ان نقدم على خطوة تثير الأميركان، لأن الاميركان لا يريدون هذه الانتخابات».

gt; ولكن على مستوى السلطة، ما العائق الذي كان يحول دون اجراء هذه الانتخابات، حتى ولو لم تردها واشنطن؟
- المشكلة الفلسطينية الداخلية تمثلت في الانتخابات التشريعية وليس الرئاسية. كان معروفاً أن الرئيس ياسر عرفات سينجح. أما في الانتخابات التشريعية فكان هناك تخوف بأن الأوضاع ليست ملائمة للحزب الحاكم، أي «فتح»، ولهذا كان هناك تخوف داخلي من «فتح».

gt; ومن «حماس»؟
- ليس بالضرورة «حماس»، ممكن أن ينجح عدد كبير من المستقلين...

gt; الرئيس عرفات ماذا كان يقول؟
- من ناحية الاستعدادات للانتخابات، لم تكن لديه مشكلة على الاطلاق. المشلكة كمنت في نظره في موازين واعتبارات سياسة خارجية، ولذلك لم يحدد موعد لاجراء الانتخابات. كانت عنده حسابات خارجية، الانتخابات الأميركية وخطة شارون...

gt; هل كان ذلك أحد الأسباب التي جعلتك تترك رئاسة اللجنة؟
- الشي الاساسي الذي حملني على الانسحاب هو موضوع تسجيل الناخبين وطريقة تسجيلهم. فالتسجيل يجب ان يتم في مراكز التسجيل وسجل الناخبين وهذه نهاية الطريق، وليس بالضرورة ان يصبح كل مواطن ناخباً، من يأتي ويسجل يصبح عنده حق الانتخاب. لذلك إذا كان هناك 60 أو 70 في المئة ممن يرغب في تسجيل نفسه يفقد حقه في ان ينتخب. أنا لمست محاولات للتدخل من أجل تغيير طريقة التسجيل. والآن ظهرت بوضوح، إذ ادخل السجل المدني على سجل الناخبين، وهذه فيها اشكالية كبيرة. المجلس التشريعي صادق بالقراءات الثلاث وبسرعة صاروخية على هذا البند بالتحديد (اعتماد السجل المدني) وطبقه ولم يغير القانون بكامله، فقط هذه النقطة، وادخل معيارين مختلفين على كيفية اجراء الانتخابات: السجل الانتخابي والسجل المدني. لو كان السجل المدني يفي بالغرض مهنياً وقانونياً لما كانت هناك حاجة إلى سجل الناخبين. لكن تجربتي على مدى سنتين أكدت أن بالإمكان فلسطينياً إقامة المؤسسات على مستوى عال جداً من المهنية والكفاءة. لجنة الانتخابات المركزية اقامت مؤسسة عملت بأعلى درجات الكفاءة والمهنية وفق أسس ومعايير عالمية. مراقبون دوليون أعلى مستوى ممكن في الدنيا. بالإمكان، إذا كان هناك قرار، إقامة مؤسسة من دون فساد، وظفت 4000 انسان، ولكن كانت هناك تدخلات سياسية.

gt; هل كانت داخلية من حركة «فتح»؟
- طبعاً هناك مصالح سياسية تحكم موضوع الانتخابات. هل يستوي الذين يسجلون والذين لا يسجلون. الانتخابات عمل ديموقراطي وفاعل وايجابي، والفاعلية السياسية تتمثل بالمشاركة في الانتخابات، لا بد أن تجهد نفسك بالتوجه للتسجيل، وليس لأنك فلسطيني وجالس في بيتك آتي لتسجيلك ثم انقلك بسيارة لتنتخب. سجل نحو 67 في المئة، وهذا أعلى رقم لمن معهم هويات فلسطينية، وقد حاولنا بكل الطرق أن نعرف رقم الموجودين في الخارج، عندما توفي الرئيس واعلن عن اجراء انتخابات، تم فتح السجل مرة اخرى لاستكماله، وهذا ينفي تبرير من قال انه لم يكن هناك موعد للانتخابات. «احملهم أو اشتريهم».

gt; إذن هل تتوقع ثغرات في نزاهة الانتخابات الرئاسية المقبلة؟
- لجنة الانتخابات والادارة الموجودة يبذلون كل جهدهم من اجل التعامل مع العوامل التي فرضت على العملية الانتخابية لأخذها في الاعتبار واعطاء اكبر قدر من الصدقية لهذه العملية. على سبيل المثال، اضطرت ان تستخدم الحبر على الاصابع في يوم الانتخابات، لو كان السجل الانتخابي هو المعتمد فقط، لما كانت هناك ضرورة لاستخدام الحبر، لأن السجل يحدد ان ينتخب المواطن في المكان الذي سجل فيه بحيث تكون العملية مضبوطة ولا توجد ازدواجية، لن تجدي اسمك في مكان آخر او مركز آخر. عندما ادخل السجل المدني، اللجنة تقوم بكل ما يمكن لمواءمة اجراءاتها مع ما فرض عليها من عوامل من اجل ضمان الانتخابات ونزاهتها بالقدر الممكن.

gt; هل يكفي انسحاب القوات الاسرائيلية ثلاثة ايام فقط لضمان اجراء انتخابات حرة؟
- لا يكفي على الاطلاق. من اجل ضمان صدقية وحرية ونزاهة الانتخابات يجب تكون الاجواء مفتوحة. ولكن دائما هناك عوامل سياسية تحكم. خلال سنتين انا عايشتهم في لجنة الانتخابات، لم ينظر الاميركان الى كشف الانتخابات المركزية ولا الاجراءات، ولا دعموا بل بالعكس كانوا ضد الانتخابات العامة بل مع الانتخابات المحلية. رحل ابو عمار، فتغير الموقف وأصبحوا يريدون الانتخابات في اليوم الثاني، وتغيرت كذلك النظرة في العالم. الأوروبيون كانوا في الأصل يريدون ان يدعموا، ولكن أصبح الدعم في أموال ومراقبين. أقول لك منذ الآن، هناك تقرير جاهز للمراقبين يقول ان هذه الانتخابات لا يوجد افضل منها، بغض النظر عما كان هناك في الماضي من نتوءات في الانتخابات الماضية. ولكن كانت هناك بصمة دولية لأن الوضع السياسي يتطلب ذلك. والآن الوضع السياسي يتطلب اجراء انتخابات رئاسية ولذلك هناك تهالك دولي على اجرائها ولكن هذا التهالك الدولي لم يصل درجة الضغط على اسرائيل من أجل فتح المجال لإجرائها بحرية ونزاهة. القدس مغلقة الحواجز المرشحون يعتقلون حتى مرشحو الانتخابات البلدية، غزة والضفة مفصولتان عن بعضهما بعضاً، وهناك مرشحون انسحبوا وقالوا انه ليس باستطاعتهم التحرك. أنا لا أفصل انتخابات ناس مع أوسلو وضد أوسلو مع التسوية أو ضدها، وهم مرشحون على هذا الاساس، إذا لم تكن لهم حرية لحملة مفتوحة فلن تكون حرة.

gt; هذا العام ينتهي مع مرور أربعين يوماً على رحيل عرفات، كمحلل ومراقب ومشاهد ومتابع هل ترجح موتاً غير طبيعي؟
- لا استطيع ان احكم في ذلك، ولكن استطيع ان اقول الآتي: ان غياب عرفات الشخصي كانت هناك اطراف عدة تنتظره، سواء عرفات غاب أو غُيب، فهذا يستجيب مع انتظار هذه الاطراف. حصار ياسر عرفات وتشديد الحصار عليه في المقاطعة لم يغيبه سياسيا، هذه هي النقطة، لذلك كان هناك الكثير ممن هم بالانتظار، ان كان غاب او غيب، الفرصة جاءت سانحة لكل المنتظرين.

gt; رحل عرفات كيف ترى القيادة الفلسطينية الجديدة؟
- اولاً الانتقال الاولي المظهري للسلطة صار بشكل جيد ولكن هذا انتقال مظهري وأولي. عرفات كان زعيماً كارزمياً. والزعماء الكارزميون بينهم وبين المؤسساتية خصومة. هذا في طبيعتهم، ليس عرفات لوحده، كل زعيم كارزمي لا يستطيع بناء مؤسسة. هذه نظرية. لذلك كانت هناك اشكال لهذه المؤسسات ولكن من دون مضامين. سلطة تشريعية وسلطة قضائية وهياكل عدة ولكن من دون مضمون، وهناك خلط هائل وكبير بين السلطة وبين الحزب. الآن لا يستطيع احد ان يملأ المكان الذي أخذه ابو عمار، الوريث للزعيم الكارزمي، لا يستطيع ان يشغل محله بالكامل، الا اذا اختار ان ينقلب 180 درجة. الرئيس المصري انور السادات، انقلب 180 درجة في محاولة بحثه عن الخروج من قميص جمال عبدالناصر، اضطر ان يعمل اشياء دراماتيكية. لذلك حتى مع اجراء الانتخابات واكساب الرئيس الشرعية الانتخابية، بالضرورة يجب ان يكون هناك تحول، لأن هذا الشخص لا يستطيع ان يمسك كل الامور بالطريقة التي كان ابو عمار ماسكها، الجواب يصير على صيغة اسئلة، هل سيكون بالإمكان بناء مؤسسية على اسس جديدة؟ هل سيكون بالامكان الفصل ما بين «الحزب الحاكم» عن هيكلية السلطة؟ هذان سؤالان مهمان جداً.

gt; ربما الانتخابات التشريعية يمكن ان تساعد في الاجابة؟
- طبعاً يمكن خصوصاً اذا لم تقاطعها الفصائل والفئات التي كانت معارضة في الاصل، واذا تم تغيير القانون الانتخابي، في جانبه الذي كان يجب أن يعالج. مشروع القانون الانتخابي المعدل يتحدث عن النظام الانتخابي المختلط (دوائر وقوائم حزبية). سنرى ان كان سيقر. هذا هو امتحان للنظام السياسي الفلسطيني القادم. لا نستطيع ان نستمر في شغل سياسة على محورين غير متصلين مع بعضهما بعضاً. السلطة وما تمثله من سياسة، والجهة الاخرى المفصولة تماماً، هذه سياسة غير مجدية. لا بد من بقاء الحديث عن الحوار الوطني الذي يوصل الى صيغة معينة. الحوار الوطني هو معادلة، من المفضل ان تكون معادلة انتخابية، المجلس التشريعي هو الجهة التي تؤسس للصيغة السياسية المقبولة. انا لا افهم كثيراً معنى مفهوم الوحدة الوطنية. افهم ان هناك غالبية وأقلية. هناك معارضة وهناك مؤيدون، هناك ناس في السلطة وخارج السلطة هذا ما تفرزه عملية انتخابات ديموقراطية. الوحدة الوطنية هي توافق على النظام الانتخابي، وتتحول العملية الى ما تفرزه صناديق الاقتراع تحالفات وحكومات ائتلافية.

gt; إذا كنت ستعلم وتدرس طلابك عن حقبة عرفات في التاريخ الفلسطيني، فعلى ماذا تركز؟
- 2004 شهد غياب عرفات، وليس بالضرورة غياب الحقبة العرفاتية. قد يكون لها امتداد، ثانياً عرفات كان شخصية كارزمية، عنده قدرات فذة استطاع ان يحتل كامل مساحة الفعل السياسي الفلسطيني ويتحكم بها، طبعاً كشخصية كارزمية لم يستطع بناء مؤسسات، ثالثاً حقبة عرفات يجب ان لا نختزلها وكأنها تمثل حقبة واحدة، ضمن 40 سنة، هي اكثر من حقبة، هي تتضمن على الاقل حقبيتن سياسيتين، التحرر الوطني منظمة التحرير المقاومة والعمل الفدائي الذي ثبت القضية الفلسطينية كقضية سياسية مركزية في هذا الجزء من العالم ووضعها على الصعيد الدولي. ما كان بالامكان بعد هذه الحقبة ان يتم تجاهل القضية الفلسطينية. هذه الحقبة الاولى فيها محطات. والحقبة الثانية، هي السلطة، اوسلو وما بعد، التي اعتقد انها شهدت الكثير من التعثرات، من الاصل كنت ولا أزال ضد اوسلو، ولم استطع ان اشتري كل ما قيل عن ايجابيات اوسلو. نحن كفلسطينيين، وكقضية، اصبنا بثلاث ضربات: نكبة 48 والنكسة في 1967 والهلكة في الـ 1993 (تاريخ توقيع اتفاقات اوسلو).

gt; عندما تقول ان غياب عرفات ليس بالضرورة غياب الحقبة العرفاتية اي انك تعني «السلطة»؟
- نعم بالتأكيد، يجب فصل الحزب عن السلطة لكي تصبح السلطة كيانية بذاتها مفصولة عن الحزب وامتداداته كي نتعلم مما جرى في الجزائر والاتحاد السوفياتي واماكن اخرى كثيرة في العالم. وثانياً بناء المؤسسة والارتكاز على المؤسسة. هل بالامكان تحويل الهياكل الموجودة والتي اعتقد انها مؤسسات شكلاً وليس مضموناً، هل سيادة القانون الفصل الحقيقي ما بين السلطات واعطاء كل سلطة ما لها، ووجود قضاء فاعل ومستقل. إذا تم ذلك فلن تكون السلطة امتداداً للحقبة العرفاتية.

gt; اذن نعود الى النقطة نفسها، كيف يمكن ان تنبني الدولة وأنت تحت احتلال؟
- هذان متناقضان أساسيان يصعب التوفيق بينهما. انا لست مع اوسلو بالاساس، ونتائجه كارثية، لذلك كنت مع حل السلطة عندما ثبت بالوجه الشرعي ان اسرائيل غير معنية بالتوصل الى حل مقبول من الفلسطينيين وهو حل بالشروط الدنيا المعلنة من الجانب الفلسطيني، وترك الامور تنساب نحو دولة ثنائية القومية ابتداء ومن ثم دولة واحدة. العبء سيكون فيها على دولة اسرائيل، اذا هي لا تريد هذا الاختلاط، العنصر اليهودي مع الفلسطيني، هي التي تفصل وليس نحن. إذ يجب ان توضع اسرائيل على المحك وليس نحن.