الصديق بوكزول: اتخذ الموظف الملحق بالإدارة العامة للأمن الوطني جميع الاحتياطات من أجل الإفلات من المتابعة، أخفى أداة الجريمة وقدم شكاية تتعلق بتعرضه لسرقة واعتداء، ادعى من خلالها أنه أصيب على إثر الواقعة بخدش في وجهه، غير أن قطرات دم بقيت عالقة بحذاء المتهم ستزيد الشكوك حوله، ليحاصره المحققون بمجموعة من الأسئلة انهار بعدها واعترف بتفاصيل الجريمة التي ارتكبها بأحد الأحياء الشعبية بمدينة الدار البيضاء.. تغير لون وجهه ومال جهة الشحوب بعد أن استفسره أحد رجال الشرطة القضائية عن سبب تواجد بقع من الدم على ثوب معطفه وعلى حذائه، تلعثم لسانه بالكلمات التي كان يريد النطق بها، وعجز عن تقديم رد مقنع يبرر به آثار الدم العالقة بملابسه، فازدادت الشكوك حوله وقام أحد المحققين بتفتيش جيوبه ليعثر بحوزته على دلائل أخرى سرعان ماعجلت بظهور الحقيقة ...
جثة هامدة داخل دكان! كانت الساعة تشير إلى حوالي الواحدة إلا الربع من اليوم السابع من شهر دجنبر الماضي، حين رن هاتف قاعة المواصلات التابعة لأمن ابن مسيك سيدي عثمان، حمل المكلف بتلقي المكالمات السماعة، وحيى الشخص المتصل فرد هذا الأخير على التحية بسرعة، وأردف ذلك بالقول إنه اتصل من أجل التبليغ عن العثور على جثة هامدة داخل دكان .. طلب المكلف بتلقي المكالمات الهاتفية من المواطن الانتظار لثوان، ثم حول الخط على مكتب رئيس الشرطة القضائية .. استفسر هذا الأخير المتصل عن مكان العثور على الجثة فأخبره بأنها توجد داخل دكان بشارع القوات المساعدة بحي السلامة. كلف رئيس الشرطة القضائية عناصر الفرقة القضائية السابعة بالانتقال إلى مسرح الجريمة وإجراء بحث في الموضوع.. وبعد حوالي ربع ساعة، وصل فريق المحققين إلى عين المكان حيث وجدوا الشارع غاصا بحشد من المواطنين، تم إبعاد المتجمهرين ثم دلف رجال الشرطة إلى داخل الدكان المخصص لبيع المواد الغذائية والتبغ. كانت جثة الضحية ممددة على الأرض وقد نزف منها دم كثير، وعلى مقربة منها عصا ملطخة بالدم... دقق المحققون في الجثة فتبين لهم أنها تحمل مجموعة من الطعنات على مستوى القلب والظهر. عاين أفراد الشرطة القضائية الجثة ومحيط العثور عليها، ثم ربطوا الاتصال برجال الإسعاف قصد الحضور من أجل نقل الجثة إلى مستودع الأموات، وواصلوا البحث داخل الدكان. وجه أفراد الفرقة القضائية السابعة عنايتهم إلى البحث عن أشياء قد تساعدهم على فك لغز الجريمة .. وفي خضم هذا البحث انتبه أحد المحققين إلى كون أحد الرفوف مفتوحا، فدقق فيه جيدا ليتبين له أن به بعض الدراهم .. سمح هذا العنصر الأول بالتوصل إلى أولى الخلاصات التي تمثلت في كون الجريمة ارتكبت من أجل السرقة، لكن السؤال الذي بقي عالقا هو: من ارتكب هذه الجريمة؟
الخطوات الأولى نحو فك لغز الجريمة نقلت الجثة إلى مستودع الأموات من أجل تشريحها، واستمر البحث لفك لغز هذه الجريمة.. كانت البداية بالاستماع إلى طفلين قاصرين من أقرباء الضحية، أكدا أنهما كانا مارين أما دكان قريبهما حوالي الساعة الثانية عشرة فأثار انتباههما تواجد شخص يدعى الهاشمي على مقربة من مكان الجريمة .. تابع الطفلان المشهد عن قرب فتبين لهما أن الهاشمي يسعى إلى التسلل إلى الدكان من خلال باب مجاور له، فانتظرا إلى أن انسل الهاشمي إلى داخل الدكان ثم توجها نحو عمهما الذي كان ساعتها يهم بإقفال محل تجارته، واستفسراه عما إذا كان سيبقى بالداخل رفقة الهاشمي! استغرب الرجل بعد سماعه لهذا الكلام، خصوصا أنه لم يشاهد صديقه وجاره الهاشمي ذاك اليوم .. ولما سألهما عن الداعي إلى هذا الاستفسار، أخبراه بأن الهاشمي تسلل عبر الباب المجاور إلى «الصاكا»! فتش التاجر داخل دكانه فعثر علي الهاشمي الذي تظاهر بأنه جاء من أجل البحث عن علبة كارطونية ليضع فيها بعض الأغراض الخاصة به .. غادر الطفلان المكان، وبقي صاحب الدكان رفقة الهاشمي. تواصل التحقيق في ملابسات الجريمة خصوصا وأنه كان على رجال الشرطة معرفة ماذا جرى بعد أن غادر الطفلان الدكان .. وفي هذا السياق، لجأ أفراد الشرطة القضائية إلى صاحب محل لبيع المواد الغذائية كائن بجوار دكان الضحية، واستفسروه عما إذا كان قد شاهد شخصا أو عدة أشخاص وهم يتسللون إلى داخل دكان الضحية، فأجاب الرجل بأنه شاهد الهاشمي رفقة الضحية عندما كان يهم بإغلاق دكان بيع المواد الغذائية في منتصف النهار. هل الهاشمي هو الذي ارتكب جريمة القتل؟ سؤال طرحه أكثر من محقق، لكن أفراد الشرطة القضائية كانوا يستبعدون هذه الفرضية خاصة أن الهاشمي موظف بوزارة الداخلية ويقيم رفقة زوجته في منزل قريب من دكان الضحية. استبعد المحققون هذه الفرضية، لكن كان يجب عليهم تتبع هذا المسلك عله يساعدهم في الوصول إلى معرفة الحقيقة .. ولهذا الغرض، توجه بعض أفراد الشرطة القضائية إلى المنزل الذي يقيم به الهاشمي رفقة زوجته وأبويه، لكنهم لم يجدوه فوجهوا بعض الأسئلة إلى زوجته وأبويه، وعلموا من خلال الأجوبة التي تلقوها أن الهاشمي لم يتناول وجبة الغذاء بمنزله وأنه عاد متأخرا وهو مصاب بجرح في خده، وأن سبب إصابته بهذا الجرح يعود إلى نزاع بينه وبين أشخاص سرقوا هاتفه النقال من جيبه حينما كان راكبا بحافلة للنقل الحضري.
محاولة لتضليل الشرطة فرضت حراسة أمنية على الدكان من أجل الحفاظ على معالم الجريمة، وانتقل فريق البحث إلى مقر عمل الهاشمي بإحدى الدوائر الأمنية بسيدي عثمان من أجل التحقيق معه في القضية .. كان الهاشمي جالسا بمكتبه يتصفح بعض الوثائق حينما حل رجلان من الشرطة القضائية بالدائرة الأمنية التي يشتغل بها، سلم عليهما بعد أن تعرف على هويتهما وسألهما عما إذا كان بوسعه مساعدتهما في قضاء شيء بالمصلحة التي يشتغل بها.. دقق أحدهما النظر في عينيه من أجل جس نبضه وتسجيل ردة فعله الأولى، ثم أخبره بأن صاحب دكان يقع بالحي الذي يقطن به قد وجد مقتولا، وأن أشخاصا قد شاهدوه رفقة القتيل قبيل وقوع الجريمة. لم ينف الهاشمي الأمر بل أكد أنه بالفعل كان يتواجد برفقة الضحية بدكانه حوالي منتصف النهار، وأن سبب تواجده هو رغبته في الحصول على علبة كارطونية منه، ثم أضاف بأنه غادر الدكان فور حصوله على تلك العلبة الكارطونية، وقد نفى نفيا قاطعا أن يكون على علم بهذه الجريمة .. استفسره أحد المحققين عن سبب الجرح البادي على خده، فأجابه الهاشمي الذي حاول إظهار عدم ارتباكه بأنه أصيب بالجرح بعد أن تشاجر مع شبان سرقوا هاتفه النقال من جيبه، وحاول القبض على أحدهم غير أنه أصابه بظفر أحد أصابعه في وجهه. لم يكتف الهاشمي بمجرد الكلام لاستبعاد الشبهات عنه، بل أضاف بأنه تقدم بشكاية إلى إحدى المصالح الأمنية أكد من خلالها أنه تعرض لسرقة واعتداء من قبل بعض الشبان، وطلب من رئيس الفريق الاتصال بالمصلحة الأمنية للتأكد من صحة كلامه... وبهذا كاد الهاشمي أن يفلت من المتابعة خصوصا وأنه بدا واثقا مما يقوله، وزكى كلامه بوثائق لإثبات صحة ما صرح به. وبينما كان رجلا الشرطة القضائية يهمان بالمغادرة، آثار انتباههما تواجد نقط دم على حذاء الهاشمي وأخرى على معطفه، فاستفسره أحدهما عن مصدر ذلك الدم، لكنه عجز عن إعطاء تفسير سبب وجود تلك البقع على حذائه ومعطفه. ازدادت الشكوك حول الهاشمي وقام أحد المحققين بتفتيش جيوبه فعثر على مبلغ مالي والبطاقة الخاصة بهاتفه النقال التي كانت ممزقة .. سأله المحقق عن قيمة المبلغ الذي كان يتواجد بجيبه، فقدم قيمة مخالفة للقيمة الحقيقية للمبلغ (2400 درهم)، وعجز عن تفسير سبب تواجد بطاقة الهاتف النقال ممزقة داخل جيبه، وهو الذي أكد في وقت السابق أنها سرقت مع هاتفه النقال. أحس الهاشمي بأنه محاصر بأسئلة المحققين، وبعد طول إنكار، انهار ليعترف بأنه ارتكب الجريمة وبأن المبلغ الذي ضبط بحوزته وهو جزء من المبلغ الذي سرقه من دكان الضحية بعد قتله... اصطحب المتهم إلى مسرح الجريمة وهو مطأطأ الرأس، وداخل الدكان اطلع المحققين على مكان إخفائه للسكين بين قارورات فارغة، وعندما استخرجوه وجدوه ما زال ملطخا بدماء الضحية وتم حجزه لفائدة التحقيق، ثم توجه المتهم رفقة المحققين إلى منزله حيث أطلعهم على مبلغ 6600 درهم الذي يمثل الجزء الثاني من المبلغ الذي سرقه، ليصل مجموع ما سرقه إلى حوالي 9000 درهم.
تفاصيل الجريمة بمركز الشرطة القضائية، تحدث المتهم بإسهاب ذاكرا أدق التفاصيل عن أسباب ارتكابه للجريمة وكيفية تنفيذه لها، فقال إنه يقيم رفقة زوجته بمنزل أبويه ويطمح للحصول على سكن مستقل، ونظرا لكونه كان يتردد كثيرا على دكان الضحية فقد كانت تقع عيناه بين الفينة والأخرى على مبالغ مالية يضعها صاحبه في الصندوق المخصص لها. وبعد تفكير دام ثلاث ساعات، توصل الى طريقة لقتل صاحب الدكان دون أن ينجح أحد في أن يكتشف أمره... وحوالي الحادية عشرة صباحا، غادر مقر عمله، وهو يخفي سكين الجريمة في جيب معطفه، ثم توجه نحو صاحب دكان لإصلاح العجلات وطلب منه شحذ السكين بعد أن أخبره بأنه يحتاجه في ذبح كبش أحد أقاربه المتوجه لقضاء مناسك الحج! تسلم الهاشمي السكين وتوجه إلى دكان الضحية، وهناك حاول التسلسل من باب يؤدي إلى داخل «الصاكا» غير أن طفلين قاصرين كشفا أمره فادعى أنه يبحث عن علبة كارطونية! وبعد أن غادر الطفلان المكان، بقي برفقة الضحية الذي كان يستعد للتوجه إلى منزل أخيه من أجل تناول وجبة الغذاء. أغلق الضحية الدكان من الداخل، وفي اللحظة التي كان يستعد فيها للخروج من الباب رفقة الهاشمي، وجه له هذا الأخير عدة طعنات من السكين المشحوذ، أصابته على مستوى القلب .. حاول التاجر المقاومة فأصاب الهاشمي بخدش في خده، ثم خارت قواه ليسقط أرضا، وهي اللحظة التي تلقى فيها طعنات أخرى في الظهر ليصل عددها إلى سبع طعنات حسب ما أكدته نتائج التشريح الطبي. تأكد الهاشمي من كون الضحية قد لفظ أنفاسه، فجمع المبلغ المالي ثم تسلل من الباب تاركا الضحية جثة هامدة .. توجه القاتل على الفور إلى منزله، وبعد أن استفسرته زوجته عن سبب إصابته بجرح في خده، ادعى أنه تشاجر مع بعض اللصوص! أخفى الهاشمي جزء من المبلغ المالي في غرفة نومه، ثم توجه رفقة زوجته للتبليغ عن الاعتداء الذي تعرض له، وبعد ذلك عاد إلى مقر عمله، وبقي هناك إلى أن ألقى رجال الشرطة القبض عليه. كان الندم واضحا على محيا الهاشمي أثناء إعادة تمثيله للجريمة أمام حشد من الناس أجمعوا على أن الضحية كان رجلا حسن الأخلاق والمعاملة، وعابوا على هذا الموظف الذي لا يزال في ريعان شبابه تصرفا قد يكلفه عقوبة من الممكن أن تصل إلى الإعدام، خصوصا وأنه متابع بتهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، المتبوع بالسرقة وإهانة الضابطة القضائية بتقديم معلومات مغلوطة.